من سوريا و الصومال و أفغانستان .. دويتشه فيله : ” لاجئون قاصرون ” الهروب في اتجاه مستقبل خال من العنف
ينحدرون من أفغانستان وسوريا والصومال أو غينيا، إنهم يأتون بدون صحبة الأبوين تحت ظروف تكون في الغالب خطيرة. اللاجئون الصغار يكدٌون من أجل حياة جديدة، إلا أن ذلك يبقى صعبا في ظل الوحدانية مع أن هناك من يساعدهم.
“كنت في العاشرة من عمري عندما عانقت جدتي للمرة الأخيرة. كنت في العاشرة من عمري عندما سُرقت مني طفولتي”، روجين نامر تلقي قصيدة حول الطفولة المفقودة في قريتها السورية. الهدوء يسيطر على الجمهور في الحفل الثقافي الخاص باللاجئين القاصرين والذين يقوموا برعايتهم. عدد من الأطفال اللاجئين يشاركون في مشروع شعري حول تجارب هربهم.
اقترحت مراسلة مجلة شبيغل، سوزانه كولب المشروع في 2015 لتجاوز الغربة والتعبير عن المشاعر من خلال الشعر. ووسط الجمهور في مدينة فوبرتال يمكن للكثيرين فهم ما يتحدث عنه الأطفال من تجارب ذاتية أو من خلال الشباب الذين يساعدونهم.
“النظر إلى الأمام وليس إلى الخلف”
مشتاق عرب من الصومال يعجبها كيف أن الشباب يفصحون عن قصصهم الشخصية فوق المنصة. هربت الصومالية قبل ثلاث سنوات إلى أوروبا، وجاءت إلى الحفل الثقافي مع مونيكا كوبر، المعلمة التي تقدم يد المساعدة للشباب بصفة تطوعية بدعم من كنيسة فوبرتال وفي إطار مشروع “افعل هذا/ Do it”: ” الشباب ليسوا موجودين هنا بدون سبب” تقول كوبر وتضيف: “لم أكن أعرف ماذا يعنيه الهرب”، تعرفت كوبر على صعوبة هذا الطريق من التلاميذ الآخرين، ولذلك لا تتفهم “ماذا يحصل سياسيا” في ألمانيا، مثلا لا تتفهم عندما يشتكي الناس من اللاجئين، لاسيما وأن أحوال الناس في هذا البلد جيدة.
مشتاق عرب تشكرها بإسهاب على مساعدتها وتقول:” إنها دوما مستعدة لمساعدتي”. ومونيكا كوبر تمدح اجتهادها والنقاط الجيدة التي تحصل عليها، إنها تشعر بالارتباط معها:” أنا مُبرمجة على تحقيق النجاح وهي كذلك”. والشابة البالغة من العمر 17 عاما تريد مواصلة التعلم وتحسين مستواها في الألمانية وفي المدرسة. وهي ترغب في اجتياز البكالوريا والدراسة فيما بعد. إنها تريد أن تصبح مدرسة للرياضيات مثل مونيكا كوبر “والنظر إلى الأمام وليس إلى الخلف”.
الأطفال الصغار ماتوا جميعا”
“كانت مجموعة كبيرة من الأطفال على متن القارب الذي انقلب. كان لدي خوف رهيب”، هكذا يصف الشاب من مزار الشريف الهلع المميت في الطريق من تركيا إلى اليونان: “الجميع كانوا يصرخون، أنا أيضا”. شاهزامير هتاكي يقرأ قصيدته بالداري ثم تأتي الترجمة:” أم غرقت أمام أعيني، وولدها في ذراعها”. 65 شخصا كانوا في القارب وانتظروا ساعتين في الماء البارد لتلقي الإنقاذ:” ونجا منهم 20 شخصا. والأطفال الصغار ماتوا جميعا”. والشاب الأفغاني جاء إلى المستشفى، وكان عمره 15 عاما. وبعد 20 يوما تمكن من الاتصال هاتفيا بوالدته. وقال لها بأنه وصل بخير.
والمستمعون في فوبرتال يصغون في هدوء ثم يصفقون. شاهزامير هتاري لن ينسى التجربة الصادمة. “عندما يسأل الناس كيف حالنا، نقول أننا بخير”، يقول أثناء مقابلة خلف المنصة. وبقصائدهم أراد الشباب تبيان “أننا لسنا أشخاصا سيئين”. ينتاب شاهزامير خوف شديد مما سيحصل عندما يبلغ سن الرشد، لأن الأفغان يتعرضون في الغالب للترحيل. لقد شرع لتوه في تأهيل نفسه كأخصائي في المعلوماتية ويحضّر بموازاة ذلك لاجتياز البكالوريا. وقد تراجع عدد اللاجئين القاصرين بدون صحبة الأبوين بقوة منذ 2016.
وتفيد صحيفة “زوددويتشه تسايتونغ” أن الحكومة الألمانية لا تريد الالتزام بحكم صادر عن المحكمة العليا الأوروبية يقضي بأن يتمكن اللاجئون القاصرون من جلب عوائلهم عندما يبلغون سن الرشد حتى أثناء البت بطلبات اللجوء. والنقطة الحاسمة حسب الحكم هي متى تم تقديم الطلب وليس الوقت الذي تحتاجه الإدارة الحكومية المختصة لمعالجته. ويقضي القانون الألماني بأن يكون اللاجئ دون سن البلوغ حتى يتم لم شمله مع الأبوين.
” هنا يكمن الحظ وكذلك القساوة”
ياسر نيكسادة ترعرع كلاجئ أفغاني في إيران. وقصيدته موجهة لشقيقه الذي بقي في البلاد:” ثق بي هنا ليس الجنة. هنا يسكن الحظ وكذلك القساوة”. والقساوة تعرفها أيضا مونيكا كوبر من خلال صحبة مشتاق عرب، وتقول بأن المهاجرين لا يتعرضون للمعاملة الجيدة إذا لم يكن أحد بصحبتهم. وهي تتحدث عن بعض الأطباء “الذين كانوا وقحين تجاهنا. ولم أتخيل ذلك”.
قصيدة روبينا كريمي تدور أيضا حول القساوة غير العادلة. “ليس جريمة أن تكوني أفغانية”، تؤكد في قصيدتها. لقد هربت من كابول وتشتكي من احتقار الأفغان. “لماذا يتم معاقبتنا نحن الأفغان عندما يكون سلوك أحدنا سيئا؟” تتساءل. وتواجه انعدام ثقة كبير لدى السلطات التي تتهمها بالكذب. والتقارير من أفغانستان حول الاعتداءات اليومية بالقنابل تؤثر عليها:” الكثير من الناس يموتون، الكثير من الأطفال والكثير من النساء”. لا يمكن لها مواصلة الكلام وتذرف الدموع.
“عندما يكون للمرء هدف، فإنه يحققه”
روبينا كريمي وروجين نامر وياسر نيكسادة لم يكتبوا سابقا قصائد. وشاهزامير هتاكي ينحدر عكس ذلك من عائلة شعراء: والده كان شاعرا وجده أيضا. وهو نفسه بدأ بنظم الشعر في سن الحادية عشرة. والشباب الآخرون لم يكونوا متعودين على التعبير عن مشاعرهم. وهم الآن مسرورين بأن يصغي أشخاص إليهم. يقول ياسر نيكسادة:” إذا تفهم أحدهم مشاعري، فإنه يفهم أيضا كيف هو الوضع صعب بالنسبة إلى والدي ولي عندما غادرت إيران وتجاوزت تسعة بلدان في طريقي بدونهما”. إنها تجربة قاسية ويضيف:” الروح ظلت في إيران عند عائلتي، والجسم موجود هنا”.
“الوضع متعب في مدرسة ثانوية”، تقول روجين من سوريا، لكن هذا لا يمنعها من مواصلة الطريق مضيفة: ” عندما يكون للمرء هدف، فإنه سيحققه. كان هدفي تعلم الألمانية، وهذا ما حققته”. روبينا أنهت القسم العاشر في أفغانستان بنجاح. وفي برلين حصلت في الصيف على أحسن شهادة مدرسية رغم أنها جاءت هي الأخرى مصدومة إلى ألمانيا. واجتازت تدريبا مهنيا في معهد الرياضيات في الجامعة التقنية.
أندريا غروناو – دويتشه فيله[ads3]