هل تمكن بوتين من إقناع إيران بالحل السياسي ؟
مع بداية تدخّل روسيا عسكريّاً في النزاع السوريّ، راهن البعض على أنّ العلاقات بين #موسكو و #طهران ستكون عرضة لاهتزازت متعدّدة مع مرور الوقت بسبب عدد من القضايا السياسيّة والعسكريّة إضافة إلى عوامل تاريخيّة. فإيران التي تعرّضت للاحتلال من روسيا القيصريّة والسوفياتيّة، تجرّعت كأساً مرّة حين طالبت الروس بالتدخّل العسكريّ للدفاع عن #دمشق. وهي كانت على قناعة بأنّه إذا تحقّق الانتصار بالحفاظ على الرئيس السوريّ بشّار #الأسد في منصبه، فالفضل الأكبر سيُنسب إلى #الكرملين، علماً أنّ #إيران قاتلت إلى جانب الأسد منذ بدايات الحرب السوريّة.
ظهرت الخلافات أكثر من مرّة بين حليفي الميدان وخرجت إلى العلن عبر وسائل الإعلام لكنّ ذيولها عولجت لاحقاً بهدوء وإن لم يكن بشكل كامل. أبرز مثال على ذلك، إعلان وزارة الدفاع الروسيّة قصف طائراتها مناطق في #دير_الزور و #حلب و #إدلب، انطلاقاً من قاعدة “نوجة” العسكريّة في همدان، غربيّ إيران في 16 آب 2016. وفي 22 آب، أعلنت إيران انتهاء العمليّات الروسيّة في تلك القاعدة. ولم يكن الإيرانيّون يريدون إفشاء هذا التعاون وإعلان وجود قوّات روسيّة على أراضيهم خصوصاً أنّ نوّاباً من مجلس الشورى اعتبروا ما جرى “خرقاً للسيادة”. ولم تستخدم موسكو أيّ مطار عسكريّ إيرانيّ منذ ذلك الحين.
مثلٌ آخر مهّد لمرحلة كان يخشاها الإيرانيّون حول توجّه روسيّ لاعتبار موسكو صاحبة الإنجاز الأوّل في ما تحقّق من انتصارات عسكريّة. ففي كانون الثاني من هذا العام، أعلن وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي #لافروف أنّ “العاصمة دمشق كانت ستسقط خلال أسبوعين أو ثلاثة في يد الإرهابيّين لولا هذا التدخّل (العسكري لروسيا)”. وشكّل هذا التصريح إشارة إلى أنّ موسكو ستحتفظ لنفسها بالكلمة العليا في مستقبل سوريا. وفي حين كانت روسيا تمهّد لافتتاح مسار الحلّ السياسيّ في أستانا، أصرّت إيران على اعتماد الحلّ العسكريّ كخيار وحيد لإنهاء النزاع الدائر هناك منذ ستّ سنوات.
يشير موقع “إيران فوكس” إلى غياب “جوهري” للتناسق في الأهداف الاستراتيجيّة بين الدولتين. فسوريا هي عمق إيران الاستراتيجي لذلك لا يمكنها تحمّل خسارة نفوذها هناك. بينما تستخدم موسكو الأراضي السوريّة كمنصّة لتحقيق أهدافها العالميّة. وانطلاقاً من هذا التحليل، يمكن للمكاسب التي قد تحقّقها روسيا دوليّاً أن تنعكس تنازلات في سوريا، لذلك، تعتمد طهران مقاربة أكثر تشدّداً من موسكو تجاه عدد من المسائل بما فيها تفضيلها الخيار العسكريّ.
في المبدأ، إنّ تمكّن بوتين من إدخال إيران كطرف ضامن لخفض التصعيد في أستانا رسم منعطفاً مهمّاً في رسم المسار السياسيّ، لكن مع ذلك، لا شيء يمنع طهران من استغلال المحادثات لكسب مزيد من الوقت، ربّما بانتظار اللحظة التي تخفّض فيها روسيا قوّاتها على الأراضي السوريّة. حتى القمّة الرئاسية الثلاثيّة التي استضافتها #سوتشي يوم الأربعاء الماضي بحضور رؤساء روسيا وإيران و #تركيا، خرجت بدعم واضح لإنضاج الحلّ السياسيّ. لكن ما هو معلن قد يكون مخالفاً لما هو مضمر في طهران. “يمكن القول بالتأكيد أنّنا وصلنا إلى مرحلة جديدة تفتح الباب لمسار تسوية سياسيّة حقيقيّة”، قال بوتين خلال القمّة الرئاسيّة. وبعدما أشاد بأدوار كلّ من موسكو وأنقرة وطهران التي أوصلت إلى “تفادي تفكيك سوريا واحتلالها من قبل إرهابيّين دوليّين وتفادي كارثة إنسانيّة”، حدّد الإطار العام للتسوية: “مسار جنيف”.
لكن إذا كانت إيران قد دخلت إلى أستانا على مضض، فكيف سيكون الحال مع مسار أمميّ شاقّ يساهم أكثر في تحجيم النفوذ الإيرانيّ؟
يبدو الرئيس الروسيّ مصمّماً على حلّ سياسيّ يشرك فيه أطرافاً من خارج أستانا. فمجرّد اتّصاله برؤساء وملوك وحكّام الدول الفاعلة مثل الولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر وإسرائيل، بعد استقباله الأسد يوم الاثنين الماضي، هو دلالة إلى اقتناع روسيا بالإطار الأمميّ، أقلّه إلى الآن. وفي اليوم نفسه الذي اجتمع فيه بوتين بنظيره السوريّ، كان نائب وزير الخارجيّة الروسي سيرغي بوغدانوف في الإمارات. هذه الشبكة من التواصل مع القوى الدوليّة والإقليميّة المؤثّرة في الملفّ السوريّ تُظهر أنّ الكرملين ينقل المحادثات بنفسه إلى مرحلة جديدة، حتى قبل انعقاد مؤتمر سوتشي للحوار السوريّ في شباط المقبل على الأرجح.
لا شكّ في أنّ إيران تراقب عن كثب مدى إمكانيّة الاتفاق بين واشنطن وموسكو حول الأوضاع في #سوريا، خصوصاً أنّ واشنطن تريد تحجيم النفوذ الإيرانيّ هناك من أجل قطع الممرّ البرّي الذي يربط طهران بشرق المتوسّط. وهذا يدفع إيران إلى تعزيز نفوذها العسكريّ في وسط سوريا تحسّباً لسيناريوهات مقبلة قد لا تصبّ في صالحها. ففي العاشر من هذا الشهر، كشفت هيئة الإذاعة البريطانيّة “بي بي سي” عن بناء إيران لقاعدة عسكريّة بارزة بحسب ما نقلته عن مصدر مخابراتي غربيّ بالقرب من الكسوة التي تقع على بعد 14 كيلومتراً جنوب العاصمة السوريّة. كما وضعت صوراً حصريّة عن الأقمار الاصطناعيّة تظهر المنشآت التي يتمّ بناؤها. وتعزيز طهران نفوذها في العاصمة السوريّة إشارة إلى أنّ “عمقها الاستراتيجيّ” خطّ أحمر.
قد تكون إيران في موقع المراهنة على أنّ #واشنطن لن تتوصّل إلى اتفاق مع روسيا بسبب ضغوط #الكونغرس. لكن حتى في حال فشل هذا الرهان هنالك عدد من المعطيات التي قد لا تدفع إيران لتقديم مزيد من التنازلات في أيّ حلّ سياسيّ مقبل، داخل جنيف أم خارجه. ويشرح ذلك، الباحث في الشؤون الروسيّة ألكسي خلبنيكوف في موقع “لوب لوغ” الأميركي الذي يُعنى بسياسة واشنطن في الشرق الأوسط. يكتب خلبنيكوف أنّ “روسيا لا تملك الكثير من التأثير على إيران” التي “يمكن أن تعرقل أي اتفاق في أي وقت إذا شعرت بالتهميش”، لذلك، “قد تطلق جولة تصعيد جديدة بسهولة”. ويضيف أنّ موسكو تودّ أن تظهر للأميركيّين وتطمئن المجتمع الدوليّ إلى أنّها تريد الانخراط في تسوية سياسيّة داخل سوريا، لكن مع ذلك، هي لا تريد تهميش إيران التي ترى فيها لاعباً مهمّاً.
والنتيجة؟ “عاجلاً أم آجلاً تحتاج موسكو إلى أن تتّخذ خيارها” يؤكّد خليبنيكوف.
من هنا، لا يُستبعد أن تكون إيران غير مقتنعة بالحلّ السياسيّ الذي يُعمل عليه في جنيف على الرغم من التأكيدات الروسيّة بأهمّية هذا المسار. ويبدو أنّ لإيران بضع نقاط من القوّة التي يمكن أن تجهض بها أي توافق على حلّ لا يرضيها، هذا إن تمّ التوصّل إلى التوافق المنشود في المدى المنظور.
جورج عيسى – النهار اللبنانية[ads3]
صرعوا راسنا لسنتين بمقولة لما نقضي على داعش سنقضي على الاسد الآن قضوا على داعش و تحالفوا مع الأسد.
الله يدمر كل مجرم.