من 7 عمال إلى 40 ألفاً .. قصة مؤسسة تطورت معها ألمانيا

تصنف شركة كروب (Krupp AG) أو كما تعرف أيضا بشركة فريدريش كروب (Fried. Krupp) ضمن قائمة أهم الشركات في تاريخ ألمانيا.

فبفضل تخصصها في مجال إنتاج الصلب وصناعة الأسلحة والذخيرة ساهمت هذه الشركة في دفع عجلة الصناعة الألمانية ليدون التاريخ اسمها كأحد أبرز المساهمين في انتقال الثورة الصناعية إلى ألمانيا.

وفي الأثناء مولت هذه المؤسسة آلة الحرب الألمانية خلال فترات الحروب ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين لكن مع نهاية الحرب العالمية الثانية تراجع دور شركة كروب تدريجيا خاصة عقب وفاة صاحبها ألفرد كروب فون بوهلن أوند هالباك (Alfried Krupp von Bohlen und Halbach) سنة 1967 حيث عرف عملاق صناعة الصلب تدهورا قبل أن يندمج في حدود سنة 1999 مع مؤسسة تيسين (Thyssen AG) ضمن شركة واحدة عرفت بتيسين كروب (thyssenkrupp AG).

تنحدر عائلة كروب من أصول هولندية حيث يعود أول ظهور لها بألمانيا عند سنة 1587.

فخلال ذلك العام حلّ أرندت كروب (Arndt Krupp) بمنطقة الروهر (Ruhr) ليعمل في مجالات عديدة كتجارة المواد الغذائية والخمور والماشية، محققاً بذلك ثروة طائلة.

ويعود تاريخ بداية العصر الذهبي لهذه العائلة إلى مطلع القرن التاسع عشر. ففي حدود سنة 1811 أنشأ فريدريش كروب مصنعا صغيرا مختصا في مجال إنتاج الصلب بمدينة إسن (Essen) الألمانية. وبالتزامن مع وفاته سنة 1826، كان فريدريش كروب غارقا في الديون ليترك عقب ذلك مهمة إدارة هذا المصنع لابنه ألفرد كروب (Alfred Krupp) البالغ من العمر 14 سنة.

خلال عهد ألفرد كروب عرفت شركة كروب أوج نفوذها. فبالتزامن مع توليه مهام الإدارة وسّع ألفرد مجال إنتاج المؤسسة، ليشمل مجالات عديدة بداية من ملاعق الطعام، وصولا إلى الآلات المتطورة وآلات صك العملة التي كانت تستخدمها السلطات لصك النقود. فضلا عن ذلك أدخل الأخير تغييرات عديدة على شركة كروب، معتمدا أساسا على طرق إنتاج أكثر تطورا كطريقة بسمر (Bessemer process) سنة 1862 وفرن المجمرة المكشوفة سنة 1869.

وبفضل ذلك كسب ألفرد كروب زبائن جدد مما سمح له بالحصول على عائدات مالية هائلة استغلها الأخير في اقتناء معدات جديدة وتوسيع نشاطه وخلال معرض لندن لسنة 1851 حققت شركة كروب إنجازا تاريخيا عقب عرضها لقالب حديدي عظيم بلغ وزنه 4300 رطل.

بالتزامن مع بداية انتشار خطوط السكك الحديدية بالقارة الأوروبية اتجهت مؤسسة كروب لاعتماد طريقة إنتاج جديدة عمدت من خلالها إلى إنتاج قطع السكك غير المرتبطة والتي يتم وصلها إلى بعضها من خلال البراغي وفي الأثناء كسبت كروب سمعة عالمية محترمة بفضل إنتاجها للعجلات الحديدية للعربات القاطرة والتي صدّرت لاحقا نحو معظم الدول الصناعية الأوروبية إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية.

ولإثبات فاعلية منتجاته الحديدية اتجه ألفرد كروب لاحقا إلى صناعة الأسلحة، ليقدم في البداية على صناعة عدد من المدافع فشل في بيعها بمملكة بروسيا ( إحدى الدويلات التي سبقت الوحدة الألمانية سنة 1871) لكن في المقابل نجح الأخير في تسويق هذه الأسلحة نحو كل من مصر سنة 1856 وبلجيكا سنة 1861 وروسيا سنة 1863 وبفضل نجاحها في إثبات فاعليتها خلال المعارك استخدمت مدافع شركة كروب بشكل موسع خلال الحرب الألمانية – الفرنسية ما بين عامي 1870 و1871 لتلقب هذه المؤسسة لاحقا بترسانة ألمانيا.

ومع وفاة ألفرد كروب سنة 1887 كانت شركة كروب قد ساهمت في تسليح ما لا يقل عن 45 دولة.

منذ البداية أقر ألفرد كروب بمعاناة العمال داخل المصانع، فما كان منه إلا أن أقدم على إرساء مجموعة من الحقوق لصالحهم. وفي حدود سنة 1836 وافق الأخير على فكرة منح تعويض لكل عامل يتعرض إلى حادث شغل ومطلع سنة 1855 أمر ألفرد كروب بتوفير راتب تقاعدي لكل العمال المتقاعدين أو المصابين. ومع حلول سنة 1861 اتجه الثري الألماني إلى أبعد من ذلك بكثير ليقدم على بناء مساكن ومستشفيات ومدارس وكنائس لصالح عماله وبفضل ذلك كسب ألفرد عمّالا أوفياء قدموا كل ما بوسعهم لخدمته.

مع استلامه للمصنع سنة 1826 خلفا لوالده قدر عدد العاملين لدى ألفرد كروب بنحو 7 أشخاص. لكن مع وفاة الأخير في حدود عام 1887 بلغ عدد عمال شركة كروب 40 ألفا عامل كان من ضمنهم 20 ألفا بمصانع مدينة إسن لوحدها.

وخلال السنوات التالية توالى ورثة ألفرد كروب على إدارة الشركة التي واصلت إزدهارها فبداية من سنة 1902 ساهمت هذه المؤسسة في تطور البحرية الألمانية عقب حصولها على حقوق إستغلال مصنع السفن بمدينة كيل (Kiel) لتلعب على إثر ذلك دورا حاسما في صناعة السفن الحربية والغواصات جاعلة من ألمانيا قوة بحرية ضاربة مطلع الحرب العالمية الأولى.

وبالتزامن مع ذلك أنتجت هذه المؤسسة مدافع عملاقة عديدة خلال فترة الحرب، ولعل أبرزها مدفع بيرتا الضخمة (Big Bertha) والذي بلغ عياه 420 ملم واستخدم لقصف العاصمة الفرنسية باريس. ومنذ صعود الحرب النازي وإلى حدود أواخر الحرب العالمية الثانية لعبت مؤسسة كروب دورا حاسما في إعادة تسليح ألمانيا، حيث أنتجت الأخيرة عربات قاطرة وفولاذ عدد من الدبابات والسفن الحربية والغواصات، كما ساهمت في إنتاج العديد من المدافع ولعل أبرزها مدفع غوستاف الثقيل (Schwerer Gustav) والذي يصنف كأكبر مدفع استخدم خلال حرب في تاريخ البشرية، حيث بلغ وزن الأخير أكثر من 1300 طن، بينما قدّر عياره بنحو 800 ملم.

طه عبد الناصر رمضان – قناة العربية[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها