BBC : ما الذي يجعل حياة المغتربين أكثر صعوبة خارج أوطانهم ؟
الاغتراب عن الوطن لا يجلب بالضرورة المال والثراء الفاحش. تتناول الصحفية سارة تريليفن بالبحث بعض العثرات التي قد يواجهها المغتربون.
تستأجر ليديا لي، وهي مدربة شخصية متخصصة في تحسين جودة الحياة، فيلا من طابقين في جزيرة بالي في أندونيسيا، وذلك بأقل من نصف قيمة الإيجار الذي كانت تدفعه في مسقط رأسها في فانكوفر في كندا.
وبعد سبع سنوات من العمل في إندونيسيا، استطاعت لي أن تنمي مشروعها الخاص وتنعم بحياة أكثر ترفا ورفاهية من حياتها في موطنها. إذ يمكنها الآن الذهاب إلى المطاعم يوميا، ولديها عاملة نظافة، وفوق ذلك تحصل على جلسات تدليك أسبوعيا.
وبعد أن تركت وظيفتها في مجال التسويق وتطوير الأعمال، التي كانت تحصل منها على راتب مكون من ستة أرقام، يفوق المئة ألف دولار، تعمل الآن لحسابها الخاص وتسافر حول العالم. لكن الانتقال إلى بلد آخر لا يحقق مردودا ماليا كبيرا في جميع الأحوال.
بالطبع ليس بإمكان جميع المغتربين أن يعيشوا حياة مرفهة. وقد استطلعت شبكة “إنترنيشنز”، التي توفر المعلومات التي يحتاجها المغتربون، آراء ما يزيد على 12.500 مغترب في 188 دولة أو إقليم حول العالم، واختلف وصف الأوضاع المالية من مغترب لآخر اختلافا ملحوظا.
وبينما ذكر أصحاب المهن الذين انتقلوا إلى فيتنام والمكسيك وكولومبيا، وغيرها من الدول ذات تكاليف المعيشية المنخفضة، أن قدرتهم الشرائية ارتفعت إلى حد كبير، فإن المغتربين في بلدان أخرى، مثل إيطاليا وإسرائيل واليونان، قالوا إن رواتبهم في أغلب الأحيان لا تكفي لتغطية النفقات الأساسية بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
وأحيانا ما تلبث الأمور أن تتدهور وتتبدد الآمال بعد الانتقال إلى البلد الجديد.
فقد أثقل الانتقال إلى أستراليا كاهل راسيل وارد ماليا وصحيا. ففي عام 2006، انتقل وارد إلى سيدني مع زوجته الاسترالية، التي كانت تحرص على العودة لوطنها. وكان من بين العوامل التي جذبتهم إلى أستراليا شمسها الساطعة وطقسها الدافئ ومناظر المحيطات، وكانت هذه الحياة في نظرهم أكثر ملاءمة وترحيبا من الحياة في كندا، التي عاش فيها وارد، البريطاني الجنسية، منذ عام 2003.
وعمل وارد في مجال المبيعات، وعملت زوجه في القطاع الحكومي، لكنهما سرعان ما أدركا أن أعباء الحياة ستزيد كثيرا في أستراليا. فقد كان كل شيء في سيدني، كبرى مدن أستراليا، من غلاء أسعار البقالة والملابس إلى ازدهار سوق الإسكان، ينبئ بأن تكاليف المعيشة في أستراليا ستكون أعلى منها في كندا.
ووجد الزوجان أنهما يدبرّان القسط الشهري للرهن العقاري بشق الأنفس.
يقول وارد: “كنا نعيش على الكفاف، رغم أننا لم يكن لدينا أطفال. وسرعان ما اتضح لنا أن الاستمتاع بالمناظر الطبيعية البديعة كلفنا الكثير”.
وقلل الزوجان من الذهاب إلى المطاعم، والتواصل مع الآخرين، والزيارات، لكن في عام 2010، زادت الأعباء المالية، ودفعت وارد إلى حافة الانهيار البدني والمعنوي. فقد وارد وظيفته واضطر الزوجان لبيع منزلهما ليستأجرا بيتا أقل ثمنا.
وكانت هذه هي نقطة التحول في حياتهما. وفي عام 2016، بعد تدشين مشروع لكتابة المحتوى الرقمي، “ذا إنترناشيونال رايتر دوت كوم”، قرر الزوجان الانتقال إلى مقاطعة بريتيش كولومبيا في كندا، ذات التكاليف المعيشية الأقل، والاستقرار في مدينة سكواميش، بالقرب من فانكوفر. يقول وارد: “هذا الانتقال كان حقا انفراجا للضائقة المالية التي كنا نمر بها”.
وربما يساهم تحليل الدوافع التي دعت المغتربين إلى الانتقال من البداية في تفسير التفاوت في الأوضاع المالية للمغتربين. فقد ساق المغتربون أسبابا مختلفة للانتقال إلى بلد آخر، كان أكثرها شيوعا إما إشباع روح المغامرة أو تحسين جودة الحياة، سواء من حيث الصحة أو الطقس.
وهذا يعني أن الكثير منهم لم يغترب من أجل جمع المال في المقام الأول، فلم يذكر إلا 15 في المئة فقط من المشاركين في الاستطلاع أن الحافز المالي كان الباعث الرئيسي الذي دفعهم للسفر.
وفي الاستطلاع الذي أجراه بنك “اتش إس بي سي” عام 2017 لآراء المغتربين بعنوان “إكسبات إكسبلورير”، ذكر أكثر من نصف المغتربين المشاركين فيه أن المبالغ التي يدخرونها في البلد الذي انتقلوا إليه تفوق ما كانوا يدخرونه في مواطنهم، وذكر أقل من 60 في المئة أن الدخل المتاح تحت تصرفهم في البلد الجديد يفوق الدخل المتاح الذي كانوا يحصلون عليه في أوطانهم. لكن يبدو أن هذه النسبة في طريقها للانخفاض.
تتجه الشركات متعددة الجنسيات الآن، حتى الكبرى منها، إلى إخضاع المغتربين للشروط والأوضاع المحلية في البلد الذي انتقلوا إليه.
وهذا يعني أن أصحاب العمل يطلبون من الموظفين الانتقال بصفة دائمة إلى فرع للشركة غالبا، أو لمقرها الرئيسي في بلد آخر، بدلا من تكليفهم بمهام عمل مؤقتة، وكثيرا ما يحصل الموظفون وفقا لهذا النظام على امتيازات وتعويضات أقل من الامتيازات المقررة في المعتاد للمغتربين، ولا تعدهم الشركة بالعودة إلى الوطن.
تقول إيفون ماكنالتي، كبيرة المحاضرين في كلية التنمية البشرية والخدمات الاجتماعية بجامعة سنغافورة للعلوم الاجتماعية، إن نسبة المغتربين الذين يحصلون على مزايا وتعويضات سخية الآن أصبحت أقل من 50 في المئة من إجمالي المغتربين، ولا تزال هذه النسبة آخذة في الانخفاض.
وتضيف: “إن البديل الأبسط للشركات هو إخضاع الموظفين للأوضاع المعيشية المحلية في البلد الجديد، لما فيه من توفير للنفقات. ولكن هذه السياسة أكثر تعقيدا للمغتربين.
وتتابع: “ففي مقابل المزايا المالية التقليدية القليلة التي سيحصل عليها الموظف، سيجني ميزة معنوية تتمثل في عدم ارتباطه ماليا بالمؤسسة التي يعمل لحسابها، وهذا يتيح له قدرا أكبر من الحرية للانتقال إلى شركات أخرى متى شاء.”
لكن الكثير من المغتربين في الشركات التي توفر مزايا وتعويضات كبيرة مقابل الانتقال إلى بلد أخر، يجدون صعوبة أيضا في التحكم في معدل الإنفاق.
وتقول ماكنتلي: “قد ينطوي الانتقال إلى بلد آخر على تبني أسلوب حياة جديد، يتجلى في الإفراط في الإنفاق والشراب والخروج للتنزه والسفر لقضاء العطلات.”
وتضيف أن في الوقت الذي ينزع فيه المغتربون الذين يحصلون على كافة الامتيازات والتعويضات إلى العيش بمعزل عن السكان المحليين، فإن المغتربين الذين يعملون وفقا للأوضاع المحلية ينظرون إلى البلد الجديد بطريقة مختلفة، ولهذا يمضي أغلبهم وقتا أطول في موطنهم الجديد، طالما يمكنهم توفير نفقات البقاء في هذا البلد.
إلا أن الأموال الوفيرة لا تكفي في كل الأحوال لإسعاد المغتربين، حتى من انتقل منهم إلى البلد الجديد بمساعدة شركاتهم.
وفي عام 2013، انتقل هومان ليساني من فانكوفر في كندا إلى سنغافورة، التي تتضمن شركات توفر أعلى مجموعة من المزايا، ورواتب للمغتربين في العالم.
ووفرت له شركة التعدين التي التحق بها بدلا للسكن، وراتبا ضخما، واستطاعت أسرته أن تعين مربية مقيمة في المنزل. ولكن بعد عامين فقط من تجربة أسلوب الحياة المترف، الذي تضمن التجول في مختلف أرجاء آسيا، خفت بريق الثراء والمال.
وانتقلت في النهاية زوج ليساني وابنه إلى مدينة بيرث، عاصمة ولاية أستراليا الغربية في عام 2015، ولكنهم أكثر سعادة هناك بمراحل. ورغم انخفاض الدخل المتاح للإنفاق، فإن ليساني استطاع أن يجد وظيفة بديلة مناسبة.
ويقول لاساني: “أدفع الأن ضرائب أعلى، ولم نعد نستطيع توفير نفقات مربية مقيمة لطفلي، ولا الذهاب للمطاعم طوال الوقت، ولكننا نفضل هذا النمط المعيشي البسيط”.
سارة تريليفن – بي بي سي[ads3]