هل وضعوا المخطط التنظيمي الجديد لسوريا قبل الثورة ؟

كان ينتابني أحياناً وأنا أشاهد تدمير المدن السورية بطريقة ممنهجة وتهجير أهلها كحمص وداريا والغوطة وحلب وغيرها، كان ينتابني شعور بأن كل ما حدث في سوريا من دمار وتهجير كان مجرد مقدمة مدروسة لإعادة تنظيم المدن السورية عمرانياً وديمغرافياً.

كنت أظن في الماضي أنني أهلوّس، وأنه لا يمكن أن كل هذا التخريب المنظم وتشريد الناس بالملايين من مناطقها يمكن أن يكون لأهداف غير عسكرية. لكن الأيام أثبتت أن هلوساتنا كانت صائبة تماماً، خاصة بعد أن بدأنا نشهد الآن المشاريع العمرانية الجديدة التي بدأت تظهر خرائطها في أكثر من منطقة سورية تم تفريغها من أهلها. ولم ينتظر النظام وحلفاؤه طويلاً كي يبدأوا بالإعلان عن المخطط التنظيمي الجديد للبلاد، فقد أصدر الرئيس السوري فجأة قبل أيام مرسوماً جمهورياً جديداً لإعادة تنظيم المناطق التي حررها من سكانها، وكأنه يقول للسوريين: لقد كانت عملياتنا العسكرية بالتعاون مع الحلفاء الخطوة الأولى لإعادة رسم سوريا عمرانياً وبشرياً. وبموجب القانون رقم 10 لعام 2018 سيتم إنشاء وحدات إدارية أو تنظيمية جديدة في سوريا مثل البلديات، ستبتلع هذه البلديات ملكية الأراضي وتعوّض أصحابها الأصليين ( إن استطاعوا إثبات ملكيتهم لها أو حضورها وهو شبه مستحيل)، ثم ستقوم ببيع الأراضي التي تملكتها لمكتتبين جدد يكونون موجودين على الأرض، وستحذف جميع الحقوق العائدة لأصحاب الأرض الأصليين من القيود العقارية وكأنها لم تكن.

باختصار شديد، طرد أصحاب الأرض منها، وإلغاء حقوقهم فيها، وتحويلها إلى مناطق سكنية جديدة بسكان جدد تماماً من طوائف وقوميات جديدة. بعبارة أخرى، يصبح التغيير الديمغرافي والعمراني حقيقة تفقأ العيون، كما لو كانت موضوعة قبل اندلاع الثورة.

إن ما نراه الآن في سوريا من إعادة توزيع وتطهير ديمغرافي وإزالة مدن بأكملها عن الخارطة لم يعد بحاجة إلى أي براهين بعد أن راح الجميع، وعلى رأسهم النظام وحلفاؤه يقطّعون سوريا ويعيدون تركيب خارطتها البشرية والعمرانية بسكين حاد جداً، وعلى مرأى ومسمع الجميع، لا بل إن الأمم المتحدة تبصم بحافرها على الخرائط الجديدة كما شاهدنا في داريا والغوطة، حيث أشرفت شخصياً على تهجير السكان الأصليين إلى شمال سوريا رغم أنهم عاشوا في ريف دمشق لمئات السنين.

لاحظوا كيف تم حرق السجلات المدنية وتهجير سكان حمص من المسلمين السنة وعددهم أكثر من مليون، ولم يُسمح لهم بالعودة إليها.

لاحظوا كيف اندفع حزب الله وداعموه الإيرانيون إلى السيطرة على مدينة القصير في محافظة حمص، وطردوا أهلها قبل سنوات كي يؤمنوا مناطق حزب الله في لبنان ويدمجوها بالمناطق السورية.

لقد ظن البعض قبل ثلاث سنوات أو أكثر أنها مجرد خطوة لاستعادة بعض المناطق من المعارضة في معارك الكر والفر، لكن الأيام أثبتت أنها خطة محكمة تقع ضمن مخطط إعادة تشكيل الخارطة السورية ديمغرافياً ومدنياً.

وحينما نرى حزب الله الآن يطهّر منطقة الزبداني ومضايا الحدودية من سكانها، ويدمر عشرات الألوف من الأشجار ليحفر الأنفاق، ويحول المنطقة إلى منطقة عسكرية نتذكر كيف قام بتطهير القصير قبل سنوات. الرابط واضح بين ما فعله بالقصير وما يفعله الآن بالزبداني. ولا ننسى منطقة تدمر المهمة التي لم تأخذ نصيبها من الدعاية الإعلامية المطلوبة، فقد تم تهجير

سكانها لأنها تقع على الطريق الذي يصل إيران عبر العراق إلى حمص إلى لبنان حيث معاقل حزب الله.

لكن لعبة التغيير الديمغرافي في سوريا لا تقتصر فقط على النظام وحلفائه، بل إن أطرافاً كثيرة دخلت عليها منذ زمن، وكانت تخطط لها منذ بداية الثورة، فالأكراد بدعم أمريكي وغربي طهروا المناطق العربية التي كانوا يريدون السيطرة عليها في الشمال منذ سنوات، وربما بتنسيق مع النظام. وعندما نرى القواعد الجوية الأمريكية الجديدة شرق سوريا تصبح لعبة التمزيق الديمغرافي أكثر وضوحاً.

هل يا ترى ستكون عمليتا «درع الفرات» و«غصن الزيتون» التركيتان مجرد عملية عسكرية خاطفة لتطهير الحدود التركية السورية من خطر داعش والأكراد، أم أن لها ما بعدها؟

ولا ننسى الدور الإسرائيلي في الجنوب، حيث لن تسمح تل أبيب لإيران بالاقتراب من جنوب سوريا، ولهذا فمن المتوقع أن تقتطع حصتها من الجغرافيا السورية. ما نراه الآن من مخططات بدأت تتضح. ألا يجعلنا ذلك نعيد التفكير بكل شيء؟ عمليات التهجير القسري والتغيير الديمغرافي والاجتياح الإيراني لسوريا وتقاسم مناطق النفوذ بين الأمريكيين والروس، ودخول قوى كثيرة إلى الأرض السورية بالتنسيق مع النظام وغيره، ألا تدفعنا إلى التفكير بأنها كانت حركة ملعوبة منذ بدايات الثورة لعبتها قوى خارجية ثم لحق بها النظام وحلفاؤه، فراح ينفذ ما هو مطلوب منه دولياً في سوريا على صعيد التدمير والتهجير وإعادة رسم الخرائط والمخططات التنظيمية الجديدة؟ هل كان تدمير حمص وتهجير شعبها المرحلة الثانية من مشروع «حلم حمص» الذي كان قد بدأه المحافظ السابق إياد غزال؟ اليوم يتحدث النظام عن بناء مجمعات كبرى في حي الوعر الذي يعمل الآن على تهجير سكانه الباقين. هل وضع النظام وشركات دولية مخططات تنظيمية للكثير من المناطق التي دمروها وشردوا سكانها، حتى قبل أن تنتهي عملية التهجير القسري.

بعبارة أخرى، هل كانوا يخططون لهذه المشاريع منذ زمن طويل، وربما قبل الثورة؟ لاحظوا أن الطيران السوري مثلاً كان يقصف مناطق معينة في مدينة قدسيا بدمشق، ويدمرها تماماً، ويتجنب مناطق أخرى، وكأنه يقول لنا: إن المناطق التي ندمرها مطلوب إعادة بنائها بشكل مختلف حسب المخطط التنظيمي الجديد لسوريا الذي وضعناه ربما قبل الثورة. لاحظوا كيف بدأت إيران تعيد إعمار داريا بعد تهجير سكانها. ولا ننسى مشاريعها في منطقة المزة بدمشق.

إن تعقيدات الوضع السوري وتشابكه تدعونا أن نخرج من قوالب التفكير التقليدية، ولا مانع إن بدأنا نفكر بأن ما يحصل في سوريا الآن أشبه بمخطط تنظيمي جديد للبلاد وقوده تهجير ملايين البشر وتدمير ملايين البيوت وإزالة مدن عن الخارطة بمباركة كل الأطراف باستثناء الشعب السوري.

فيصل القاسم _ القدس العربي[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫5 تعليقات

  1. ما حدث في العراق وفلسطين من قبل, هو ما يحدث الآن في سوريا
    تم تهجير العرب السنة من محافظتين كاملتي هناك (بغداد وديالى)
    ولا تنسى ما يحدث في فلسطين منذ سبعين عاما
    وما يحدث الآن في سيناء (تهجير سكانها من أجل خلق منطقة عازلة لإسرائيل وليس لترحيل الفلسطينيين إليها كما يحاول أن يوهمنا الإعلام الغربي الباطني)
    باختصار, هذا المخطط غربي بأيدٍ عاملة رخيصة مجوسية لخلق منطقة عازلة لإسرائيل
    حتى يتم هدم الأقصى وبناء الهيكل من دون الخوف من هجوم انتقامي من مناطق الثقل العربي السني (العراق وسوريا ومصر)

  2. تركيا لامانع لديها من استبدال الاكراد بالسنة في الشمال بمقابل استبدل السنة في الحنوب والوسط بكلاب النظام. تغيير ديمغرافي فقط من اجل التغلغل الايراني الروسي. والعرب مشغولون بالهشتك بشتك وبخلافات لا تتعدى خلافات الاطفال اهمية.

  3. إحراق السجلات المدنية والعقارية ومنح الهويات السورية لشذاذ الآفاق المرتزقة ليس جديداً ….
    التغيير الديموغرافي والعمراني الذي فعله مجرموا سوريا ومعهم العالم (المتحضر) خلال سنوات قصيرة لم تفعله إسرائيل خلال سبعين سنة … ولم تشهد البشرية همجية أكثر مما شهدته ولا تزال تشهده سورية…
    الصراع قاسي لكنه مستمر ولن ينتصر إلا الحق وهم أهل الأرض وهذه سنة من سنن الله في كونه، شاء من شاء وأبى من أبى .. والأرض لله يورثها من يشاء … ولو شاء الله لأهلك الظالمين في ساعة من نهار …لكنها حكمته التي نرضى بها ونريه من أنفسنا صبراً وجلداً ورضى … ونلتقي نحن والظالمون عند رب السموات والأرض في يوم …. يرونه بعيداً ونراه قريباً

  4. اعرف شخص كان يعمل في شركة بدمشق عام 2012 و كانت الشركة تقدم مناقصات على تجهزيات مكتبية لمنشآت حكومية لمنطقة تنظيم جنوب العاصمة و تحديداً داريا

  5. ومن أين سيأتون بأناس جدد لملئ هذه المناطق التي هجروا سكانها؟؟ومن سيدفع ليستثمر في مناطق مهجورة ؟ وهل سترضى أوروبا باستقبال المزيد من المسلمين السنة على أراضيها؟