فاينينشال تايمز : ألمانيا .. انتخاب كرينباور البداية الفعلية لعصر ما بعد ميركل
أكثر ما يبعث على التفاؤل في انتخابات يوم الجمعة الماضي لاختيار قائد جديد للحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم في ألمانيا هو أنها كانت تتسم بتنافسية عالية وحقيقية، ولم تكن تتويجا لفوز مخطط مسبقا. دلت هذه الانتخابات على وجود نشاط جديد في الحزب ورغبة في تغيير حقيقي، تغيير منظم.
مع ذلك، اختيار أنجريت كرامب- كارينباور لخلافة أنجيلا ميركل زعيمة للحزب الديمقراطي المسيحي يترك أسئلة مهمة بدون إجابة حول كيف ستتكيف ألمانيا مع نظامها السياسي الحزبي الذي يتفكك على نحو متزايد؟ العدد المتزايد من الحكومات الائتلافية الهشة، أو الحكومات المؤقتة في أنحاء أوروبا، واستمرار النزاعات على مستوى الاتحاد الأوروبي حول إصلاح منطقة اليورو، والهجرة، وقضايا أخرى، يزيد من أهمية ألا تعرقل السياسة الألمانية المحلية برلين من لعب دور كامل وبناء على المسرحين الأوروبي والعالمي.
معركة خلافة ميركل كانت أشد انتخابات الاتحاد الديمقراطي المسيحي تنافسا منذ عام 1971. فقد شهدت مناقشات سياسية حية بين ثلاثة مرشحين، يمثل كل منهم مزيجا مميزا من الفكر الليبرالي والمحافظ في المسائل الاقتصادية والاجتماعية.
ونظرا إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي سيطر على المستشارية الألمانية على مدى 29 سنة من السنوات الـ 36 الماضية، هناك احتمال كبير لأن تكون كارينباور الزعيمة التالية المنتخبة للبلاد. بالاشتراك مع الاتحاد الاجتماعي المسيحي، حزب بفاريا الشقيق، يحظى الحزب الديمقراطي المسيحي بدعم 30 في المائة من الناخبين، وفقا لاستطلاع للرأي أجرته شبكة “أي.أر.دي” ARD هذا الأسبوع.
وُصفت كارينباور بشكل عام بأنها مرشحة الاستمرارية، والخيار المفضل لميركل، والشخصية الأقل احتمالا لإحداث انفصال حاسم عن نمط السياسة الوسَطي للمستشارة. ميركل التي تقول إنها تنوي العمل مستشارة حتى عام 2021، الموعد المقرر لانتخابات البرلمان الألماني المقبلة، من المرجح ألا تجد نفسها تحت مراقبة لصيقة من كارينباور على النحو الذي من المتوقع أن يراقبها به فريدريك ميرتز، منافس كارينباور الرئيسي والسياسي المحافظ، لو أنه فاز في تصويت الجمعة.
سترغب كارينباور بالتأكيد في وضع طابعها الخاص على الحزب وسياساته. في انتخابات البرلمان الألماني في أيلول (سبتمبر) 2017، وصل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي إلى أسوأ نتائجه على مستوى ألمانيا منذ إنشاء الجمهورية الاتحادية في عام 1949. انخفاض التصويت لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي في اثنتين من انتخابات الولايات الأخيرة، في هيس وبافاريا، كان علامة على أنه لن يكون كافيا لكارينباور أن تلتزم بنمط غير متغير عن سياسات ميركل.
وعلى وجه الخصوص، صعود حزب البديل لألمانيا الشعبوي اليميني، الذي أشار استطلاع ARD إلى أنه يتساوى مع الديمقراطيين الاجتماعيين، من يسار الوسط، بنسبة 14 في المائة، يظهر أن أحد المسارات المتوقعة لكارينباور هو أن تشدد موقفها بشأن مسائل الهجرة، واللجوء، والهوية الوطنية. هذا كان موضوعا أساسيا لحملات ميرتز ويينس سبان، المرشح في المرتبة الثالثة. مثل هذا الموقف يمكن أيضا أن يساعد على التئام الجروح الداخلية للحزب التي تبينت خلال الحملة، لكن أصل تلك الجروح يرجع إلى قرار ميركل المثير للجدل بفتح حدود ألمانيا لمليون شخص تقريبا من اللاجئين والمهاجرين غير الأوروبيين في عام 2015.
على الرغم من أنه يبدو من المستبعد أن تدفع كارينباور حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي إلى اليمين بشكل كبير، بالدرجة المتوقعة من ميرتز، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، إلا أن أي تحول بسيط سيفتح المجال أمام الديمقراطيين الاجتماعيين لإعادة تعريف أنفسهم بأنهم يمثلون حزبا يأخذ جانب اليسار بشكل واضح، وأنه ليس مجرد شريك ائتلافي صغير شبه دائم لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي.
قد يساعد هذا على فتح نظام حزبي كان يتسم خلال فترة ميركل في المستشارية التي استمرت 13 عاما، بأنه نظام وسطي واسع جدا، يتكون من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الديمقراطيين الاجتماعيين، ومن حزبين صغيرين ضمن التيار السائد هما حزب الديمقراطيين الأحرار ذو الميول الليبرالية، وحزب الخضر، إضافة إلى حزبين في أقصى اليمين وأقصى اليسار، هما حزب البديل لألمانيا وحزب داي لينكي، اللذان تعتبرهما الأحزاب الأخرى غير مناسبين على الإطلاق لأن يكونا شريكا في أي ائتلاف.
تشرذم النظام الحزبي في عهد ميركل جعل عملية تشكيل حكومات ائتلافية قوية أمرا صعبا للغاية. وفي عهد كارينباور ستمتاز السياسة الألمانية في البداية بالتردد، لكن مع وجود الاستقرار. ألمانيا ليست في خطر التعرض لأعمال شغب عنيفة مناهضة للحكومة في عاصمتها، مثلما يحدث في فرنسا. ومن غير المحتمل بدرجة كبيرة انتخاب ائتلاف من مستقلين مناهضين للمؤسسة وشعبويين يمينيين مناهضين للهجرة، كما هو الحال في إيطاليا. ألمانيا هي مرساة الاتحاد الأوروبي، وهي ليست بلادا تود أن تفصل نفسها عن الاتحاد الأوروبي نحو وجهة مجهولة، مثل المملكة المتحدة.
سنرى ما إذا كانت ميركل، في الواقع، ستبقى في منصبها حتى عام 2021، أو ما إذا كانت ستفسح المجال لكارينباور قبل ذلك الموعد. بغض النظر عما سيحدث، بدأ عصر ما بعد ميركل بصورة جدية في يوم الجمعة.
توني باربر – فاينينشال تايمز – الاقتصادية[ads3]