سوريا و .. زمن الخيبة

في كتاب نزل إلى المكتبات يوم الأربعاء الأخير، وحمل عنوان “دروس الحكم”، وثق الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، قصة “الضربة الملغاة” التي كانت قد اتفقت كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، على شنها ضد نظام بشار الأسد، كرد عسكري على استخدامه للأسلحة الكيمائية.

ويقول هولاند إنه عشية حلول اليوم المتفق عليه لبدء شن الهجوم، وهو الأول من آب/أغسطس 2013، اتصل به نظيره الأميركي باراك أوباما لتجميد كل شيء، بحجة أنه يفضل في ضوء السابقة البريطانية مراجعة الكونغرس الأميركي.

ويشير الى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد دخل على الخط الأميركي وقدم عرضا يقضي بأن يرعى اتفاقا مع الأسد يقضي بتدمير كل ترسانته الكيمائية المحظورة دوليا.

وفي اعتقاد هولاند، الذي خرج من قصر الإليزيه قبل أحد عشر شهرا، أن التراجع عن الضربة العسكرية أحدث تغييرا جذريا في المسار السوري، لأنه قدم رسائل تشجيع لكل من روسيا لتدخل بكامل قوتها إلى الساحة السورية، وإيران التي لم تعد تخشى من دورها السوري على مستقبل مفاوضاتها في الملف النووي، وبشار الأسد حتى يواصل مجازره ضد شعبه من دون أن يهاب أي عقاب، في مقابل إشارات إحباط لدول الخليج العربي من شريكها الاستراتيجي، وللمعارضة السورية التي ذهبت في ضوء ذلك إلى الراديكالية.

ويعرب هولاند عن اقتناعه بأنه لو لم يتراجع أوباما عن تعهده بتوجيه ضربة عسكرية إلى نظام الأسد، لكان المشهدان السوري والدولي اليوم مختلفين تماما عما هما عليه، انطلاقا من اكتشافه سريعا في ضوء الحوارات الطويلة مع بوتين أن الرئيس الروسي “لا يحترم إلا القوة”.

وتأتي هذه المراجعة، بعد مرور أقل من خمس سنوات على وقائعها، متزامنة مع عودة الحديث عن قيادة واشنطن لعملية عسكرية ضد النظام السوري، بعدما تجددت التهم الموجهة إلى الأسد باستعمال السلاح الكيميائي الذي احتفظ، خلافا للاتفاق المعقود مع الأمم المتحدة برعاية روسية، بكميات كبيرة منه.

وانطلاقا من المعطيات التي تضمنها توثيق هولاند، يبدو أن ما كان صحيحا بالأمس هو كذلك اليوم، بحيث يؤثر أي تراجع عن التعهدات المقطوعة ضد النظام السوري سلبا على واشنطن وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط، ويدفع بآخر “جيوب الاعتدال” إما إلى الاستسلام للمحور الروسي ـ الإيراني وإما إلى موجة جديدة من الراديكالية.

ويخرج قارئ وقائع هولاند بانطباع مفاده أن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب يقف أمام مفترق طرق، فإما يكون طبعة منقحة، في الموضوع السوري، من باراك أوباما، وإما يثبت أنه فعلا مختلف بالشكل والجوهر.

ومع مرور الزمن وتجذر كل من روسيا وإيران في سورية، فإن اختلاف ترامب عن أوباما، يحدده شكل الضربة العسكرية ومداها. فسيناريو ضرب مطار الشعيرات بـ 59 صاروخ كروز لا يعدل شيئا في موازين القوى الاستراتيجي، وتاليا بمعطيات طاولة الحلول التي استفردت بها موسكو بالتشارك مع لاعبين ميدانيين هما إيران وتركيا.

ووفق مراقبين، فإن “ضربة رفع العتب” لن تقدم ولن تؤخر، ففي الكيانات التي تتنفس طغيانا، “كل ضربة لا تقتل تقوي”.

ويرى هؤلاء أن ترامب، في مواقفه الأخيرة، أخذ الأمور إلى مستويات في غاية الدقة، فتصنيفه بشار الأسد في خانة الحيوان، يفرض عليه إما الانتهاء منه أو جعله “أليفا” وإما الاستسلام لقدره.

وثمة خشية حقيقية أنه في ظل استمرار غياب سياسة أميركية واضحة تجاه سورية قد تستفحل وضعية الأسد التي سبق وسمحت لترامب بأن يصنفه في خانة الحيوان.

الجميع ينتظر ما ستكون عليه الأمور، فالقرار الحاسم لا مقر له إلا البيت الأبيض. والبيت الأبيض، منذ تراجع أوباما عن “اتفاق الضربة”، عقد الأمور، فما كان سهلا في العام 2013 هو أكثر تعقيدا في العام 2018. فروسيا الوسيطة آنذاك، أصبحت روسيا المتورطة اليوم، والمعارضة السورية التي كانت صديقة آنذاك، إما تلاشت اليوم وإما ارتدت زي التطرف وبالتالي العداء، والخليج المتحمس حينها، أصيب ببرودة الخائب اليوم، أما أوروبا العاجزة عن القيام بأي خطوة لوحدها ـ وفق تأكيدات هولاند بما يختص ببلاده ـ فلا يضير رئيسا آخر فيها أن يوثق قصة خيبة جديدة، في كتاب جديد، بعدما يترك السلطة.

فارس خشان – قناة الحرة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد