قمة احتلال سوريا و تقاسم مناطقها

انعقدت في تركيا في الأسبوع الأول من نيسان (إبريل) قمة ثلاثية ضمت روسيا وتركيا وإيران، بغياب الولايات المتحدة والنظام السوري، مخصصة للبحث في الأزمة السورية. في الشكل، أعلن الأطراف الثلاثة أن القمة ركزت على تثبيت مناطق خفض التوتر، وعلى إعادة إعمار سورية، والحفاظ على وحدة أراضيها. في حقيقة البحث، كان التركيز على تقاسم النفوذ للمناطق السورية بين الدول الثلاث، وتحديد حصة النظام في مناطق معينة، إضافة الى كيفية مواجهة الوجود الأميركي الحاضر الغائب في كل لقاء بين الأطراف الساعية الى بحث الأزمة.

منذ سنوات، فقدت سورية استقلالها وباتت نهباً لقوى استعمارية تمارس احتلالاً فعلياً لأراضيها. فجميع المؤتمرات التي انعقدت حتى الآن، من جنيف الى آستانة، كانت، في المظهر، تبحث عن حلول سياسية للأزمة، فيما كان جوهر أهدافها تكريس الأزمة عبر الاحتلال وتقسيم سورية الى مناطق نفوذ بين هذه الدول المجتمعة. لم بعد الحديث عن تقسيم سورية افتراضياً كما كانت تذهب التوقعات عن مسار الحرب، بل بات حقيقة واقعة. فسورية الحالية تقع تحت سلطة احتلالات متعددة تتواجد قواها العسكرية على الأرض. هذه الدول هي أميركا وروسيا وإيران وتركيا. أما الدولة الأخرى المحتلة عملياً للسماء السورية، فهي دولة إسرائيل التي تستبيح الأرض والسماء وتقصف المواقع، وتضع خطوطاً حمراً على حدودها لمنع تقدم اي قوة. وسط هذه الاحتلالات، أُعطي النظام الحق في منطقة نفوذ، غير مطلق الصلاحية فيها، بل يحكمها تحت الإشراف المزدوج لإيران وروسيا.

من التساؤلات المشروعة هي مدى التوافق بين قوى الاحتلال المسيطرة على الأراضي، ومدى التناقض الذي قد يؤدي الى اشتباك مسلح. يرد في المقام الأول الموقف الأميركي، الذي دخل جنوده الأراضي السورية من غير استئذان، وأقام الأميركيون قواعد عسكرية تشي بإقامة مديدة في البلاد، كل ذلك تحت حجة محاربة الإرهاب المتمثل في تنظيم «داعش». لا شك في أن الوجود الأميركي يزعج القوى المحتلة الأخرى، لكنه حاجة إليها في الوقت نفسه. هذا الموقف الأميركي خاضع للتذبذب في كل لحظة، وكان آخرها إعلان الرئيس الأميركي نيته الانسحاب العسكري، في ظل خلاف مع أركان جيشه على الخطوة، ثم تأجيل الانسحاب ستة أشهر أخرى. والوجود الأميركي في سياق تقاسم سورية يشكل معضلة الى قوى الاحتلال الاخرى، فهو قادر على إفشال أي تسوية تتحقق خارج رغباته ومصالحه، وهو قادر على تنظيم حروب داخلية بين المناطق المتقاسمة، بما فيها استحضار قوى إرهابية لتأطير هذه الحروب. في الوقت نفسه، تبدو تركيا في موقف متمايز عن روسيا وإيران وحتى الولايات المتحدة، بما يهدد بمزيد من التصدعات داخل الحلف غير المقدس.

وسط هذه المعمعة، يجاهد النظام لتكريس نفسه طرفاً في اللعبة الدائرة. يسعى الى حسم عسكري في مناطق امتداد نفوذه في العاصمة دمشق، كانت معارك الغوطة مؤخراً أعلى تجلياتها. ومن أجل تثبيت موقعه على الأرض واستعادة هذه المناطق، لم يتورع عن استخدام الأسلحة الكيماوية لحسم المعركة وفرض الاستسلام على قوى المعارضة الموجودة، وهو ما تحقق له بالفعل. لكن مسلك النظام هذا وضعه أمام معضلة التهديدات الغربية في معاقبته على استخدام هذه الأسلحة، وهي تهديدات تتصاعد نحو ضربة عسكرية للنظام. قد تنضم هذه التهديدات الى سابقاتها وتتحول الى زوبعة في فنجان. في أي حال، إن إي تدخل عسكري في سورية لا يؤدي الى إسقاط النظام، هو عملية تساعد في توطيد موقعه وتجرؤه على استخدام شتى أنواع الأسلحة لضرب خصومه.

وصلت الأزمة السورية الى مرحلة من التعقيد بعد أن فشلت الانتفاضة في إسقاط النظام وبناء نظام ديموقراطي. وأسوأ ما حصل هو فقدان سورية، النظام والكيان والمجتمع، أي استقلالية في تقرير المصير. ليس مبالغة القول ان ما هو مطروح على سورية في المرحلة المقبلة هو استعادة هذا الاستقلال. هذه الاستعادة تمر في محطة النضال من أجل تحرير سورية من الاحتلالات الأجنبية المقيمة على أراضيها، ولا تستكمل إلا بإسقاط النظام الاستبدادي القائم. فالنظام السوري يشكل اليوم غطاء يضفي الشرعية على هذه الاحتلالات، مقابل احتفاظه بسلطة على جزء من سورية، ولو كانت منقوصة. تحتاج سورية الى حركة وطنية ديموقراطية بعيدة من الأصوليات التي اكتسحت الانتفاضة وحرفتها عن مهمتها التحريرية منذ منتصف العام 2011. لا تبدو هذه القوى متوفرة حتى الآن، مما يجعل مهمة التحرير ذات طبيعة تاريخية قد لا تكون قصيرة المدى. لكنه الخيار الوحيد امام الشعب السوري وقواه الوطنية والديموقراطية.

خالد غزال – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد