هل ” عودة اللاجئين الطوعية ” خطة ألمانية تبدد حلم ” الفردوس الأوروبي ” ؟

اختارت الحكومة الألمانية نهج سياسة الترغيب لدفع من لم تُقبل طلباتهم باللجوء وكذلك المهاجرين غير النظاميين إلى العودة إلى بلدانهم الأصلية. فبعد برنامج أطلقته بداية 2017 تحت اسم StarthilfePlus يهدف إلى دعم العائدين بحوافز مالية بين 800 و3000 يورو، وقبله برامج سابقة بدأت منذ 1979، جاءت تصريحات وزير التنمية الألماني غيرد مولر هذا الأسبوع بتوسيع تمويل برامج العودة الطوعية بمبلغ 500 مليون يورو سنوياً، لأجل دعم مشاريع توّظف العائدين في بلدانهم أو تتيح لهم تداريب الاندماج المهني على يد شركات ألمانية عملاقة كسيمينس.

ألمانيا التي شهدت موجة تدفق كبيرة للاجئين منذ 2015، تحاول التقليل من أرقام من يعيشون فيها بشكل غير نظامي عبر إرجاع جزء منهم إلى بلدانهم بشكل طوعي تفادياً لمسطرة الترحيل المعقدة قانونياً والمكلفة مَادياً والمُثيرة للجدل حقوقياً.

لكن الأرقام التي تخصّ العائدين طوعياً تبقى دون مستوى طموحات حكومة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، فعدد من تقدموا للحصول على منحة العودة، التي فُتحت آجال الاستفادة بين ديسمبر/ كانون الأول 2017 وفبراير/ شباط 2018 لم تتجاوز 4552 شخصاً، أيّ حتى أقل من رقم الموسم الماضي الذي وصل إلى 8185 شخصاً، في وقت تؤكد فيه الدوائر المختصة أن عشرات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين يعيشون في ألمانيا.

وليست ألمانيا وحدها من تعمل بالعودة الطوعية في أوروبا، فقد سبق لحكومات أوروبية أخرى أن جربت خططاً من هذا النوع قبل عقود، وفق ما يؤكده الخبير في قضايا الهجرة صبري الحو، لكن هذه الخطط لم تحقق المراد منها بتقليص عدد المهاجرين في البلدان المعنية، أو حث الشباب في بلدان جنوب المتوسط على عدم الهجرة، لا سيما وأن هؤلاء المهاجرين، حتى منهم من كانوا بشكل غير نظامي، استطاعوا تحقيق استقلالية مالية تمنعهم من العودة إلى بلدانهم، فضلاً عن أن منهم من حاولوا الهجرة مجدداً، بعد عودتهم طوعياً أو حتى ترحيلهم، إثر عجزهم عن تحقيق ذواتهم في بلدانهم، يقول الخبير المغربي في تصريحات لـDW عربية.

بدوره، يشير عبد الواحد أكمير، مدير مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، أن تشجيع العودة الطوعية بدأ منذ 1973 عند وقوع أزمة البترول التي دفعت بعدة دول أوروبية إلى محاولة تقليص عدد المهاجرين، لا سيما وأنها كانت تنظر إليهم كعمال ضيوف سيعودون يوماً ما إلى بلدانهم، إلّا أن الخطة أدت إلى نتائج عكسية.

ويوضح أكمير في تصريحات لـDW عربية أن الكثير من المهاجرين تخوّفوا من إعادتهم فلجأوا إلى خيار لم الشمل لجلب أسرهم إلى بلدان الهجرة، حتى يصعب ترحيلهم، الأمر الذي أدى تحوّل جزء كبير منهم إلى مواطنين في هذه البلدان، وإلى بروز الجيل الثاني والثالث من المهاجرين في أوروبا. ويعتقد أكمير أن الخطوة الألمانية الجديدة تهدف إلى استمالة الرأي العام حول قضايا الهجرة، أكثر من بحث تحقيقها على أرض الواقع، لأن الحكومة الألمانية مدركة للصعوبات الكبيرة التي تواجه هذا المشروع.

خلُص تقرير أصدرته منظمات فاعلة في الهجرة قبل أشهر قليلة إلى أن الدول المصدّرة للمهاجرين ليست لها مصلحة في استقبال من ترّحلهم الدول الأوروبية، لذلك لجأ الاتحاد الأوروبي إلى تحفيز هذه البلدان بمساعدات كبيرة ومشاريع اقتصادية لضمان تعاونها، حتى تقوم كذلك بتشديد المراقبة على من يحاولون الهجرة سراً. غير أن هذا التحفيز تحوّل إلى “ابتزاز” حسب التقرير، الذي يشير أنه لم يعد لأيّ بلد إفريقي الحق في المساعدات، إلّا إذا قبل بشروط الاتحاد في مجال الهجرة، وقد امتد هذا الشرط حتى إلى مساعدات عاجلة كصندوق مكافحة الفقر.

تعقد ألمانيا حالياً الكثير من الاتفاقيات في مجال الهجرة مع دول الجنوب، وتعمل بمنطق “الترغيب والترهيب” حسب تعبير عبد الواحد أكمير، فهي من جهة تؤكد مكانتها كمؤثر رئيسي في قرارات الاتحاد الأوروبي بدعم الدول المغاربية، لكنها في الوقت ذاته تلوّح بقطع هذه المساعدات، إذا لم يحدث التعاون في مجال الهجرة. ويتابع أكمير أن وعي الدول المغاربية بأهمية الدعم المالي القادم من ألمانيا يجعلها تقبل شروط الحدّ من الهجرة.

من جانبه يشير صبري الحو إلى عدم رضا بلدان الاستقبال عن عودة طالبي اللجوء والمهاجرين، لما يشكّلونه من تكلفة مادية عليها، خاصة وأن الحوافز المالية التي ترافق عودتهم ليست كبيرة، ممّا يعني الزيادة في عدد العاطلين. كما أن خوض العائدين للتجربة الأوروبية وتعرّفهم على مناخ من الحقوق والحريات قد يخلق فجوة حقوقية بين ماضيهم في أوروبا وواقعهم في بلدانهم، يقول الخبير، متحدثاً عن أن دول الجنوب مهتمة برفع عدد المهاجرين في الدول المتقدمة، بما أنهم يضمنون تحويلات مستمرة من العملة الصعبة ويساهمون في إعالة الكثير من الأسر.

لكن عبد الواحد أكمير يرّد أن بلدان الجنوب لا تعوّل كثيراً على المهاجرين غير النظاميين ليأتوها بأشياء كبيرة، فهي لن تغامر بانتظار فوائد مالية من مهاجرين لم يسوّوا بعد وضعهم، مشيراً إلى أن اهتمامها مُنصب على ملايين المهاجرين الذين قضوا سنوات طويلة في الخارج واستطاعوا الاندماج، وهم في الأغلب غير معنين بمشاريع العودة الطوعية.

لا يُخف الكثير من المهاجرين واللاجئين الذين وصلوا حديثاً إلى ألمانيا، معاناتهم من صعوبة الاندماج لأسباب يعزونها إلى البيروقراطية وصعوبة اللغة ومشاكل السكن واشتداد المنافسة في سوق العمل وغلاء الحياة اليومية وتمدّد اليمين الشعبوي. تتضاعف هذه الأسباب لدى المهاجرين غير النظاميين الذين يعيشون في الظل خوفاً من الإجراءات الأمنية.

لكن هل تؤدي هذه الظروف الصعبة إلى التفكير في العودة، وبالتالي تسهيل مهمة الحكومة الألمانية؟ يجيب عبد الواحد أكمير بالقول إن المهاجرين غير النظاميين يفضّلون عموماً البقاء في أوروبا على العودة إلى بلدانهم، خاصة تلك التي تعاني الفقر الشديد، لأن مراكز الاحتجاز توّفر لهم على الأقل الضروريات اليومية، ومنهم من مرّ بخطر الموت أثناء العبور ولا تؤثر فيه مثل هذه الظروف.

بيدَ أن صبري الحو يبرز أن الواقع الصعب للمهاجرين واللاجئين الجدد في أوروبا خلال السنوات الأخيرة، بسبب الأزمة الاقتصادية وتعزيز الإجراءات الأمنية بعد الهجمات الإرهابية، يدفع الكثير منهم للتفكير في العودة، خاصة وأن فكرة “الفردوس على الأرض” بدأت تنجلي وأضحى المرّشحون للهجرة على علم بالصعوبات التي تنتظرهم في أوروبا. حديث صبري الحو يجد سنداً له في عدد المهاجرين غير النظاميين الذين سوّى المغرب أوضاعهم بعدما كانت غالبيتهم ترغب في الهجرة إلى أوروبا، إذ فضلوا البقاء في بلد ينتمي إلى الجنوب بدل المغامرة الأوروبية التي لم تعد مضمونة.

اسماعيل عزام – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها