هل يجد الإنسان إكسير الحياة المديدة في فأر الخلد العاري ؟

يبحث العلماء الألمان في”فأر الخلد العاري” عن ينبوع الحياة الذي يعد الإنسان بحياة طويلة. ويقولون إن الإنسان يحمل عوامل طول العمر نفسها التي يحملها هذا الفأر.

و يعتبر”فأر الخلد العاري” في العلم “شيخ” القوارض على الإطلاق، لأنه يستطيع أن يعيش أضعاف ما تعيشه بقية أنواع الفصيلة الممتدة بين الجرذان والفئران وخنزير غينيا، وعكف العلماء الألمان على دراسة الأسباب الجينية والجزيئية التي تشكل سر طول عمر الفأر العاري لنقلها إلى الإنسان بهدف منحه طول العمر.

بحوث جديدة

أنجز علماء معهد لايبنتز لبحوث العمر، بالتعاون مع معهد فرتز- ليبمان، الدراسة حول الفأر العاري، ونشراها في مجلة “ب م س بيولوجي”. وتوصل فريقا البحث إلى أن عملية تقدم العمر في الإنسان وفأر الخلد العاري متماثلتان، ويتوقعون أن يتمكنوا من توظيف هذه المعلومة في طريقة جديدة لإطالة عمر الإنسان ومنحه الصحة المستدامة.

استند الباحثون في عملهم إلى نظرية التطور المعروفة باسم “الشيخوخة سوما القابلة للتخلص منها” (Disposable Soma Theory of Aging). تقول هذه النظرية إن لكل مخلوق مصادر طاقة محدودة خلال حياته. وهذه طاقة تكفي لأداء الوظائف الجسدية والتكاثر.

حينما يعيش المخلوق في خطر دائم، بسبب المخلوقات الأخرى التي تحاول افتراسه، فإن مصادر طاقته تتجمع في التكاثر. والعكس صحيح، بمعنى أن المخلوق الذي يتعرّض لمخاطر أقل يخصص المزيد من طاقته لأعماله الجسدية. والمخلوقات الأخيرة أطول عمرًا من غيرها، وتحافظ جيدًا على صحتها، وتطيل فترة التكاثر لديه.

يعيش فأر الخلد العاري (Heterocephalus glaber) في أنظمة من الأنفاق والكهوف التي يحفرها تحت الأرض، وتؤلف فئران الخلد العارية مستعمرات تحت الأرض، وتعيش في جماعات اجتماعية. وتمتلك المستعمرة ملكة هي المسؤولة الأولى عن التكاثر في المملكة مع ثلاثة ذكور، هذا، مع أن كل فئران المملكة قادرة بنفسها على التكاثر أيضًا، إلا أن وجود الملكة، وذكورها “المصطفين” يكبح جماح التطور الجنسي في باقي سكان المملكة.

علاقة طردية

فأر الخلد العاري قبيح المنظر، لكن جماله، من وجهة نظر العلماء، يكمن في طول حياته مقارنة بالقوارض الأخرى. ويعيش هذا الفأر المعمّر أكثر من 30 سنة، ويبقى حتى نهاية حياته متمتعًا بصحة جيدة وقادرًا على الإنجاب.

بهدف الكشف عن العوامل الوراثية والبيولوجية التي تمنح الفأر العاري هذه الحياة المديدة، عمل الباحث مارتن بنز، من معهد لايبنتز، وزملاؤه على انتقاء بعض الفئران (من الإناث والذكور) من ممالك عدة، وجعلوها تؤسس مستعمرة جديدة.

عملوا بعد ذلك على فحص هذه الفئران جينيًا، بين فترة وأخرى، ومقارنتها بالتركيبة الجينية لمجموعة الفئران المسماة خنازير غينيا. وذكر الدكتور بنز أن تركيبة فأر الخلد العاري الجينية كشفت عن عوامل جينية قوية تتعلق بطول العمر.

ثبت من المقارنة مع مجموعة خنازير غينيا عدم وجود فوارق جزيئية بيولوجية بين المجموعتين في النشاط الجنسي، لكن فئران الخلد العاري كشفت عن تغيرات جزيئية ونسيجية ظاهرة في مرحلة النضوج الجنسي. وهذا كشف العلاقة الطردية بين طول العمر والنشاط الجنسي في فئران الخلد العاري. وهذا يفسر سر عيش ملكة المستعمرة أكثر من 30 سنة، على الرغم من أنها تلد خلال حياتها أكثر من 40 فأرًا في السنة.

مخاطر الموت مستقرة

ثبت من خلال الدراسة الثانية، في معهد فرتز ليبمان، أن مخاطر الموت لدى المستعمرة الجديدة لم ترتفع مع تقدم عمر أفراد المستعمرة. وتوصل العلماء إلى ذلك من خلال فحص الفئران جزيئيًا وجينيًا. وبهدف معرفة سر ذلك درس العلماء حالة الكبد بين أفراد مستعمرة فأر الخلد العاري، وقارنوها بحالة كبد أفراد مجموعة خنازير غينيا.

كتب الدكتور أليساندرو أوري، من معد لايبنتز، أنهم عثروا على طرائق متفاوتة في كسب الطاقة بين المجموعتين، وفق ما ذكرت صحيفة “إيلاف”، ويستطيع فأر الخلد العاري الاستفادة من الأحماض الدهنية في جسده أفضل من خنزير غينيا. وعند فحص الكبد، أظهرت فئران الخلد العاري تغيرات في مستوى البروتينات في الكبد تكشف وجود عملية تقدم في عمر الفئران، إلا أنها بطيئة.

البروتينات نفسها

أضاف أوري أن المثير في التجربة أنهم توصلوا إلى أن مجموعة البروتينات التي تحدد طول عمر الخلد العاري في كبده هي مجموعة البروتينات نفسها المسؤولة في كبد الإنسان عن التخلص من السموم في الجسم. واستنتج العلماء من هذا وجود علاقة مباشرة بين تقدم العمر في فأر الخلد العاري والإنسان.

يأمل العلماء في الاستفادة من هذه المعلومات مستقبلًا في دراسات هدفها إطالة عمر الإنسان، كما في الفأر العاري، ومنحه صحة دائمة. وكتبوا في مجلة “ب م س بيولوجي” أنهم سيسعون في تجارب مقبلة إلى معرفة العلاقة بين التغيرات الجزيئية في أجساد فئران الخلد العاري وبين صحتها الدائمة.

الجدير ذكره أن فريقًا من علماء جامعة هانوفر الطبية (شمال ألمانيا)، بقيادة كارل لينهارد رودولف، نجح في عام 2011 في وقف آلية تقدم عمر الخلايا في الفئران المختبرية.

وكتب رودولف في النسخة الإلكترونية لمجلة “نيتشر جينيتيك” آنذاك أن إبطال عمل بروتين معيّن في جسم الفئران أطال عمرها بنسبة تتراوح بين 30 و40 في المئة عن متوقع الأعمار الطبيعي، ولم يتسبب بظهور أي أمراض سرطانية فيها.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها