ماذا يحدث للإعلام العربي و الإعلاميين ؟ و هل صارت الحكومات تفضل المخبرين و المهرجين و ” الصيع ” ؟

يتكالب الجميع في الشرق الأوسط هذه الأيام على الإعلاميين الواقعين تحت ضربات الأجهزة الأمنية، والميليشيات المسلحة، والجماعات الإرهابية، والمتطرفين الدينيين، مضافا اليها تعرضهم لقهر القوانين التقليدية، وسلطة أشباح فوق القانون، وكل ذلك في ظل سلطات حكومية تزداد قمعية وتتقارب في تعاطيها مع الإعلام والإعلاميين لتجند بعضهم مخبرين وكتبة مأجورين أو مذيعين فارغين، وصحافيين صيع، وسط مناخ من الخوف والترهيب غير مسبوق.

مناسبة الحديث ما يجري الآن في مصر والمغرب والسعودية وسوريا من تكميم للأفواه وقمع للأصوات الحرة والتراجع عن المكتسبات، التي تحققت في العقد الأخير، بفضل بعض الفضائيات ووسائط التواصل الاجتماعي.

ففي خطوة مفاجئة أصدر النائب العام المصري أمس أمرا للمحامين العامين ورؤساء النيابة بمتابعة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، واتخاذ إجراءات جنائية ضدها، إذا قامت ببث «أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة». الخبر جيد إذا كان هناك قانون يحتكم اليه الجميع، كما هو الحال هنا في الغرب، أما في البلاد العربية فمآله في اتجاه واحد دائما وهو تصفية الأصوات المنتقدة والمعارضة والوطنية.

ويتساوق هذا الأمر مع حملة تقودها القنوات التلفزيونية المصرية على محطة «بي بي سي» العربية بعد بثها تقريرا حول أوضاع حقوق الإنسان، تقول القاهرة إنه «تضمن أخطاء وتجاوزات مهنية ومزاعم بشأن الأوضاع في مصر». أما والأمر على هذا الحال، فلا يوجد أسهل وأجدى من محاكمة هيئة الإذاعة البريطانية والحصول على تكذيب هنا في لندن وتعويض أيضا، إذا كان التقرير مفبركا فعلا، وليس عبر وسائل إعلام لا تتمتع بأي درجة من الحرية والحقوق القانونية.

لكن التعاطي مع «بي بي سي» بهذه الطريقة يبرر التعاطي مع «الجزيرة» بالطريقة نفسها، بعد أن القت السلطات المصرية هذا الشهر القبض على السياسي والمرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح بعد ظهوره في مقابلة تلفزيونية يتيمة مع «الجزيرة مباشر».

أزمة القنوات المصرية

تعاني القنوات الفضائيات المصرية تضييقا متناميا قد يدفع لاغلاق أغلبها والإبقاء على القنوات الرسمية ضمن سياسة إغلاق النوافذ، التي تأتي بالرياح الإعلامية، فقد أصدرت المحكمة الاقتصادية هذا الأسبوع حكما ضد شبكة قنوات «الحياة» بالحجز على العلامات التجارية كافة الخاصة بالشبكة.

وبسبب هذه الأزمة المالية الطاحنة، تقدم الإعلامي عماد أديب باستقالته من قناة «الحياة» بعد نحو ثلاثة أشهر من انضمامه لها؛ في تزامن مع استقالة الإعلامية جيهان منصور، قبل أيام من إطلاق برنامجها الجديد على القناة.

وبعد أن تخطت ديون القناة حاجز مليار جنيه، أعلن مالك قنوات الحياة السيد البدوي بيعها في أيلول/ سبتمبر الماضي لشركة «فالكون»، المملوكة للمخابرات العامة، مقابل 1.4 مليار جنيه، لكنه عاد وأعلن الأسبوع الماضي تراجعه عن الصفقة، قائلا إن «فالكون» عجزت عن سداد قيمة الصفقة في الموعد المتفق عليه.

ولم تكن «الحياة» وحدها الضحية، فهناك أنباء عن أن شبكة قنوات «أون تي في» تستعد للاستغناء عن خدمات 300 موظف، بما يمثل ثلث العاملين بها، وخطة لتقليص الميزانية، عبر إلغاء بعض البرامج، وتخفيض رواتب العاملين بنسبة 50.%
كما تعاني قناتا «سي بي سي» و«النهار» من هذه الأزمات، ومن مشكلات مالية أدت إلى تأخر رواتب العاملين فيهما لعدة أشهر. والحبل على الجرار. فهل نرى عودة للقنوات الرسمية المحنطة وحصر الإعلام والاخبار بها مع ترقب الموت السريري للقنوات الخاصة؟

الإعلام المغربي وبدء فقدان المكاسب

والإعلام في المغرب ليس بأفضل حال كثيرا، فقد وجه النائب العام هذا الأسبوع تهما لمدير جريدة «الأخبار اليوم»، بـ «الاغتصاب وتجارة البشر وهتك العرض بالعنف والاستغلال الجنسي». وهذه اتهامات قد تقضي على أي وسيلة إعلامية، وإرهاب غيرها، حتى دون محاكمة.

وأفضل من يستطيع إجلاء الحقائق هنا هي مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، التي عبر إعلاميوها وحقوقيوها عن تضامنهم، مؤكدين أن الاعتقال «إساءة للجسم الصحافي المغربي برمته واستهداف لحرية الصحافة في المملكة».

وقالت الصحافية في إذاعة «راديو بلس»، سعيدة العلوي، على «فيسبوك»، إن «الطريقة التي اعتقل بها توفيق بوعشرين غير مقبولة وغير مفهومة! «، متسائلة: «لماذا لم يتم استدعاؤه للتحقيق معه، بدل اقتحام 20 رجل أمن بزي مدني ورسمي لمقر الجريدة وترهيب الصحافيين العاملين وإخراجهم من مقر عملهم؟».

وقال عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية الحاكم، حسن حمورو، إن «توفيق بوعشرين صحافي وليس مجرما! «، مضيفا: «التعبير عن الرأي حق وليس جريمة!».

فيما أعرب عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، حسن بناجح، عن استغرابه من الطريقة «الاستعراضية» التي اعتقل فيها الصحافي. وأكد أن «هذا الأسلوب وحده، بغض النظر عن مسلسل المحاكمات والغرامات وحملات التشهير ضد الصحافي بوعشرين، كاف ليدل على قصد إسكات الرأي المخالف. وهذا يأتي ضمن مسلسل متواصل من التصفية المالية والمعنوية لعدد من أصحاب الرأي». فهل بدأ المغرب يفقد المكاسب الإعلامية التي راكمها في السنوات الماضية؟

السعودية الجديدة تستولي على الإعلام

مع أن الأخبار الآتية من السعودية تروج لتغيير كبير في المملكة، بدءا من تمكين المرأة في المجتمع وإحداث مراكز للترفيه وتغيير التوجهات المحافظة جدا للبلاد، إلا أن ذلك لا يمكن أن يتحقق دون إعلام حر وقانون عصري واضح للنشر والبث، فلا يمكن أن يغير استضافة فرقة أو مطرب أو إحياء حفل، توجهات مجتمع، كما أنه في غياب السلطة الرابعة وسجن الصحافيين والسيطرة على الفضائيات حتى المستقلة منها، مثل «أم بي سي» وغيرها لا يمكن إلا وأن يدق ناقوس الخطر على مستقبل الإعلام في البلاد.

وتغيير مكانة المملكة التي تقبع في المرتبة 165 (من أصل 180 دولة) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة لا يتحقق أبدا في القضاء على الإعلام الجديد، الذي ظهر في البلاد، كما هو حاصل الآن، خاصة مواقع «تويتر» و«الفيسبوك» التي تحظى بشعبية كبيرة بين السعوديين والتي تثير جدلا واسعا حول موضوعات دينية وسياسية في البلاد التي يعتبر فيها مثل هذا النقاش العام جريمة وغير قانوني، رغم أنه أفضل وسيلة عصرية تعتمدها دول العالم المتقدم.

وقد أصبح هذا الإعلام الجديد يحل محل الصحافة التقليدية، التي باتت بدورها تلجأ لما يعرف بنشرة الأخبار ومتابعات الأحداث عبر هذه الشبكات، كما أن سقف الحرية اللامحدود في مواقع مثل تويتر وفيسبوك، إضافة إلى تطور وسائل الاتصال زادا من فعالية هذه المواقع بسرعة نشر الأخبار، ورغم بعض سلبيات هذه المواقع إلا أنها حققت قفزة في نقل المعلومة والخبر إلى جانب جديتها وجرأتها في طرح القضايا السعودية خاصة المُحرمة منها.

والأخطر من ذلك، تدشين أول إعلام تفريقي وكيدي، ظهر عقب خلق الأزمة الخليجية، بحيث تفرغ الإعلام في السعودية والامارات لسياسة اصطفاف غير مسبوقة، بنيت على عقيدة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، والتي تقضي بأن من ليس معنا فهو حتما ضدنا، وهذا أبشع أنواع الاعلام في العالم، وسقط في جميع الدول المتحضرة.

كما أن هذا الاصطفاف دفع السعودية والامارات الى شراء إعلاميين ووسائل إعلام أجنبية، بل وغربية لشراء صمتها أو تجنيدها، ليس لخدمة البلاد، بل لمهاجمة من يخالف هذه الدول آراءها في كل شيء.

ويبقى أن اعتقال الناشطين والمثقفين والإصلاحيين السعوديين، الذين وجدوا في تويتر منبرا لافكارهم المقومة للحكم في السعودية يثير تساؤلات كثيرة، منها هل تقود تويتر وغيرها من وسائل التواصل ثورة حقيقية في السعودية؟

أنور القاسم – القدس العربي[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫3 تعليقات

  1. سوريا غنية عن التعريف اعلام حر بلاوي من الحرية يلي بسوريا شو بدو بهل الصرعة لحتى يحكي عنها

  2. عن اي اعلام حر وعن اي ديموخراطية او حرية تتكلمون عنها وانتم حتى تعليقات التي لا توافق وجهة نظركم لا تنشروها ؟؟