اطردوا رافعي الشعارات الدينية من ثوراتكم !

يقول المثل الشعبي: «العاقل من اتعظ بغيره والتعيس من اتعظ بنفسه.» لكن المشكلة أن قلة قليلة عبر التاريخ تتعظ من كوارث الآخرين، بينما كثيرون لا يتعظون إلا إذا دفعوا الأثمان بأنفسهم. لا عجب أن الأديب البريطاني الشهير ألدوكس هكسلي يقول في قولته الشهيرة: «الدرس الوحيد الذي يتعلمه الناس من التاريخ أنهم لا يتعلمون من التاريخ». لكن مع ذلك نعود ونكرر، لا بد أن تتعلم الشعوب العربية من الدرس السوري والليبي واليمني تحديداً، لعلها تقلل من خسائرها في ثوراتها المقبلة إن لم يكن عاجلاً، فآجلاً، فمن الواضح على ضوء الربيع الأردني أن الشعوب لم ترتعب من المأساة السورية كما أرادوا لها، بل هي مستعدة أن تنتفض من أجل حقوقها حتى لو دفعت الغالي والنفيس. ومن الواضح أيضاً أن الذين أرادوا أن يجعلوا من الشعب السوري عبرة لمن يعتبر بالقتل والتهجير قد فشلوا فشلاً ذريعاً على ضوء خروج الشارع الأردني عن بكرة أبيه في انتفاضة شعبية عارمة استخدمت شعارات لا تقل قوة عن شعارات الانتفاضات العربية الأخرى.

لا أحد يقول لنا إن الأوضاع في بقية البلدان العربية أفضل بكثير من الأوضاع في البلدان التي ثارت. لا شك أن النظام السوري يتفوق على الكثيرين في وحشيته وتصرفاته الأمنية القذرة التي لم يسبقه إليها حتى النازيون والفاشيون والمغول والتتار، لكن البقية تختلف عنه فقط بدرجات محددة، فالأنظمة العربية بمجملها لديها العقلية الوحشية ذاتها في التعامل مع الشعوب. وهي تعمل دائماً بنصيحة رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير: «ما لا تستطيع أن تحققه بالقوة يمكن أن تحققه بمزيد من القوة.» باختصار، فإن الانتفاضة في بقية البلدان العربية قادمة لأن الظروف كلها تشير في ذلك الاتجاه، ولأن الأوضاع متشابهة إلى حد كبير، وخاصة في جمهوريات العسكر. ولا يمكن استثناء الملكيات أيضاً، فربيع الأنظمة الملكية كما بدأ يلمح الباحثون الإسرائيليون قادم. والمسألة مسألة وقت فقط.

وبما أن الدماء السورية واليمنية والليبية لم تجف بعد، فمن الأجدر بالشعوب العربية أن تكون قد تعلمت الدرس. إن أول شيء يجب أن تعيه الشعوب أن هناك ألف طرف وطرف يتحيّن فرصة الثورات في البلاد العربية كي يحقق مصالحه وأطماعه على أنقاضها ويستغل مظالم الشعوب وعذاباتها ليس ليساعدها على التخلص من الظلم والطغيان، بل كي يستغلها لتحقيق مآربه القذرة حتى لو أدى ذلك إلى خراب الأوطان وتهجير السكان. وهذا ما شاهدناه في الثورة السورية، فقد استغل كلاب العالم وضباعه معاناة السوريين تحت القمع والاضطهاد، وبدل أن يساعدوهم على التحرر من ربقة العبودية الأسدية، تاجروا بآلامهم ومظالمهم لأغراضهم الخاصة، فكانت النتيجة وبالاً على السوريين شعباً ووطناً.

انتبهي أيتها الشعوب: عندما يشتعل الحريق في منزلك، سيهرع كثيرون إلى الحريق، لكن ليس كلهم يأتون لإطفائه، بل ربما ليصبوا مزيداً من الزيت على النار كي تتسع. وبعضهم يأتي ليسرق البيت، والبعض الآخر ربما يأتي ليستغل محنة ساكني البيت ويستخدمهم لأغراضه الحقيرة. كوني حذرة جداً، ولا تقبلي المساعدة قبل أن تتأكدي من نوايا مقدميها. ولا تدعي أي طرف خارجي يحرضك على حكوماتك حتى لو كانت ظالمة. لا تصغي إلى أصوات الخارج. لقد سارعت قوى كثيرة للتدخل في سوريا بحجة مساعدة السوريين ضد النظام، لكن تبين أن غالبيتهم كان آخر همها مساعدة السوريين، فكل تدخل لأهدافه الخاصة التي لا علاقة لها أبداً بمظالم السوريين. انتبهي أيتها الشعوب، لا شك أن لديك ألف سبب وسبب كي تثوري، لكن لا تجعلي ثوراتك مطية لتحقيق أطماع الكثيرين في بلادك وعلى أشلائك، فبدل أن تحققي أحلامك في الكرامة والحرية تحققين مطامع المتكالبين على بلادك، بينما تعودين أنت إلى نقطة الصفر وربما أدنى. لا تقبلي أيتها الشعوب أن تكوني أداة في أيدي أي جهة خارجية. حذار أن يتقاتل أبناء الشعب الواحد فيما بينهم تلبية لمطالب داعميهم في الخارج. انظروا ماذا حصل للسوريين الذين سلطهم كلاب الخارج على بعضهم البعض، فتحولت الثورة إلى حرب أهلية لم يربح منها سوى الخارج ونظام الطاغية وحلفائه.

احذري أيتها الشعوب أي دعم خارجي مهما كان. لا تثقي بأقرب المقربين. ثقي فقط بشعبك وببلدك، وارفضي أي عون من أي جهة، لأن الدول والأطراف الأخرى ليست جمعيات خيرية، فكل طرف يقدم مساعدة يحاول أن يجني من ورائها أضعافاً مضاعفة. وهذا كله يدمر مطالبك المشروعة، ويجعلك مطية ولعبة في أيدي المانحين والواهبين. لاحظوا إلى ماذا أدى تنوع الداعمين للفصائل في سوريا. لقد أدى إلى تدمير الثورة وتحويل البلد إلى إقطاعيات وإمارات إسلامية أسوأ من النظام. وكان مصيرها كلها السحق لأنها بدل أن تسعى من أجل تحرير البلاد من الظلم والطغيان راحت تتناحر وتتنافس فيما بينها على الغنائم والنفوذ والسلطة.

احذري أصحاب الشعارات الإسلامية والدينية، فقد أثبت هؤلاء أنهم ألد أعداء الثورات بشكل مباشر أو غير مباشر، فهؤلاء لا يريدون إقامة أوطان مدنية ديمقراطية حرة، بل يريدون أن يعودوا بكم إلى غياهب الظلام والتخلف والماضي، وهم أكبر عون للطغاة لأنهم يعطون الشعوب انطباعاً بأنهم أسوأ من الأنظمة. ولن نتفاجأ أبداً أن مثل تلك الجماعات الدينية هي بالأصل صناعة مخابراتية يسلطها الطغاة على الشعوب عندما تثور عليهم كي تقول الشعوب: «ما بتعرف خيرو لتجرب غيرو.» اطردوا أي متظاهر يحمل شعاراً دينياً، فهو إن لم يكن مدسوساً، فهو سيكون لاحقاً وبالاً عليكم، لأن العالم سيعتبره رمزاً للإرهاب، وبحجة القضاء عليه سيقضي على ثوراتكم ومطالبكم، كما حصل للسوريين.

لا تنسوا أن كل من يحمل شعارات دينية في الثورات ليس ثائراً، لأنه يحمل عقلية التكفير والإقصاء والتمييز بين الناس على أسس دينية وطائفية ومذهبية، مثله مثل العسكر الذين يعمدون إلى تخوين كل من يعارضهم. لا خيار لكم سوى الأنظمة المدنية الديمقراطية بعيداً عن أحذية العسكر ولحى المتدينين. لا تقبلوا أن تبقوا بين سندان الجنرالات ومطرقة الإسلامجيين. لا بأس أن تتحالفوا مع الإسلاميين المتنورين الوسطيين الذين يؤمنون بالنظام المدني وقبول الآخر حيث وجدتموهم.

تعلموا من مصائب غيركم لعلها تكون فوائد لكم.

فيصل القاسم – القدس العربي[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫15 تعليقات

  1. انا لا اتفق معك على هذا, لان الثورة في حقيقة الامر خرجت من المساجد لذا هي الحاضن الوحيد لثورتنا المجيدة.

  2. الغريب ان انت يا دكتور فيصل نفسك قد لعبت يوماً ما على وتر الدين و من يتابع صفحتك سيشتم مباشرة بوستاتك الطائفية المشبعة بالدين و الحقد و الكره ومازلت ليومنا هذا تركب الموجة يوماً ضد الشعارات الدينية و يوماً معها

    1. الطائفية عندما يكون جميع الطيارين, الدبلوماسسيين، القادة الامنيين العسكريين، من لون واحد، الطائفية عندما يكون دخل لص واحد واحد بحجم دخل وطن بأكمله، الطائفية عندما تهلهل محافظتان لتدمير ال ١٢ الأخريات من ابناء الوطن (الواحد)، الطائفية عندما يكون الجيش ابو شحاطة لم يذق طعم النصر ابداً و قائدهم حتماً قرد، الطائفية عندما يقتل طيار و قائد عسكري او أمني في جميع المحافظات السورية و بنفس اليوم تفتح خيم العزاء بمحافظتين.
      هل كل ما ذكرت made in فيصل القاسم يا وطني يا قومجي؟

  3. كلامك مقبول وإن كان فيه الكثير من الغلط والخلط …..
    تداركت في النهاية حين ذكرت الاسلام الوسطي … المجتمع السوري ودينه وثقافته الاسلام ولن يخلع هذا الثوب … هي هويته ولن يعجز الصليبيين والصهاينة والمجوس عن اختلاق مئات الحجج لتدمير السوريين والثورة … إن لم يكن الاسلام المتشدد سيكون غيره من حجج .
    لذلك التمسك بنهج الاسلام باق

  4. كلام سليم. أصحاب الشعارات الدينية مثل قوى الطبيعة العمياء، يتجلى فيهم الخطر الأكبر على الثورة وعلى البلد والداعمون ليسوا جمعيات خيرية، كلهم شغل استخبارات.

  5. يطعمك الحج والعالم راجعة!!
    صح النوم دكتور فيصل.
    ظليتك تحرض وتشحن وتهيج الناس وحضرتك
    عايش بقطر والعالم بسوريا عم تموت.
    حرب عصابات، اهجموا على ضيعهم، حرب شوارع وووو
    كلام فاضي وعلاك وهلق صرت تحذر من الدين والطائفية!!!!!

  6. صرلك سبع سنين عبتنبح اكتر من كليب ضيعتنا على سقوط النظام وعندما اثبت بالدليل القاطع ان النظام اقوى بكثير من عوائك وعواء جوقتك بدائت للميل على طرد اصحاب الطوائف…طيب هي بديت من جامع العمري وانت ما بتتعرف على الدين كلو بس المطلوب منك شتم النظام وفشلت فشلا ذريعا تابع عوائك لربما بتلاقي حدا يرميلك عضمة ،،،،تلتهي بلعقها شوي

  7. الشعارات الدينية كما نعرفه هي وليدة الصليبيين كما ولدت القاعدة وداعش وغيرها!!!!!!. الشعارات الدينية هب التي تلهب المسلمون ولكن تم استغلالها صليبيا على أحسن وجه حتى أنهم أسسوا النعرة الطائفية بين السنة والشيعة ليقتلوا بعضهم بعضا حماية لاسرائيل. كل هذا مذكور في بروتوكولات حكماء صهيون والبيلدربيرغ يقومون بالتنفيذ حيث وجدوا مرتعا خصبا بأن يقتل المسلمون بعضهم البعض بأرخص التكاليف ( للصليبيين ) وبمال المسلمين – الذين هم بالواقع ” غثاء سيل ” – وسترى المزيد وسيحتوونه لآن كلابهم موجودة في كل الأصقاع لتنفيذ ما يريدون على أحسن وجه فدود الخل منه وفيه والسفلة متصلتين.

  8. بدأت بداية جيدة و نظيفه و انتهيت في القاع يا دكتور.
    الشعب السوري خرج ضد الظلم الذي وقع فيه. خرج ضد شعارات القومية و الاشتراكية و العلمانية و الدكتاتورية و أكذوبة ديمقراطية العلويين
    أيها الدكتور لأحد ينكر عزف البعض على الوتر الطائفي و الديني و أول من عزف عليه كان نظام المتوحش العلوي.
    و لكن من سرق معملي كان جيش الحر العلماني.
    من شول منزلي كان الجيش الأسدي.
    و من قصفهم كان الطيران الأمريكي و الروسي.
    هذه حقائق يعرفها كل سوري.
    أنت توجهت للهجوم على الإسلاميين و أنا أقول ليسوا هم فقط بل كل من باعه نفسه للشيطان و قبل أن تتبجح بالدولة المدينة ليكن بعلمك تسعين بالمئة من السوريين المقهورين لا يعلمون ما تعني هذه الكلمه و لا تهمهم

  9. طيب يا ابو الحرية و الدولة المدنية و الرأي الآخر لماذا لا تفسر لجمهور إغلاق موقع الجزيرة لخدمة التعليق على الأخبار؟
    تأجيل عند بعد عشرين عام من انطلاق موقعكم أغلب التعليقات كانت ذات طابع إسلامي محافظ و هذا لم يعد مناسب لحكامكم
    الثورات قادمة نعم
    و قطر ليست بمنئى عنها

  10. اطردوا جماعة الاخونجية تنجحون . ابتعدوا عن أردوغان وأمثاله وقطر وقطعان جمالها . اقصوا ادلب بلد المليون شرطي عن أي حراك سوف تنجحون . تحالفوا مع الأقليات الدينية والعرقية ودعوا القيادة لشعب المدن من الأقوام الاصلاء في الوسط والجنوب. المرة الجاية نفذوا هالكلام ورح تنجحوا. الغباء هو تكرار التجربة بنفس الوسائل .

  11. لا يجب طرد أحد ولكن يجب توحيد الجهود وما أصاب الثورة السورية بمقتل ليس الاسلاميين
    بل الفرقة والخلافات والاعتماد على الأخرين وتسليم الأمر لغير أهله
    ومنذ البداية دعا الجميع لوحدة الصف ولكن غلبت المصلحة على الجميع
    مما تسبب بفقدان السيطرة وانحراف البوصلة ولم تنتهي الثورة ولن تنتهي
    فمن ينسى الدماء التي اريقت والأعراض التي انتهكت وهل من يسامح
    فمهما قوي الباطل سينكسر على صخور الحق

  12. مازال هذا الكلب يعوي ماذا يقصدبالربيع الاردنيه اذا قامت احتجاجات في بلد يعني قامت ثوره او انه ينوي مع اعلامه على خراب الاردن كما فعلو بالربيع في سوريا وليبيا واليمن عن اي ربيع تتحدث وعن ايه ثورات قل ايها الكلب ثورات الاعلام الحقير مثل امثالك مازلت اذكر عندما قامت الاحتجاجات في سوريا بقيت ساكت لمدة ثلاثة اشهر لكن عنددفعو لك وكشفو لك الخطه بان اسقاط الانظمه االعربيه حتمي وباية وسيلة بدا عواءك يعلو
    الثوره هي لتغير الواقع الى الاحسن لكن ماذا جنت البلدا ن التي قامت كما تتدعي بها ثورات سوى الخراب والدمار والتهجير حتى الدول مثل مصر وتونس
    التي قامت بها الاحتجاجات سلميه ولفترة قصيره وتم اسقاط انظمتها لما نرا نتائج سوى الى الوراء لم تتقدم مصر وتصبح كوريا ولا تونس اصبحت سنغافوره ولن يحدث في المستقبل
    مادام مثل امثالك نذل ومرتشي ينظر ويحرض للثورات فلن تقوم قائمه لايه ثوره انت مثلك مثل الذي قتل وصوب بندقيته الى اخيه السوري ونهب وعفش انت وامثالك الى مزبلة التاريخ