ما هي الآثار التي ستتركها نتائج الانتخابات الألمانية على السياسة الخارجية ؟
مع النتيجة الصادمة، التي حققها حزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني، في الانتخابات الألمانية الأخيرة، ودخول حزبٍ مثلِه البرلمانَ الألمانيَّ للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، ستكون لذلك بعض الآثار على السياسة الألمانية داخل أوروبا وخارجها.
أسفرت الانتخابات الألمانية الاتحادية 2017، عن نتائج كانت متوقعة جزئياً من قبل المحللين؛ لكنها كانت صادمة مع ذلك. فعلى مدى العقود الخمسة الماضية، كان البوندستاغ (البرلمان الاتحادي)، تحت هيمنة الطرفين الرئيسيين، الديمقراطيين المسيحيين، بحزبيْهما الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا، والاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا، على الجانب المحافظ، والديمقراطيين الاجتماعيين (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) على اليسار، مع تداخل الطرفين في الوسط، الطيف الليبرالي. ومنذ إعادة توحيد ألمانيا عام 1990، كانت هنالك ثلاثة أحزاب أصغر أيضاً من اليسار الليبرالي (الحزب الديمقراطي الحر، وحزب الخضر)، إلى طيف اليسار المتطرف، حزب اليسار، في البوندستاغ. وحتى الآن، كان الإجماع الجمهوري الفيدرالي أنه لن تكون هنالك أي أحزاب على يمين الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي على المستوى الاتحادي.
وقد جعلت انتخابات 2017 هذا الإجماع بائداً. فقد تقلص الحزبان الرئيسيان اللذان يتقاسمان في العادة السيطرة على أغلبية ثلثي المقاعد في ما بينهما، إلى ما يزيد قليلاًَ فقط على نصف مقاعد البرلمان. مع دخول حزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني، البوندستاغ للمرة الأولى في خمسين عاماً، وبنتيجة مذهلة، وإن لم تكن غير متوقعة تماماً، وهي حواليْ 13% من الأصوات.
ومع أسوأ نتيجة انتخابية في تاريخ الانتخابات الاتحادية، يكاد لا يكون أمام الحزب الاشتراكي الديمقراطي أي خيار سوى أن يصبح حزب معارضة؛ ليشق طريقه الخاص به بعيداً عن الائتلاف الكبير، الذي يسعى إلى الإجماع. ومع ذلك، فإن هذا يحدّ من فرص ائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي لتشكيل الحكومة. وقد حقق الحزب أيضاً أسوأ نتيجة له في تاريخه؛ لكنه ظل أقوى الأحزاب مع نحو ثلث المقاعد. ومن دون الحزب الاشتراكي الديمقراطي، كأحد الخيارات، فإن الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي في ظل المستشارة أنجيلا ميركل، يستطيع فقط أن يشكل ائتلافاً مع الحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر. وستكون تلك مهمة صعبة؛ وذلك بسبب الخلافات الأساسية بين الحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر؛ ولأنهما معارضان بشدة للعديد من السياسات المقترحة من قبل الاتحاد الاجتماعي المسيحي. والإجماع الوحيد حتى الآن، هو على عدم ضمّ حزب البديل من أجل ألمانيا في أي ائتلاف.
ونجاح البديل لألمانيا، هو ثاني التداعيات الرئيسية للانتخابات. فالحزب الذي بُني أساساً حول رفض اليورو، توجه نحو اليمين، محاولاً استغلال الاحتجاج على سياسات الهجرة. ومنذ ذلك الوقت، يمثل الحزب المواقف اليمينية المتطرفة بشكل متزايد، بكونه مناوئاً للإسلام، ومناهضاً للهجرة، ومناوئاً لإحياء الذكرى، ومناوئاً لليبرالية. وتمكن الحزب من حشد الناخبين الذين لم يكونوا راضين عن سياسات الائتلاف الكبير، ولديه مخاوف غير منطقية من المهاجرين (كان الحزب قوياً بوجه خاص في المناطق التي تقل فيها نسبة المهاجرين)، ولديه مخاوف من التراجع الاقتصادي. وعلى الرغم من أن نجاحه مثير للقلق الشديد، فإن موقفه غير مستقر بالفعل. فقد أعلنت زعيمة الحزب فروك بيتي، استقالتها من المجموعة البرلمانية للحزب، ومن المتوقع أن يحذو بعض حلفائها في الجناح الوطني المحافظ حذوها. والعديد من النواب الذين يزيد عددهم على 90، ينتمون إلى اليمين المتطرف، ويزدرون في بعض الأحيان الإجراءات البرلمانية علناً. ومعظمهم لديه خبرة سياسية ضئيلة. والنتيجة المتوقعة لفصيل البديل لألمانيا، ستكون معارضة أساسية غير منتجة، إن لم تكن انهياراً تاماً وانقساماً إلى فصيلين متنافسين، على الأقل.
وميدان المعركة التالي هو الاتحاد الأوروبي ذاته، مع التحديات المؤسسية، مثل: الإصلاحات المقترحة من قِبل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وتحدي الدمج الأوروبي للحكومات القومية في بولندا، وهنغاريا ودول أوروبية شرقية أخرى. وسيكون التحدي الرئيسي الثالث هو الهجرة من إفريقيا، وخاصة مع مشاركة حزب الخضر في الحكومة. ومن المرجح أن يعارض الخضر حلولاً مثل إقامة مخيمات للاجئين في ليبيا، وتقديم دعم عسكري لدول مثل تشاد ومالي، والمشاركة حالياً في استراتيجيات الهجرة من قبل الحكومات الأوروبية.
كاي فورستيبيرغ – باحث ألماني مستقل – موقع ” يوراسيا ريفيو ”
صحيفة الخليج الإماراتية
[ads3]