فاينينشال تايمز : شركات ألمانيا الصغيرة و المتوسطة تفضل سعادة العاملين على الأرباح

لدى كلاوس فيشر منهج يسير عليه في العمل من شأنه أن يجعل أحد ناشطي حملة الأسهم يرتعد.

قال فيشر “68 عاما”، “المهمة التي توليتها من والدي هي تجهيز الشركة بشكل ناجح للمستقبل، وتأمين الوظائف الحالية وإنشاء وظائف جديدة”، مضيفا “لم أدخل هذا المجال من أجل المال بل من أجل المتعة”.

في واد بعيد جنوب غربي ألمانيا، على بعد ساعة بالسيارة من مدينة شتوتجارت، يوجد مقر شركة فيشر التي تنتج قوابس جدارية وقطع سيارات، بمبيعات سنوية تتجاوز 800 مليون يورو.

يضم مقرها العصري الذي تم بناؤه حديثا، واحدا من “أفضل 50 مطعما في ألمانيا”، وصالة رياضية فاخرة، وشبكة إنترنت تسمح للموظفين بتنزيل القصص لقراءتها لأطفالهم.

قال فيشر “إنه يهتم بالعقود “عشر سنوات” وليس الفصول “ثلاثة أشهر”. على مدى الـ 40 عاما الماضية، زاد عدد الموظفين ثلاثة أضعاف ووصل إلى خمسة آلاف موظف، في حين ارتفعت المبيعات عشرة أضعاف. وفي عام 2017 زادت المبيعات 9 في المائة، وتوسعت المجموعة بإضافة الطباعة ثلاثية الأبعاد والشاشة التي تعمل باللمس.

وأضاف فيشر الذي تقدر ثروته بـ 600 مليون يورو “لقد كنت مدفوعا دائما بالرغبة في النجاح بشكل مشترك مع الموظفين لدي، وليس بمفردي”.

الصورة العالمية للاقتصاد الألماني ربما تكون قد تشكلت من خلال سيارات بي إم دبليو وشاحنات دايملر وتوربينات سيمنز، لكن الشركات الصغيرة والمتوسطة، مثل شركة فيشر، هي التي تشكل “أساس الاقتصاد الألماني”، كما تقول المستشارة أنجيلا ميركل.

وشدد يورج زاونر، كبير الاقتصاديين في KfW المصرف المملوك للقطاع العام، على أن الشركات الصغيرة والمتوسطة “ليست كليشيه على الإطلاق”، فهي تمثل 70 في المائة من جميع الوظائف و90 في المائة من جميع وظائف التلمذة المهنية.

ومن بين الشركات الصغيرة والمتوسطة في ألمانيا، البالغ عددها 3.3 مليون شركة، تتمتع الرائدة منها بمراكز قيادية في أسواق محددة – تغليف النقانق “شركة بولي كليب في هاترسهايم”، أنظمة التحكم في درجة الضغط داخل المقصورة في طائرات الركاب “شركة نورد مايكرو في فرانكفورت”، نماذج تشريحية واقعية ثلاثية الأبعاد “شركة 3بي ساينتيفك في هامبورج”.

سابين هيرولد، المالك والرئيس التنفيذي لشركة ديلو إندستري كليبستوف، وهي شركة متخصصة في صناعة الغراء في منطقة ميونيخ الكبرى أبلغت العام الماضي عن قفزة بنسبة 67 في المائة صعدت بمبيعاتها إلى 159 مليون يورو بعد توسع ناجح في قطاع الإلكترونيات، قالت “إننا نستهدف بشكل متعمد منافذ المنتجات التي تكون معقدة للغاية بالنسبة إلى الشركات الصغيرة، لكنها صغيرة للغاية بالنسبة إلى منافسينا الكبار”.

المستشار التجاري هيرمان سايمون صاغ مصطلح “الأبطال الخفيين” لهذه الشركات. أحصى 2700 منها على مستوى العالم، نحو 50 في المائة منها في ألمانيا.

هذه الفئة من الشركات ليست محصنة ضد الأزمات الاقتصادية، لكن مراقبين مثل سايمون يرون أن الشركات المتوسطة في وضع جيد لمواجهة تحديات مثل “خروج بريطانيا” أو حرب تجارية. “عديد من منتجاتها لا غنى عنها. إذا كان للشركة حصة في السوق تبلغ 50 أو 70 في المائة، فلا يمكنك استبدالها”.

الميزانيات العمومية القوية تساعد. تقول إديث ويماير، عضو مجلس إدارة قسم في “كوميرز بانك”، أحد كبار مقرضي الشركات الصغيرة والمتوسطة في ألمانيا “تتعرض العائلات المالكة بشكل شخصي لمخاطر الشركة، لذلك تميل إلى التصرف بطريقة أكثر استدامة والتفكير على المدى الطويل”. ونتيجة لذلك، تميل الميزانيات العمومية للشركات المتوسطة إلى أن تكون صلبة. في المتوسط، تبلغ الأسهم 39 في المائة من الأصول.

عانت مجموعة ترومف، وهي شركة مملوكة لعائلة تعمل في المعدات الآلية وتكنولوجيا الليزر في ديتزينجين، شمال شتوتجارت، تداعيات الأزمة المالية عام 2008 من دون تسريح العاملين. قال لارس جرونرت، المدير المالي للشركة “هذا هو طموح العائلة المالكة للتعامل مع أي أزمة مستقبلية”.

مع وجود مصانع في ثلاث قارات وأربعة أخماس عوائدها السنوية البالغة 3.6 مليار يورو يتم توليدها خارج ألمانيا، تبقى مجموعة ترومف عرضة لصدمات الاقتصاد العالمي.

قبل عام بدأت الشركة في التخطيط للأوقات العصيبة، بإطلاق مشروع يسمى “كوير” – مصطلح ألماني قديم لبناة السدود.

قال جرونيرت “في بعض المناطق التجارية، لا يزال الطلب قويا لدرجة أننا نكافح من أجل تلبيته”. لكنه أضاف أن “الطلبات الصينية للمعدات الآلية تتراجع حاليا وأن وحدة الأعمال متأخرة عن تحقيق أهدافها”.

غالبا ما تأتي نقاط الضعف الداخلية من تخطيط الخلافة والنزاعات العائلية. في مجموعة التكنولوجيا “كنور بريمس” في ميونيخ، وهي شركة عالمية رائدة في مجال تكنولوجيا المكابح للشاحنات والقطارات، اختلف هاينز هيرمان ثيلي “77 عاما”، مع ابنه هنريك في عام 2015. وعوضا عن أخذ دور الإدارة العليا، ترك الابن الشركة فجأة.

بعضهم يشعر بالقلق أيضا من أن قوة الشركات المتوسطة في الهندسة تخفي نقاط ضعف في التكنولوجيا الرقمية.

على الرغم من ذلك هناك أمثلة مضادة. شركة برينلاب، التي تصمم برامج لجراحي الأعصاب visualisation software حفرت رمز المصدر لبرامجها الأولى على الواجهة الزجاجية الواسعة لمقرها الجديد الفاخر في ميونيخ.

واليوم يحقق موظفوها البالغ عددهم 1350 مبيعات سنوية تولد 280 مليون يورو. وتعتبر الشركة 5100 مستشفى في 100 دولة عملاء لها. ويتذكر راينر بيركنباخ، رئيس قسم التكنولوجيا في شركة برينلاب، الذي انضم إليها واحدا من أوائل الموظفين “عندما بدأنا لم يكن مصطلح التكنولوجيا الرقمية موجودا بعد”.

وتتمركز الغالبية العظمى من الباحثين لدى شركة برينلاب في ميونيخ، التي قال بيركنباخ “إنها لا توجد عوائق تنافسية لشركات وادي السيليكون. لقد نظرنا إلى أجزاء خارجية من أنشطة البحث والتطوير وأنشطة البرمجة لدينا عدة مرات. نتوصل دائما إلى نفس النتيجة: من المنطقي أن نبقيها هنا في ألمانيا”.

وبفضل النجاحات التي حققتها، جذبت الشركات المتوسطة موجة من الاهتمام من المشترين الأجانب. وفي عام 2017 كان المشترون الأجانب مسؤولين عن نحو 50 في المائة من جميع صفقات الاندماج والاستحواذ التي تتضمن هدفا ألمانيا من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تقل مبيعاتها 500 مليون يورو، مقارنة بـ 42 في المائة قبل عقد، وفقا لدراسة جديدة أجراها المقرض الألماني المملوك للدولة KfW.

في السنوات الأخيرة زادت شهية المشترين من الصين، على وجه الخصوص، إذ استحوذت الشركات الصينية على 4.2 في المائة من جميع صفقات الاندماج والاستحواذ للشركات المتوسطة في عام 2017، مقارنة بـ 0.3 في المائة فقط قبل عشر سنوات، وفقا لدراسة منفصلة لمصرف KfW.

في أعلى قائمة التسوق للمشترين الصينيين توجد شركات التصنيع والهندسة، لكن شركات التكنولوجيا الحيوية تجذب مزيدا من الاهتمام.

العدد الإجمالي لصفقات الاندماج والاستحواذ التي تشمل الشركات الألمانية الصغيرة والمتوسطة بقي مستقرا إلى حد كبير في السنوات الأخيرة، مع تغيير ملكية نحو 1100 شركة سنويا. معظم المشترين استراتيجيون، يعملون في القطاع نفسه، ويمثل المستثمرون الماليون واحدا فقط من كل خمسة مقدمي طلبات.

قال يورج زيونر، كبير الاقتصاديين في مصرف KfW “مع تقاعد 500 ألف من أصحاب المشاريع بحلول عام 2022، قد تصبح صفقات الاندماج والاستحواذ في ازدياد”.

أولاف يتوربيك من فالداشتال ـ ألمانيا / فاينينشال تايمز – الاقتصادية[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها