القوانين الصارمة تقيد مستقبل أبحاث الخلايا الجذعية في ألمانيا
لم يعد حارس الشرطة أمرا أساسيا في الحياة اليومية للعالم الألماني أوليفر بروشتيله، وتوقفت مكالمات التهديد الهاتفية منذ فترة طويلة. قبل 15 عاما، وتحديدا في التاسع عشر من ديسمبر من عام 2002، حصل بروشتيله على أول تصريح لإجراء أبحاث على الخلايا الجذعية للأجنة البشرية في ألمانيا.
بالنسبة للمعارضين، بدا الأمر كأنه تصريح بتجارب على غرار فرانكنشتاين على الأجنة، وفرنكشتاين شخصية روائية وسينمائية تتمثل في مسخ ضخم ذي سحنة شاحبة وملامح جادة، مشيته وحركته مميزتان كأنه إنسان آلي، بينما يقول مؤيدوها إنها تعزز الأمل في الوصول إلى علاجات لأمراض مثل مرض باركنسون.
لم يكن بروشتيله (55 عاما)، الذي يعيش في مدينة بون غربي ألمانيا، يتوقع أبدا معجزات حتى في ذلك الوقت، إلا أن أبحاثه قد قطعت شوطا طويلا منذ ذلك الحين.
ويقول البعض إن القوانين الصارمة في ألمانيا على أبحاث الخلايا الجذعية تعني أن العلماء يتخلفون عن أقرانهم على الساحة الدولية.
وكان بروشتيله، المتخصص في أمراض الأعصاب، يعمل على إيجاد طرق لاستبدال خلايا الجهاز العصبي التالفة باستخدام خلايا عصبية يتم تطويرها في المعمل من خلايا جذعية جنينية.
ويتم الحصول على الخلايا الجذعية الجنينية من أجنة لا يتجاوز عمرها الأيام ويتم التخلي عنها بعد الإخصاب المخبري (بالأنابيب الزجاجية). ويتم تدمير الأجنة، المكونة فقط من بضع خلايا، في العملية.
وبدأ اكتشاف تقنية العلاج بالخلايا الجذعية وتسمى ايضا الخلايا الجذرية عام 1998، حينما استطاع الطبيبان جيمس تومسون وجون غيرهارد الحصول على الخلايا الجذعية من جنين بشري في بداية تكونه المبكرة، ليفتحا بذلك طريقة جديدة للعلاج عن طريق تلك الخلايا، لتحل محل العلاج العقار التقليدي أو زرع الأعضاء.
وتمت عملية فصل هذه الخلايا الفريدة من نوعها وأُجريت الكثير من الدراسات والأبحاث التي أكدت قدرة الخلايا الجذعية على تكوين كل خلايا الجسم المتخصصة. ومنذ بدأ بروشتيله العمل قبل 15 عاما، تطورت أساليب استخلاص الخلايا البديلة من الخلايا الجذعية البشرية بسرعة هائلة.
واليوم، يمكن لبروشتيله وزملائه من مختلف دول العالم تطوير كافة أنواع الخلايا العصبية من الخلايا الجذعية بدقة لا يمكن تصديقها. كما تم استخدامها بنجاح في التجارب التي تتضمن حيوانات.
ومنذ عام 2002، تم استصدار 132 تصريحا لإجراء أبحاث على خلايا جذعية جنينية بشرية في ألمانيا، وكل تصريح يستغرق إصداره وقتا طويلا، حيث يتم أولا فحص الطلبات من جانب لجنة تضم علماء وأطباء ومختصين في الأخلاقيات، ثم مرة أخرى من جانب معهد روبرت كوخ، الألماني المتخصص في الصحة العامة.
ويقول بيتر لوزر، عالم الأحياء الخلوية (بيولوجيا الخلية) الذي يساعد في فحص الطلبات بالمعهد، “لا تقرر فجأة التقدم بطلب، كل شيء يكون مدروسا جدا”.
ويعتقد بروشتيله أنه الآن بات أقرب إلى استخدام خلايا بديلة في البشر، إلا أنه لا يزال حذرا، مضيفا، “لا تزال هناك صعوبات قليلة يتعين التغلب عليها”. وفي عام 2006، اكتشف العلماء طريقة أخرى لاستخراج الخلايا الجذعية.
وقد قام الباحث الياباني شينيا ياماناكا، الذي فاز بجائزة نوبل في الطب عام 2012 عن إسهاماته، بتطوير تقنية ثورية مكنت العلماء من تحويل الجلد الناضج وخلايا الدم مرة أخرى إلى خلايا جذعية.
ومن شأن هذه التقنية تطوير خلايا متعددة القدرات (مستحثة)، تكون شديدة الشبه بالخلايا الجذعية الجنينية. وأعظم ما تمتاز به هذه التقنية هو أنه لا تكون هناك حاجة إلى أجنة حقيقية لتطويرها.
وفي القسم الأكبر من أبحاثه، يستخدم بروشتيله النوعين، كما توصل مختبره إلى طريقة ثالثة لتوفير الخلايا الجذعية، وهي تحويل خلايا الدم مباشرة إلى خلايا عصبية دون تحويلها أولا إلى خلايا متعددة القدرات.
ويوضح “لا خلايا جذعية مثالية. يمكن استخدام الخلايا الجذعية الجنينية والخلايا الجذعية المستحثة وخلايا التحويل المباشر بالتوازي للأغراض الطبية الحيوية المختلفة وفقا للحاجة”، لكن، هل سيكون هذا هو الحال فعلا في ألمانيا؟
يجيب بروشتيله بحذر “اللوائح المقيّدة هنا جعلت عددا أقل نسبيا من العلماء يعملون على الاستخدامات العلاجية للخلايا الجذعية الجنينية”.
ولأن هناك العديد من الأساليب التي يمكن التحول فيها من الخلايا الجنينية إلى المستحثة، فإن الفرق الألمانية واجهت في البداية صعوبة أكثر في الأبحاث المرتبطة بالاستخدام العلاجي للخلايا الجذعية المستحثة مقارنة بعلماء دول أخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسويد.
وقد بدأ مرضى في الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان، على سبيل المثال، المشاركة في دراسات على أمراض عيون مرتبطة بالعمر (التنكس البقعي) بكل من الخلايا المستحثة والجنينية.
وكان العلماء الألمان قد قدموا إسهامات مهمة لأبحاث الخلايا الجذعية، إلا أن هذه الإسهامات بدأت تتراجع. ويقول بروشتيله إنه بينما يتعاون فريقه مع زملاء أوروبيين، إلا أن “الدراسات السريرية الأولى لن تكون في ألمانيا”. (العرب اللندنية)[ads3]