ألمانيا : كفاح لإدماج مليون لاجئ في نظام التعليم و سوق العمل

ستبدأ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ولايتها الرابعة في الحكم بعد صراع لتشكيل حكومة جديدة طال جزئياً بسبب مناقشات حامية بخصوص قرارها الذي اتخذته قبل أكثر من عامين بفتح حدود البلاد لأكثر من مليون لاجئ من سوريا ومناطق الصراع الأخرى.

ومع وصول عدد أقل بكثير من اللاجئين إلى ألمانيا في الوقت الحاضر مقارنة بما كان عليه الحال في عام 2015، تعمل حكومة الائتلاف الجديدة التي تتزعمها ميركل على تطوير خطط من أجل معالجة طلبات اللجوء بسرعة أكبر ودمج الوافدين الجدد. لكن البنية المدرسية القديمة للدولة ونظام اللجوء التفضيلي يشكلان حواجز أمام تعلم اللغة الألمانية – وهي مهارة أساسية يحتاجها الوافدون الجدد بهدف إيجاد وظائف والاندماج في المجتمع الألماني بنجاح.

في مساء يوم الجمعة الماضي، وفي حي “فيدنغ” في شمال غرب برلين، بدت التحديات التي تواجهها البلاد والوافدين الجدد واضحة، حيث حاول منظم التجمع والمربِّي كافا شبارتاك مساعدة عشرات اللاجئين الأفغان في تعلم اللغة الألمانية.

شمل الفصل الدراسي، وهو عرض يقدمه مركز يار برلين التعليمي والمجتمعي الأفغاني في حي فيدنغ وساهم شبارتاك في تأسيسه في عام 2012، أشخاصاً من مجموعة متباينة من الأعمار من سن المراهقة المتأخرة وحتى الخمسينات، وبعضهم لم يكن قد تلقى تعليماً رسمياً.

على الرغم من أن جميع المتواجدين في الفصل الدراسي كانوا قد قضوا أكثر من عام في برلين، إلا أنه لم يكن بإمكان أي منهم التحدث باللغة الألمانية، مما يعني أن على شبارتاك، الذي يدرس باللغة الفارسية، أن يكون ميالاً إلى الخيال. مسّ شبارتاك جبينه ليوصل معنى كلمة “صيف” وقلّد رائحة باقة من الزهور في إشارة لـ “الربيع”، مستخدمًا الإيماءات لإيصال معنى المفهومين لأكثر المتعلمين المستجدين في الفصل، لاسيما أن بعضهم لا يستطيع القراءة أو الكتابة حتى بلغتهم الأم.

قال شبارتاك “في الواقع، لا تعتبر ألمانيا، مقارنة بدول أخرى، خبيرة بشكل جيد من حيث دمج الناس من دول أو ثقافات أخرى.” لكنه أضاف “يحتاج الناس إلى تعلم اللغة، وإلا فإنهم لن يشعروا بأنهم جزء من المجتمع ولن يتمكنوا من العثور على وظائف.”

عبء على المدارس

يعتقد كلاوس هورلمان، أستاذ الصحة العامة والتربية في كلية هيرتي للحوكمة، وهي جامعة خاصة في برلين، بأنه غالباً ما نسمع بأن العمل الانساني المتمثل في توجه ميركل لفتح الحدود في عام 2015 قد أربك النظام التعليمي المصمّم بشكل أساسي للمواطنين الألمان.

تقليدياً، توجه ألمانيا الطلاب إلى واحد من ثلاثة أنواع من المدارس الثانوية على أساس الأداء وتوصيات المعلمين بعد المدرسة الابتدائية. ويوفر واحد فقط من تلك المسارات طريقاً مباشراً للقبول الجامعي.

على الرغم من كون ألمانيا دولة مهاجرين منذ ستينيات القرن الماضي على الأقل، عندما تم استقطاب “العمال الضيوف” من الأتراك والإيطاليين والعرب للمساعدة في إعادة بناء البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن النظام المدرسي في البلاد لم يتغير من حيث البنية، وكان ذلك على حساب غير الألمان بشكل كبير.

ووفقًا لدراسة أعدتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2015، فإن أداء الطلاب المهاجرين في ألمانيا أسوأ بنسبة 50 في المئة في مواضيع مثل الرياضيات والعلوم مقارنة بأداء الطلاب الألمان، حتى بعد أخذ الحالة الاجتماعية والاقتصادية في الحسبان.

يعتقد هورلمان بأن المدرسين ببساطة ليسوا على دراية بكيفية تعليم الطلاب من غير الألمان، والذين يأتون إلى الفصول الدراسية بفهم ضعيف للغة الألمانية والخلفيات التعليمية التي تختلف عن العرف الألماني.

قال “يقوم التقليد الألماني على تعليم جماعات متجانسة منذ البداية، وإذا لم يتمكن الطفل من المواكبة، فإنه سيتأخر. إنه تحدٍ هائل بالنسبة للمدارس الألمانية التي تتعامل الآن مع آلاف الأطفال اللاجئين، الذين كانوا سيوضعون في تعليم محدد وفقا لتقاليدنا.”

الألمانية كلغة أجنبية

مع وجود ما يقرب من 400,000 طفل لاجئ في سن المدرسة، بحسب الإحصاءات الحكومية، قام المسؤولون بتوجيه الطلاب إلى صفوف ترحيب مصممة خصيصاً ليتمكن القادمون الجدد من تعلم اللغة والثقافة الألمانيتين لمدة عام قبل الانتقال إلى جدول دراسي منتظم مع أقرانهم الألمان. (اقرأ التقرير ذو تفاوت في نتائج تعليم اللاجئين في ألمانيا.)

لكن دراسات أجريت على النظام تظهر أن هناك عدم استمرارية في كيفية تعليم هؤلاء الشباب، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى حقيقة كون المدارس الألمانية تختلف من ولاية إلى أخرى، وأن ألمانيا تفتقر بشدةّ إلى المعلمين المؤهلين لتلبية الطلب المتزايد وكتلة الطلاب المتنوعة بشكل متزايد. وخلصت دراسة أجرتها مؤسسة برتلسمان الألمانية عام 2017 إلى وجود حاجة لتوفير 24,000 معلم إضافي بحلول العام 2025 لاستيعاب مليون طالب ألماني وغير ألماني جديد سيتواجدون في النظام التعليمي بحلول ذلك الوقت.

في هذه الأثناء، لا يزال من غير المعتاد أن يتعلم المعلمون الطلاب كيفية تعليم اللغة الألمانية كلغة أجنبية، بحسب توماس باور، رئيس مجلس خبراء المؤسسات الألمانية المعنية بشؤون الهجرة والاندماج، وهي مجموعة غير ربحية تقدم المشورة بخصوص السياسات على كافة المستويات في الحكومة الألمانية.

قال “يعود مواطن من كل خمسة مواطنين في ألمانيا إلى أصول مهاجرة، لذلك يجب أن يكون التعرف على الثقافات المختلفة واللغات مختلفة وكيفية تعليم اللغة الألمانية كلغة أجنبية أمراً مهماً بالنسبة لجميع المعلمين.”

وأضاف باور أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الفصول الترحيبية هي النموذج الأكثر فعالية لتعليم اللغة الألمانية للطلاب اللاجئين أو لا. وقال بأن المحللين لم يدرسوا أساليب الاندماج بشكل كاف في الماضي.

بالنسبة لفروز، اللاجئ الأفغاني البالغ من العمر 19 عامًا، والمتواجد في برلين منذ ما يقرب من عام ونصف العام، لا تستحق الدورات الحكومية هذا الجهد. قال فروز، الذي رفض ذكر اسمه الأخير، “لا أزال في الفصل الترحيبي، وهو في الحقيقة مضيعة للوقت. لا أشعر بأنني أتعلم شيئاً هناك.”

وبحسب فروز فأنه يأتي إلى فصول اللغة في مركز يار برلين لتعويض ما يفترض أن يتعلمه في المدرسة.

عقبات أمام اللاجئن الأكبر سناً

يرى شبارتاك بأن المراهقين مثل فروز محظوظون لأنهم يتمتعون بإمكانية الوصول المباشر إلى دروس اللغة في المدارس الألمانية لكونهم من الشباب.

يتوجب على طالبي اللجوء الأكبر سناً إثبات امتلاكهم “آفاقًا جيدة” للبقاء في ألمانيا – والذين صنفهم المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا بأنهم أولئك الذين يستطيعون إثبات أنهم بحاجة إلى الحماية من دولهم الأصلية – من أجل الحصول على دورات اللغة والاندماج التي تديرها الحكومة مباشرة بعد وصولهم. وحتى الآن، لا يتأهل إلا طالبي اللجوء القادمين من سوريا والعراق وإيران والصومال وإريتريا للحصول على هذه الحماية ويتم وضعهم بسرعة في برامج الاندماج.

في الوقت ذاته، يتعين على الآخرين القادمين من دول مثل أفغانستان – البلد الذي جاء منه العدد الأكبر من طالبي اللجوء بعد سوريا – انتظار قرار نهائي بشأن طلبات لجوئهم قبل أن يتمكنوا من البدء في دراسة اللغة الألمانية، وهي عملية قد تستغرق سنوات. على الرغم من كون الأمر مثيراً للجدل، فقد اعتبرت الحكومة أجزاء كثيرة من أفغانستان “أماكن آمنة”، وهو مبرر تم استخدامه لترحيل أكثر من 800 أفغاني منذ عام 2016، بحسب أرقام برلمانية.

قال شبارتاك “سيتضمن اقتراحي افتتاح دورات اللغة الألمانية للجميع منذ اليوم الأول. إذا ما فاتتك فرصة تقديم دورات تعليم هؤلاء الأشخاص منذ البداية، فستفوتك أيضًا فرصة دمجهم.”

مع ذلك، يرى باور بأن المشاكل في النظام المدرسي الألماني موجودة في تعليم اللاجئين البالغين أيضاً، حيث يتواجد عدد قليل جدًا من المعلمين المؤهلين الذين يعرفون كيفية تدريس اللغة الألمانية للبالغين غير المتعلمين.

تشير الأرقام الصادرة عن مكتب الهجرة واللاجئين إلى أن ما يقرب من ربع اللاجئين وطالبي اللجوء قد تلقوا تعليمًا ابتدائياً في الغالب. ولا يمتلك حوالي 80 في المئة من اللاجئين الحد الأدنى من المهارات اللغوية الألمانية اللازمة للحصول على تدريب مهني أو وظيفة، حتى بعد أخذ دورات تدريبية تديرها الدولة.

تتضمن خطة الحكومة الائتلافية الجديدة للتعامل مع المشكلة التعامل مع قضايا طالبي اللجوء بسرعة أكبر عن طريق إرسال القادمين الجدد إلى مراكز اللاجئين في جميع أنحاء البلاد. وستقوم المراكز الجديدة بخفض إجراءات اللجوء إلى 18 شهرًا كحد أقصى للأفراد و 6 أشهر للعائلات.

لكن يمكن أن تكون هناك آثار جانبية سلبية إذا لم يتم تنفيذ هذه السياسة بسلاسة، بحسب باور.

قال “إذا ما بقوا هناك لمدة 18 شهراً من دون أن يتمكن الأطفال من الوصول إلى المدارس أو أن يتمكن الأفراد من الوصول إلى دورات الاندماج أو الحصول على استشارات لجوء مستقلة من محامين مستقلين، فإن هذه مشكلة.”

وكيفما تكون المبادرات الحكومية، يأمل شبارتاك في أن تساعد على حل المسائل المتعلقة بتعليم الوافدين الجدد اللغة الألمانية، وهي مهارة يعتبرها شبارتاك مسألة محورية.

قال “يعتبر دعم تعلم اللغة من بين أكبر نقاط الضعف. يتوجب علينا تقديم الدعم للجميع منذ البداية ودمجهم في سوق العمل. وهذا يتطلب اللغة، لأن أحد الأمرين يتبع الآخر.”

المصدر : Fanar Media[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها