كردستان من حلم الدولة إلى التقسيم ؟

مرة ثالثة يسقط حلم الدولة الكردية، الأولى عام 1922 – 1924 بعد الحرب العالمية الأولى عندما تقاسمتها تركيا وإيران والعراق وسوريا، ومرة ثانية عندما سحق شاه إيران جمهورية مهاباد عام 1946، والمرة الثالثة اليوم بعدما انهارت نتائج الاستفتاء وعادت كردستان ربع قرن الى الوراء!

إنها القضايا الخاسرة والأحلام الخاسرة دائماً، لكن الذين يصنعون هذه الخسائر ليسوا دائماً الخصوم والذين يعارضون الأحلام، بل في أحيان كثيرة هم الحالمون أنفسهم عندما يسمحون بتدخلات الخصوم، وهكذا لم تتمكن إيران وتركيا والعراق، من إجهاض نتيجة الاستفتاء فحسب، بل ها هي تدفع كردستان للعودة الى أواسط التسعينات.

بدلاً من قيام الدولة تنهار وحدة الإقليم، وقد يعود الكرد الى الحرب الأهلية. خريطة تقسيم كردستان القديمة على الطاولة من جديد، بحيث يقوم إقليم السليمانية وحلبجة وكركوك، ويديره على الغالب “حزب الإتحاد الوطني الكردستاني” الذي كان يرأسه جلال طالباني، والذي يبدو أن إبنه بافل الذي يتولى قيادة البشمركة في منطقة كركوك، انسحب مسهلاً دخول الجيش العراقي و”الحشد الشعبي”. وفي المقابل إقليم أربيل ودهوك الذي يديره “الحزب الديموقراطي الكردستاني” الذي يرأسه مسعود بارزاني الذي دعا الى الاستفتاء وأصر عليه، ثم قال “إن خيانة كبرى وطعنة في ظهر كردستان سلًمت كركوك”، معلناً أنه يتنحى عن منصبه إبتداءً من اليوم تحديداً ليعود مقاتلاً في البشمركة، وهكذا اقتحم مؤيدوه البرلمان وبعض مراكز حزب الإتحاد وأحرقوها بما هدد بنشوب حرب أهلية جديدة.

المفارقة ان يعيد التاريخ نفسه على صفحة الشعب الكردي، الذي قسّمه اتفاق سايكس – بيكو ووزعه في أربع دول والمنقسم على نفسه ايضاً، فلن يصدق المرء مثلاً ان هناك في كردستان العراق 32 حزباً، ثم ان الحديث عن مخاوف من صراع بين الكرد يذكّر بما جرى في التسعينات من حرب دموية بين الحزبين الكبيرين الإتحاد الوطني والديموقراطي، ويومها تقدم حزب طالباني وسيطر على أربيل بدعم من إيران، لكن بارزاني ذهب الى بغداد وطلب مساعدة صدام حسين الذي ارسل الجيش العراق وأعاد السيطرة على اربيل الى الحزب الديموقراطي. واضح ان جروح تلك الفترة لم تندمل، وهو ما مكّن الإيرانيين بالتعاون ضمناً مع تركيا والعراق، من إسقاط الاستفتاء وتدمير حلم الدولة مرة جديدة ودفع الإقليم الى الانقسام بحيث تسهل السيطرة عليه من الخارج.

النائب العراقي مسعود حيدر أكد ان دخول الجيش العراقي و”الحشد الشعبي” كركوك دون مقاومة، كان نتيجة اتفاق بين بافل طالباني وهادي العامري قائد “الحشد الشعبي”، وجرى في إشراف حيدر العبادي وقاسم سليماني الذي ذهب الى السليمانية، وبمباركة من تركيا رغم علاقتها الجيدة مع بارزاني لكنها تعارض كلياً قيام أي دولة كردية على حدودها.

راجح الخوري / النهار اللبنانية[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد