BBC : أفضل خمسة بلدان في العالم لأصحاب المشروعات الناشئة

البدء في مشروع تجاري في أي مكان يتطلب عزماً وتصميماً، وفكرة قابلة للتسويق، لكن هناك أماكن تجعل الأمور أكثر سهولة لتدشين المشاريع الناشئة ونجاحها.

في الآونة الأخيرة، صنفت مجلة “يو أس نيوز & ورلد ريبورت” أفضل خمسة بلدان لرواد الأعمال بناء على عدة عوامل، من بينها الارتباط ببقية العالم عن طريق الإنترنت، ووفرة القوة العاملة الماهرة والمتعلمة، والبنية التحتية المتطورة، والقوانين والتشريعات المتطورة، وسهولة الحصول على التمويل (رأس المال).

ولمعرفة أسباب تربع هذه الدول الخمس على قمة البلدان التي تنجح فيها المشاريع التجارية، تحدثنا إلى رجال أعمال رواد في كل بلد منها لإماطة اللثام عن المنافع التجارية التي توفرها تلك البلدان ولماذا يحب رواد الأعمال العيش فيها.

ألمانيا

تتربع ألمانيا على قمة القائمة، حيث تعتبر أكبر رابع اقتصاد في العالم، والأكبر في أوروبا، كونها تجمع بين ثقافة الاستثمار والتجارة الشفافة، ووجود قوة عاملة على مستوى عال من التعليم، وسياسات اقتصادية ملائمة للاستثمار والتجارة.

وتعمل الحكومة على تسهيل الشروع في عمل تجاري جديد. يقول جاي أرثر الذي يدير مدرسة جاي أرثر للغة الإنجليزية في مدينة شتوتغارت: “البدء في مشروع تجاري أمر في غاية السهولة في ألمانيا. حيث تلغي الحكومة الكثير من التكاليف للإبقاء على نمو المشروع وتطوره، والزبائن هنا يحافظون على ولائهم طالما كانوا يتلقون خدمة ذات جودة عالية”.

وعلى العكس من بلدان أخرى (كالمملكة المتحدة) حيث تعتبر مدينة واحدة هي المركز التجاري والاقتصادي للبلاد، في ألمانيا العديد من المدن التي تمثل مراكز تجارية كبيرة مثل، برلين وفرانكفورت وميونخ وهامبورغ.

ويعتبر ذلك مهماً بشكل خاص عندما يتطلب الأمر اختبار منتجات جديدة لتسويقها عالمياً، طبقاً لما يقوله جينز ولتروف، المدير التنفيذي والشريك المؤسس لشركة خدمات سيارات الأجرة “بلاكلين” ومقرها برلين.

ويضيف ولتروف: “تتمتع ألمانيا بسوق ضخمة حيث يمكنك إطلاق شركة واختبار المنتجات. تعلمنا كيف نبدأ العمل في مدن جديدة من برلين، متوجهين لما هو أبعد من برلين في كل مرة لبناء علاقات مع سائقين شركاء، وكسب زبائن جدد. وبعد أن جرب الزبائن الذين نقلناهم في سياراتنا خدمتنا في برلين وفرانكفورت وميونخ أو شتوتغارت، أصبحوا يرغبون في خدمتنا في لندن، وميلان، ونيويورك، وطوكيو”.

ويتحدث الناس الإنجليزية في ألمانيا على نطاق واسع. وهي لغة التجارة والأعمال الرئيسية المعتمدة، كما في شركة “بلاكلين” والكثير من الشركات الناشئة، وهو ما يجعل من السهل بناء شركة متعددة الجنسيات وجذب مواهب متنوعة.

ورغم ذلك، فإن هناك بعض الصعوبات التي يواجهها رجال وأصحاب الأعمال المستجدون في ألمانيا تتمثل على نحو خاص في قوانين الضرائب المعقدة التي تتطلب دائماً استئجار محاسب أو مستشار ضريبي.

كما أن النقص في المساكن بدأ أيضاً يصبح مشكلةً في برلين وغيرها من المدن نظراً للنمو السكاني وزيادة معدلات الهجرة لألمانيا وعدم بناء مساكن جديدة، رغم أن تكاليف المعيشة مازالت أقل من غيرها من العواصم الأوروبية.

اليابان

المفارقة هي التي تميز اليابان منذ وقت طويل في عالم المال والأعمال، حيث أن ثقافة عدم الرغبة في المجازفة ولدت ابتكارات غيرت العالم. “التقنيات القديمة مثل أجهزة الفاكس موجودة في كل مكان، رغم ذلك، فإننا محاطين بأجهزة روبوت في قمة التطور فضلاً عن بعض أفضل الأجهزة والأفكار وأكثرها تقدماً”، كما تقول جوانا كريسب، المديرة العامة في شركة السفر والسياحة “بيك دي أم سي” اليابانية التابعة لمجموعة إنترابيد، وهي أسترالية الأصل وتقيم الآن في كيوتو.

وتقف اليابان على حافة تغير ثقافي هائل، كما يرى الكثير من رجال الأعمال. فبينما كان الناس يفضلون في الماضي الالتحاق بشركة ضخمة متعددة الجنسيات لضمان وظيفة مدى الحياة، يميل الشباب هذه الأيام نحو العمل في شركات أصغر حجما، وشركات ريادية.

يعد مركز النشاط التجاري هو طوكيو، حيث أن وجود عدد كبير من الوافدين يجعل من الأسهل على الأجانب بناء علاقات مهنية في تلك العاصمة. “يوجد في طوكيو وفرة من الفرص التي يمكن أن ينخرط فيها أناس من جنسيات مختلفة ويكونوا على تواصل مع بعضهم البعض”، كما تقول كوهي كوريهارا، مؤسسة شركة كولابوغيت، ومديرة التسويق فيها.

وبينما يتحدث البعض الإنجليزية في طوكيو، وتنشط الحكومة في تدريب المزيد من المتحدثين باللغة الإنجليزية تحضيراً لدورة الألعاب الأولمبية عام 2020، فإن تعلم اللغة اليابانية والأعراف الاجتماعية هي أمور جوهرية لرواد الأعمال في اليابان.

وتقول كريسب: “لكي تنجح، تحتاج إلى المقدرة على قراءة ما بين السطور، وأن تتعلم التفاصيل التي تغلف آداب التعامل الاجتماعي والتجاري في اليابان”.

الولايات المتحدة الأمريكية

الحلم الأمريكي، المتمثل في أن أي إنسان يمكنه أن يحقق ما يريد إذا ركز تفكيره فيه، مازال يميز الولايات المتحدة بالنسبة للكثير من مواطنيها خصوصاً أولئك الذين يريدون البدء في مشروع تجاري.

وعلى العكس مما هو سائد في العديد من الثقافات، الفشل ليس نهاية المطاف هنا، ولكنه حافز للمضي قدماً بعد التعلم من التجربة.

هذا الإيمان بالنفس وبإمكانية النجاح يؤثر على الحياة اليومية في الولايات المتحدة، حيث أن مبدأ (لكل شخص صوته واختياره) مازال يؤثر على الثقافة السائدة. “لا يوجد ما هو أقدس من هذا المبدأ في الديمقراطية”. وهذا الإيمان يفتح المجال لاحترام واسع النطاق لتنوع الأفكار والآراء ووجهات النظر.

ويوجد في الولايات المتحدة أيضاً واحد من أفضل نظم الحدائق القومية في العالم. ويمكن للمواطنين الانتفاع والاستفادة الكاملة من مشاهدة هذه الحدائق القومية حيثما كانوا يقطنون.

المملكة المتحدة

على الرغم أن البريكسيت (مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي) قد خلق بعضاً من حالة عدم اليقين حول مستقبل العلاقات التجارية بين بريطانيا وأوروبا، مازال الكثير من رواد الأعمال يعتقدون أن بريطانيا مكان رائع لبدء المشاريع التجارية نظراً لقلة القيود المفروضة على دخول البلاد، وقوة مجتمع الاقتصاد والتجارة، ووفرة المواهب المتعددة.

“سجلت شركتي في مؤسسة ‘بيت الشركات’ مقابل 12 جنيهاً (يكلف مثل ذلك التسجيل في الولايات المتحدة حوالي 500 دولار أو أكثر في بعض الولايات)، وفتحت حساب مصرفي على الإنترنت خلال دقيقة واحدة”، كما يقول ديفيد مورفي، الذي بدأ شركة للساعات تسمى “أوليفر كوين” في لندن العام الماضي.

كما تتيح الحكومة العديد من الموارد عبر الإنترنت مثل القروض المدعومة حكومياً لرواد الأعمال والشركات الناشئة، ونماذج جاهزة من خطط الاستثمار، كما أن تسجيل الشركات للضريبة يمكن أن يكون سريعاً وسهلاً.

“بينما أستخدم محاسباً لكي أوفر الوقت على نفسي، إلا أنني أستطيع أن أفعل ذلك بنفسي نظراً لسهولة الأمر”. فتعبئة الأوراق والنماذج المطلوبة أمر ميسور، ونظام الضرائب يمكن فهمه بسهولة. فضلاً عن ذلك، الحكومة ملتزمة بمواصلة خفض الضرائب المفروضة على الشركات، وهو ما يعني معدلات ضريبية تنافسية جداً”، كما يقول المستثمر الكندي إيان رايت، مؤسس الموقع التجاري “ميرتشن ماشين” في بريطانيا.

ومن السهل الحصول على تمويل للمشاريع التجارية مقارنة ببقية أوروبا، مما يجذب أكثر من 4 مليارات جنيه استرليني على شكل استثمارات، وهو أكبر مبلغ لرأس المال الاستثماري في كافة الدول الأوروبية لعام 2017.

ويقول مورفي: “لقد تواصل معنا عدد من المستثمرين الذين عرضوا علينا التوجيه والتمويل. كما تمت دعوتنا للتقديم لمنح حكومية، لكننا لم نقبل هذه الدعوة نظراً لأننا لا نحتاج إلى دعم مالي في هذا الوقت”.

التكلفة العالية للبيوت في لندن تشكل صعوبة لأصحاب المشاريع التجارية وللموظفين المحتملين. يقول رايت: “المنزل الوحيد الذي استطعت تحمل أجرته يقع على أطراف لندن، وتبلغ مساحته حوالي نصف البيت الذي أستطيع الحصول عليه في كندا. مع ذلك، فإن وجود نظام الرعاية الصحية ‘أن أتش أس’ يجعل البدء في مشروع تجاري أقل مجازفة.

ويقول مورفي: “أعتقد أن نظام الرعاية الصحية للجمهور هو أهم خطوة يمكن للحكومات أن تفعلها لتشجيع ريادة الأعمال”.

وإلى جانب المناخ الاستثماري، يقول رايت إنه يحب العيش في لندن لأنها تجمع بين التاريخ والثقافة الحديثة. ويحب اللندنيون التعدد الثقافي للعاصمة البريطانية، حيث يعيش الناس من كافة أرجاء العالم جنباً إلى جنب، مما يخلق بيئة متنوعة للثقافة وأنواع الطعام المختلفة.

سويسرا

نظراً لنقص الموارد الطبيعية جزئيا في سويسرا، استثمرت البلاد بدلاً من ذلك لزمن طويل في البحث والتطور لتعزيز وتنمية اقتصادها. وقد أتى ذلك بالنتائج المرجوة على خير وجه، مع تحول البلاد لقوة دولية في مجال التمويل والبنوك.

“تمتلك سويسرا تقليديا قطاعاً مالياً قوياً تحافظ عليه وتعززه تشريعات وقوانين حكومية ملائمة”، كما يقول ماركو أبيلي، المسؤول السابق عن القطاع الرقمي ببنك كريدت سويس، والمدير التنفيذي ومؤسس شركة “بلوك تشين تيند” في مدينة زوك.

ويقول أبيلي: “الثقافة السويسرية مثيرة للاهتمام فيما يتعلق بهذه القيم المتجذرة في القطاع المالي السويسري لعقود طويلة، والتي يمكن نقلها لرواد الأعمال كل في مجال اهتمامه وحقل استثماره”.

ويضيف: “تقود سويسرا الطريق بتطبيقها القيم الجوهرية المتأصلة في القطاع المالي التقليدي، ونقلها إلى مجال المشاريع التجارية الناشئة. وتحتضن الجامعات السويسرية أيضاً هذا التغيير، حيث تتناول بالبحث والدراسة تأثير ما يعرف بتقنية ‘سلسلة الكتل’ على العالم بفكر سويسري محض”.

ويشير مصطلح “سلسلة الكتل” إلى قاعدة بيانات رقمية متشابكة تمتاز بقدرتها على إدارة قائمة متزايدة باستمرار من السجلات المجمعة. وصممت تلك التقنية الرقمية بحيث يمكنها المحافظة على شبكة البيانات المخزنة فيها مع الحيلولة دون العبث بها.

وعلى الرغم من أن تكلفة المعيشة المرتفعة للغاية هنا تكون مجهدة جداً للقادمين الجدد، إلا أن رواد الأعمال يقولون إن الفوائد والعوائد المترتبة على أن تكون جزءاً من الاقتصاد السويسري تفوق التكاليف.

كما تظهر هذه المنافع في أسلوب الحياة اليومية، حيث يتمتع المواطنون بإمكانية الحصول على فرص تعليم ذات مستوى عالمي، فضلاً عن الجمال الطبيعي المتمثل في جبال الألب المحيطة بالبلاد.

ويعني موقع سويسرا الجغرافي في قلب أوروبا أن سكانها يمكنهم التنقل بطيران سريع ورخيص في طول القارة الأوروبية وعرضها لقضاء عطل نهاية الأسبوع. (BBC)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد