قوات عربية في سورية ؟ .. التعقيدات و الخيارات
لم يكن بالمفاجئ ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال عن تطلع إدارة دونالد ترامب لإرسال قوة عربية إلى سورية تحل في المدى الأبعد مكان الألفي جندي أميركي الموجودين في شمال وشرقي البلاد. فالمقترح ليس بالجديد وعمره ثلاث سنوات، لكن التحديات والصعوبات الداخلية والإقليمية ازدادت تعقيدا عما كانت عليه حين طرح للمرة الأولى.
الخطة التي يتبناها ترامب اليوم تم اقتراحها للمرة الأولى في اجتماع الجامعة العربية في ربيع 2015 وبعد ذلك بشهر في قمة كامب ديفيد بين باراك أوباما والقيادات الخليجية (مايو/أيار 2015). عندها تم تضمين البيان الختامي تعهدا ببناء “قوة عسكرية طارئة” للتحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي شكلته السعودية ذلك العام ويضم 41 دولة. تم التخطيط لهذه القوة نظريا لتشبه القوة العسكرية لحلف الشمال الأطلسي (ناتو) وتكون بحجم 40 ألف جندي وهدفها الأساسي ردع إيران، أما الدول المفترض أن تشارك فيها فهي السعودية ومصر والسودان والمغرب والأردن.
ثلاث سنوات على كامب ديفيد وها هو ترامب يعيد الفكرة نفسها تقريبا مع توجيه هذه القوة إلى سورية لمشاركة واشنطن أعباء الحرب. الخطة ما تزال في بدايتها، والمفاوضات جارية حول نوع هذه القوة العسكرية، إذا ما كانت مهامها تدريبية أم قتالية، وماهية دورها إلى جانب القوات الأميركية. فالانسحاب الأميركي مستبعد من سورية في المدى القريب، والجدول مفتوح زمنيا “حتى تحقيق الأهداف” كما قالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي.
إلا أن أبعاد الخطة قد تكون أكبر من تواجد عسكري وقد تدخل في سياق إعادة رسم الحدود والنفوذ الجغرافي في سورية والعراق. فالمحرك الاستراتيجي للخطة، وهو مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون، تبنى فكرة القوة العربية وذهب إلى حد استخدامها لإعادة رسم حدود سورية والعراق في مقال له في تموز/يوليو الماضي في صحيفة وول ستريت جورنال بعنوان “أميركا بحاجة إلى استراتيجية ما بعد داعش”.
يقول بولتون في مقاله إن الوقت حان “لتضغط الولايات المتحدة على مصر والأردن ودول الخليج لزيادة عدد القوات والمساعدات في قتال داعش”. ويدعو إلى إعادة ترسيم حدود سورية والعراق بما يتناسب مع مصالح الولايات المتحدة وتخطي عقدة الحدود التي رسمها الأوروبيون منذ قرن من الزمن بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الامبراطورية العثمانية.
رؤية بولتون باستحضار قوة عربية إلى سورية تأتي في سياق الرد على المحور التركي ـ الروسي ـ الإيراني اليوم، وحفظ واشنطن وحلفائها حصة استراتيجية في لعبة تقاسم الكعكة الدمشقية. لكن هذه الرؤية، كما الكثير من أفكار بولتون، لا تحمل ما يكفي من الركائز لتطبيقها في أرض الواقع لأسباب عدة أبرزها اثنان:
أولا، ليس هناك شهية عربية لإرسال قوات لحرب ميليشيات مشتعلة، والسعودية منشغلة بضبط حدودها، وأولوية مصر في سيناء ووادي النيل.
ثانيا، حتى لو افترضنا تأمين هذه القوة، فما هي آليات عملها وحمايتها في محيط عدائي بين قوات حماية الشعب الكردية، ونظام الأسد، وروسيا وميليشيات إيران، ورواسب القاعدة وداعش. فلا سورية هي أولوية لدول الخليج ومصر، ولا هذه القوات ستكون مؤهلة قتاليا ودفاعيا لإمساك الأراضي.
ولذلك بدأ الحديث عن مهمة تدريبية للقوة العربية بدل المهمة القتالية، ولتدريب قوات سورية الديمقراطية. هكذا مهمة يمكن تنفيذها داخل أو خارج سورية، ولا تتضارب مع مصالح هذه الدول، وفي نفس الوقت تساعد ترامب في حفظ ماء الوجه حول المشاركة الإقليمية.
أما سياسيا، فالجدل حول إرسال قوات عربية إلى سورية بعد أيام من ضربات جوية ضدها يعكس حالة التهميش والعزلة التي يعيشها النظام السوري. فلا حلفاؤه يستشيرونه في محادثات السلام، ولا خصومه في مفاوضات التصعيد. هكذا، وكما يحلو لبولتون وغيره، يتم التداول بخارطة جديدة للبلاد بغض النظر عن اسم الحاكم في دمشق ورأيه بذلك.
جويس كرم – قناة الحرة[ads3]