الأطفال العائدون من ” داعش ” يثيرون قلق ألمانيا

من الناحية العسكرية يمكن القول بأن تنظيم “داعش” قد انهزم. وخلال الذروة كانت هذه الميليشيا الإرهابية تسيطر في العراق وسوريا على منطقة بحجم بريطانيا. وما يُسمى “بالخلافة” التابعة لأبو بكر البغدادي جلبت مقاتلين وداعمين من جميع أنحاء العالم. فمن ألمانيا وحدها رحل، حسب أرقام الاستخبارات الألمانية نحو 1000 إسلاموي إلى منطقة “داعش”. والطبيب النفساني أحمد منصور ينطلق من عدد مضاعف من الذين سافروا. ومن بين نحو 150 مسافرا ألمانيا نعلم أنهم لقوا حتفهم في المنطقة. وأكثر من 300 موجودين في الأثناء مجددا في ألمانيا. ويُتوقع أن يعود في مستقبل قريب أتباع ألمان إضافيين ـ من الحبس أو أنهم نجحوا في الهرب. وفيما يخص العدد الأكبر من العائدين لا تتوفر السلطات على معلومات حول ما إذا شاركوا فعليا في المعارك. وفتح المدعي العام تحقيقات بشأن عشرات العائدين.

وفي الولاية الأكبر من حيث عدد السكان، شمال الراين ويستفاليا، يوجد عدد كبير من السلفيين يُقدر بنحو 3000 شخص، بينهم 800 مستعدين لممارسة العنف. ومعلومات جهاز الاستخبارات في الولاية تفيد أن أكثر من 250 شخص من الولاية وحدها سافروا إلى منطقة “داعش”. والمثير للانتباه هو أن أكثر من ربعهم كانوا من النساء. والنساء يلعبن في المشهد السلفي دورا متناميا في ربط العلاقات والتبشير وتلقين الإيديولوجية الإسلاموية لدى الأطفال.

وفي حديث مع دويتشه فيله يشرح رئيس جهاز الاستخبارات في ولاية شمال الراين ويستفاليا، بوركهارد فراير لماذا هناك تهديدات بنمو جيل جديد من السلفيين.

السيد فراير كيف تقيم الخطر النابع عن العائدين؟

الخطر النابع من العائدين مرتفع. من ناحية لأن الكثير من العائدين متمرسون على القتال، وهم مشبعون بإيديولوجية قوية ولاسيما أنهم تعلموا إقامة شبكات تعارف خارج ألمانيا والاعتناء بها. وبعض العائدين مصدومون وآخرون تخلصوا من الوهم. لكن غالبية العائدين منغمسة إيديولوجيا في الوسط. وفي حالات عدم فتح تحقيق جنائي ويكون الاعتقال غير ممكن، فإن العائدين يرجعون إلى الوسط حيث يُنظر إليهم كنماذج وأبطال.

الكثير من العائدين معهم نساء وكذلك أطفال. كيف وجب على المجتمع أن يتعامل مع ذلك؟

عودة النساء والأطفال تحدى خاص. منذ بداية 2018 يعود الكثير من النساء مع أطفال ـ والرجال أقل لأنهم مازالوا معتقلين أو أنهم يختبؤون في المناطق المتبقية لـ”داعش”. والكثير من النساء العائدات لم يسأمن “داعش” أو إيديولوجيته، بل هن عانين من ظروف الاعتقال أو ظروف النظافة.

وحتى هؤلاء النساء مثل الرجال يرجعن في جزئهن الكبير إلى وسطهم السلفي السابق. وهنا نرى الخطر الذي يكمن في أن هؤلاء النساء يربين أطفالهن بإيديولوجية جد متطرفة. وهذا يذهب إلى حد تعليم الأطفال الحساب والقراءة بوسائل حربية. وأغاني الأطفال غير مرغوب فيها، ولا ترسل النساء الأطفال إلى روض الأطفال، هن يتقوقعن ويكوِن وسطا خاصا بهن. وهنا يكبر حسب وجهة نظرنا جيل قادم من السلفيين. وحتى النساء العائدات يظهرن كالرجال في الغالب كنماذج. ولذلك تملك سلطات الأمن اتصالات وثيقة مع دور الشباب وتشرح لهم ماذا تعني السلفية؟ ومن يعود؟ ويجب الاعتناء بوجه خاص بهؤلاء الأطفال وعائلاتهم.

ما هي المجموعات التي تشعر بأنها مستهدفة بالإيديولوجية السلفية؟

عندما ننظر إلى الوسط يظهر أشخاص قياديون لا يروجون فقط انطلاقا من قناعة دينية وبالتالي من قناعة متطرفة للسلفية، بل في الحقيقة لإسقاط أو تغيير كيان دولتنا. وهم يروجون لإلغاء القانون الأساسي ولصالح نظام مجتمع آخر أي لنظام اجتماعي سلفي.

وتحت هذا المستوى القيادي يوجد الكثير من الأشخاص الموجودين ليس بالضرورة لأسباب دينية في الوسط، هم يبحثون عن الاعتراف والدفئ الاجتماعي أو ببساطة للتوجيه. والسلفية إيديولوجية جافة تستقطب كثيرا. فهي لها صورة مبسطة عن العالم بقواعد واضحة وهدف واضح بحيث يصبح للمرء بسرعة توجه ودرب حياة. وهذا مغري لاسيما للشباب الذين يعتقدون أنهم خارج المجتمع. ونحن نرى أيضا لدى اللاجئين المنحدرين من ثقافة أخرى أنه قبل اندماجهم يكون من السهل إغراؤهم، لأنهم لا يرون السلفية كخطر كبير. وهنا يكون المجتمع مدعو لمساعدة اللاجئين والحيلولة دون انزلاقهم في السلفية، بل أن يفتح لهم بابا إلى الديمقراطية. وهذا مكلف ويتطلب كثيرا من الوقت. لكن ذلك مهم.

إذا أراد أحد الانصراف، ما هي صعوبة هذا المشوار؟

نحن نعرض على السلفيين برنامج مغادرة أو خروج من المشهد السلفي يتكون من ركيزتين كبيرتين. فهناك الجانب الإيديولوجيي: يجب أن نحاول إخراجهم من تلك الإيديولوجية. والجانب الثاني يجب علينا إعادتهم إلى وسط المجتمع. وهذا هو الجانب الاجتماعي الذي يشمل تقديم المشورة حول السكن والعمل والعائلة والوسط الاجتماعي. والشخص الذي ينصرف يجب تأهيله للعيش في الديمقراطية. وهذه العملية تطول ثلاث إلى خمس سنوات، وهي مكلفة وليست مرتبطة فقط بإخراج الشخص من ذلك الوسط، بل أيضا بحمايته. وأحيانا يكون من الضروري تغيير مكان السكن حتى يحصل الشخص على إمكانية العيش مجددا في الديمقراطية.

ماتياس فون هاين – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها