ذبح وجدان المسلمين و المسيحيين

من وعد بلفور الذي أعطى الاسرائيليين كياناً سلب الوطن الفلسطيني، الى وعد ترامب الذي يعطي الاسرائيليين القدس عاصمة، ويدفن آخر فرصة لاحياء عملية التسوية، التي سيدمرها هذا القرار نهائياًً!

الرئيس الأميركي الذي وعد خلال حملته الانتخابية، بنقل السفارة الأميركية الى القدس، حاول في الأشهر الأخيرة، ان يناور، لكن يبدو الآن أنه مضى بعيداً في الخديعة، فقد تحدث قبل أشهر عن “تسوية كبرى” في المنطقة يعكف على ترتيبها، ليتبيّن أنها ليست سوى “جريمة كبرى” ستدفن نهائياً كل امكان للتوصل الى حل للصراع، الذي طالما فجّر الأوضاع وعمّق الكراهيات في المنطقة.

أسوأ من اصرار ترامب على تنفيذ وعده بنقل السفارة، أنه لم يتردد في الاتصال بالرئيس محمود عباس والرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبدالله، ليبلغهم قراره وكأنه لا يعرف ما ستكون ردودهم المحذّرة والغاضبة.

واذا كان عباس قد أكد له ان لا دولة فلسطينية من دون القدس الشرقية عاصمة لها وفقاً لقرارات الشرعية الدولية و”مبادرة السلام العربية”، محذراً من تداعيات هذا القرار على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، فان العاهل الأردني حذّره من خطورة القرار، لأن القدس تبقى مفتاح السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، اما السيسي فأكد الموقف المصري الثابت بضرورة المحافظة على الوضع القانوني للقدس، في حين قال الملك سلمان ان هذا استفزاز للمسلمين في العالم. التحذيرات انهمرت أيضاً من دولة الامارات والكويت وكل العواصم العربية والدولية المهتمة بالتسوية السلمية، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حرص على أن يتصل بترامب محذراً، لكن قرار نقل السفارة الذي على مكتب ترامب لم يكن في خانة هل يوقع بل متى يوقع.

ربما رأى ترامب ونتنياهو ان الوضع الكارثي الراهن في العالم العربي، الغارق في انقساماته وصراعاته ومشاكله، يساعد في تنفيذ القرار الذي يعني عملياً ابتلاع القدس، لكن ذلك لن يدفن القضية بل سيؤججها أكثر ويدفع نحو مرحلة جديدة من الصراع ولو بعد حين.

والقدس ليست مفتاح السلام فحسب، وليست مدينة مقدسة فحسب، القدس وجدان الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين في العالم، والقدس نبض ديني ودنيوي، روحي ومادي، سياسي وقومي، رمزي وأخلاقي، واذا كان نتنياهو وترامب الذي يقفز فوق هوامش القضايا، يظنان ان ابتلاع القدس عملية ممكنة بشحطة قلم وتوقيع عجيب غريب في المكتب البيضوي، فانه من غير الممكن ابتلاع كل ما تمثله القدس من تاريخ وقيم وحسٍ وجداني عند المسيحيين والمسلمين على حد سواء.

واذا كان ترامب لا يتردد في دفن ثلاثة عقود من المساعي الديبلوماسية الأميركية للتسوية السلمية وحفنة كبيرة من قرارات الشرعية الدولية، فانه لن يتمكن من أن يدفن وجدان المسلمين والمسيحيين في ذمة اسرائيل… مفهوم!

راجح الخوري / النهار اللبنانية[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫2 تعليقات

  1. نداء الى السيد احمد جِبْرِيل المناضل الفلسطيني قائد الجبهة الوطنية لتحرير (فلسطين)، القدس تناديكم، سارية السواس تذهب و تعود و لكن القدس ابدية.

  2. ياراجح متى ستفهمون أنت والشعب العربي بأن هؤلاء لايفرق معهم أية مشاعر وأي تاريخ لديهم خطط عليهم تنفيذها وشعوبنا نصفها نائم بالعسل والنصف الاخريتصارع على الهوية