غارة حمص العادية

مرت الغارة الإسرائيلية ليل أول من أمس على ما قيل أنه مصنع للذخائر قرب مدينة حمص السورية، من دون أن تثير قدراً يذكر من الاهتمام. بعد نصف ساعة من انتشار النبأ، اختفى من موجزات الأخبار ومواقع الأنباء العاجلة.

إنها مجرد حركة على لوح شطرنج الصراع الإسرائيلي– الإيراني سبقتها حركات وستتبعها شبيهات لها كثيرات إلى أن يُعد مسرح المواجهة العسكرية المفتوحة في سورية ولبنان أو أن يجري التوصل إلى تسوية سياسة في إطار رسم خرائط المشرق العربي بعد فشل الثورات.

في السادس عشر من الشهر الماضي، شنت الطائرات الإسرائيلية غارة على موقع للدفاع الجوي السوري بعد إطلاقه صاروخاً على طائرة إسرائيلية كانت في دورية استطلاع «روتينية» في الأجواء اللبنانية. بعد أيام، أطلقت رشقة من الصواريخ على مرتفعات الجولان المحتلة، حمّلت إسرائيل المسؤولية عنها إلى عناصر «حزب الله» المنتشرين هناك وأعقبت ذلك بنشرها صورة واسم من قالت إنه المسؤول عن قوات الحزب في منطقة الجولان.

أول من أمس، ردت الدفاعات الجوية على الغارة على الموقع المستهدف بصاروخ يبدو أنه سقط على السلسلة الشرقية لجبال لبنان محدثاً دوياً كبيراً، أثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران.

غارتان في أقل من شهر وقبلهما مناورات ضخمة للجيش الإسرائيلي استعداداً لحرب على جبهتي الشمال، السورية واللبنانية، وتهديدات مستمرة من المسؤولين الإيرانيين لإسرائيل، في سياق عريض هو العثور على حل وسط للحاجات الاستراتيجية الإيرانية والإسرائيلية في بلادنا، التي نغيب عنها كمقررين لمصيرها ومستقبلها ونحضر فيها كضحايا وأطفال يموتون جوعاً في الغوطة وكلاجئين، حاليين ومحتملين، نشكل أزمة للدول المضيفة.

لم يتفق الروس والأميركيون- وكأنها عبارة مستلة من قاموس الحرب الباردة- لم يتفقوا على «مصالح» إسرائيل وعلى «مصالح» إيران في سورية (وفي لبنان، استطراداً). هذا ما بقي من الثورة السورية ومن التضحيات المرعبة التي قدمها السوريون ومن دمار بلدهم وتدخل القوى الإقليمية والدولية لإفشال الثورة وتحويلها «مهاوشة على صيدة» على ما قال أحدهم قبل أيام.

وإذا كانت الحرب هي الخيار الإسرائيلي المفضل، فإن بنيامين نتانياهو، الذي يتجاذبه إغراء التصعيد في غزة حيث فجر نفقاً مكتشفاً قبل أسابيع لإفشال المصالحة الفلسطينية، وإغراء ضرب «حزب الله» و «الحرس الثوري» الإيراني في سورية، يعلم أن الأمر يتطلب إعداداً كبيراً لئلا تتكرر نتائج حرب تموز (يوليو) 2006، فيهدي نصراً آخر إلى علي خامنئي وحسن نصرالله. والإعداد يتطلب حسماً أميركياً للموقف من الاتفاق النووي مع إيران واقتناعاً أميركياً، أيضاً، بأن الدور الروسي في سورية لن يفضي إلى النتيجة التي تريدها واشنطن. هذان المعطيان لم يتحققا بعد وقد لا يتحققان في القريب العاجل بسبب استمرار المضمون «الأوبامي» للسياسة الخارجية الترامبية.

الغارة الليلية قرب حمص تصب في الخط التصاعدي للاستعدادات للحرب المقبلة. ويمكننا، في الإطار ذاته، أن ننتظر في القريب العاجل رداً من الجولان بصواريخ مجهولة الهوية. لكن الواضح أن الإسرائيليين والإيرانيين ينتظرون إشارات صريحة من راعييهما الدوليين للقفز إلى نقلة نوعية في العمل الميداني، ما دام البازار السياسي لم يقفل بعد. لقد عادت منطقتنا ساحة خالية من الأهل.

حسام عيتاني – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها