هل شرب العصائر أكثر فائدة للصحة أم تناول الفاكهة ؟

لقد أصبح عصير الفواكه الطازجة أساسيا بالنسبة للكثيرين مع تسارع وتيرة الحياة وازدياد أعداد المهتمين بالصحة ممن يقبلون على بدائل سريعة ومغذية، كما شاع الحديث عن فوائد العصائر في فقدان الوزن والتخلص من السموم في الجسم.

وكان من أثر ذلك أن ازداد سوق عصائر الفاكهة والخضر ربحا على مستوى العالم، وقدرت أرباح هذا السوق في عام 2016 بنحو 154 مليار دولار، مع توقعات بمزيد من النمو.

ولكن هل العصائر مفيدة حقا للصحة كما يظن كثيرون؟

أغلب الأغذية المحتوية على الفركتوز – وهو نوع من السكر ينتج طبيعيا في الفواكه وعصيرها – غالبا لا تضر الجسم طالما لم يزد تناولها عن حاجة الجسم من السعرات المطلوبة يوميا، والسبب في ذلك الألياف التي تحتويها ثمار الفاكهة والتي تحتوي على السكر داخل خلاياها، ويستغرق الجسم وقتا لهضمها ووصول الفركتوز إلى الدم.

ولكن الأمر ليس كذلك حال عصر الفواكه.

تقول إيما إلفين، المستشارة الإكلينيكية بهيئة “ديابيتيس يو كيه” الخيرية البريطانية لمكافحة السكري إن العصائر تخلو من القدر الأكبر من الألياف وبالتالي خلافا لثمر الفاكهة يكون الفركتوز في العصائر على هيئة “سكريات حرة” – كما في العسل والسكر المضاف للأغذية.

وتوصي منظمة الصحة العالمية بعدم تناول الشخص البالغ أكثر من 30 غراما من السكر المضاف أي ما يعادل 150 مللي من عصير الفاكهة يوميا.

وحين تُنزع الألياف يمتص الجسم فركتوز العصير بوتيرة أسرع، ما يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ للسكر في الدم وبالتالي يحمل البنكرياس على إفراز الإنسولين لخفض السكر لحد أكثر استقرارا، ومع الوقت قد لا تجدي تلك الآلية، مما يزيد من خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني.

وفي عام 2013، درس باحثون البيانات الصحية لمئة ألف شخص تم جمعها ما بين عامي 1986 و2009، ووجدوا ارتباطا بين تناول عصير الفاكهة وخطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني، وخلصوا إلى أن عصير الفاكهة يؤدي لتذبذب أسرع وأكبر لمستويات الغلوكوز والإنسولين؛ لأن المعدة تمرر السوائل إلى الأمعاء أسرع مما تمرر الطعام الصلب، حتى وإن تشابه المحتوى الغذائي للسائل مع ثمرة الفاكهة.

وتوصلت دراسة أخرى إلى وجود صلة بين تناول عصير الفاكهة والإصابة بالسكري من النوع الثاني بعد رصد العادات الغذائية لأكثر من 70 ألفا من العاملين بالتمريض ومتابعة حالات الإصابة بالسكري بينهم على مدار 18 عاما، وفق ما اوردت “هيئة الإذاعة البريطانية”، ورجح الباحثون أن السبب في ذلك يعود جزئيا للافتقار لمكونات أخرى يحويها ثمر الفاكهة كالألياف.

ورغم أن عصائر الخضر قد تحوي عناصر غذائية أكثر، وتكون أقل في السكر من عصائر الفاكهة، إلا أنها تفتقر هي الأخرى للألياف، وقد أثبتت دراسات أيضا الصلة بين تناول الألياف بكثرة وتدني الإصابة بأمراض الشريان التاجي والجلطة وضغط الدم المرتفع والسكري، فيما يُنصح بتناول الشخص البالغ 30 غراما من الألياف يوميا.

سعرات إضافية

وبخلاف الإصابة بالسكري من النوع الثاني، أجمعت دراسات عدة على خطورة عصير الفاكهة حال زيادة السعرات عما يحتاج الجسم منها.

فبتحليل 155 دراسة عكف جون سيفنبايبر الأستاذ المشارك بقسم علوم التغذية بجامعة تورنتو على معرفة العلاقة بين المشروبات الغازية المحتوية على السكر والصحة (ومن ذلك الإصابة بالسكري وأمراض القلب والأوعية)، من ناحية، وتأثير الأطعمة والمشروبات التي نعتبرها صحية، من ناحية أخرى.

وقارن الباحث دراسات عن أثر السكريات المحتوية على الفركتوز (ومنها السكروز وشراب الذرة عالي الفركتوز والعسل وأنواع من الشراب المركز) بأنماط غذائية تخلو من السكريات أو تقل فيها بهدف تحديد أثر زيادة السعرات بمعزل عن أثر الأطعمة المحتوية على السكريات.

ورصد الباحث أثرا سلبيا للسعرات الزائدة للسكريات ومنها عصير الفاكهة على مستويات السكر والإنسولين في الدم في عينات أخذت من أشخاص صائمين. ولكنه وجد فائدة لتناول ثمر الفاكهة – بل وحتى عصيرها – حين لم تزد السعرات عن المطلوب.

وخلص سيفنبايبر إلى تأكيد الحد الموصى به من عصير الفاكهة وقدره 150 ملل يوميا، أي ما يعادل كوبا متوسطا.

كذلك خلصت الورقة البحثية إلى فائدة محدودة للأغذية المحتوية على الفركتوز في التحكم على المدى الطويل في مستوى السكر في الدم حين لا يتم الإفراط في السعرات؛ فالإفراط قد يؤدي إلى ارتفاع السكر والإنسولين في الدم مما قد يرجع بحسب الدراسة لتدني مؤشر السكر في الدم بشكل نسبي في الفركتوز، بينما الأطعمة مرتفعة المؤشر قد تؤدي لتعود الجسم على الإنسولين.

ويقول سيفنبايبر: “من الأفضل تناول ثمر الفاكهة عن عصيرها، ولكن إن كان لابد من تناول العصير كمكمل للفاكهة والخضر فلا بأس شريطة ألا يكون العصير بديلا عن الماء وألا يفرط المرء في تناوله”.

والخلاصة، فإن عصير الفاكهة قد يتسبب في الإصابة بالسكري إذ زادت السعرات عما يحتاجه الجسم، بينما من غير المعروف كيف يؤثر العصير على الصحة على المدى البعيد لدى المتمتعين بوزن مثالي.

وتقول هيذر فِريس الأستاذة المساعدة بكلية الطب بجامعة فيرجينيا: “مازال هناك الكثير مما لا نعرفه عن أثر الإكثار من السكر في الطعام مع عدم زيادة الوزن، فمدى مواصلة البنكرياس تحمل السكر إنما يعود جزئيا لعوامل وراثية”.

ولكن الأبحاث ترجح أن تناول العصير يزيد السعرات اليومية عن الحد المطلوب عموما (حوالي 2000 سعر للمرأة و2500 للرجل)، فقد أظهرت دراسات عدة أننا لا نستعيض بالعصير عن مأكولات أخرى خلال اليوم.

وتضيف إلفين قائلة: “ما أيسر الإفراط في تناول عصير الفاكهة وبالتالي الحصول على سعرات أكثر، وبزيادة السعرات قد يزيد الوزن”.

كيف تجعل العصير مفيدا؟

غير أن دراسة نشرت العام الماضي ربما وجدت سبيلا لجعل العصير أكثر فائدة، فقد استعان باحثوها بخلاط يستخلص من الفاكهة العصير والبذور والقشور أيضا. وقاست الدراسة أثر كوكتيل الفواكه والمانجو المقشرة – ومؤشر كليهما لنسبة السكر في الدم مرتفع – بعصرهما في الخلاط الجديد المستخلص للمغذيات الإضافية، وقارنت من تناول ذلك العصير بمن أكلوا ثمار الفاكهة.

ووجدت الدراسة أن الذين شربوا كوكتيل الفاكهة بالمغذيات الإضافية كانت زيادة السكر في الدم لديهم أقل ممن تناولوا ثمار الفاكهة الكاملة، ولم تجد فرقا بين من تناولوا عصير المانجو وثمرة المانجو.

غير أن تلك الدراسة كانت محدودة ولم يقارن باحثوها نتائجهم بعصائر صنعت بطرق مختلفة كعصر الفاكهة دون البذر والقشر.

وترجح غايل ريس، المحاضرة بالتغذية البشرية بجامعة بليموث والباحثة بالدراسة، أن يكون السبب احتواء العصير على البذر، وتقر بصعوبة الخروج بنصائح واضحة جراء تلك الدراسة مكتفية بالتأكيد على حدود الـ 150 ملل من عصير الفاكهة يوميا مع التوصية باستخدام خلاط يستخلص كامل الفاكهة ما أمكن.

وتقول فريس: “إضافة بعض الألياف إلى العصير تبطئ امتصاصه ولكن السعرات قد تزيد على أي حال. ومع ذلك إضافة الألياف أفضل من عصير فاكهة دون ألياف”.

كذلك يقول روجر كليمنز، أستاذ العلوم الدوائية بجامعة جنوب كاليفورنيا، إن انتقاء الفاكهة الناضجة للعصر أفضل للصحة لاحتواء العصير على العناصر المفيدة.

كذلك يلزم معرفة مكمن الفائدة في الفاكهة قبل عصرها، ويدلل كليمنز على ذلك بأن فائدة مغذيات العنب أكثر في بذره، وأغلب مركبات الفينول والفلافونويد المفيدة في البرتقال توجد في القشرة.

كذلك راج مؤخرا أن عصير الفاكهة مفيد لتخلص الجسم من السموم، ولكن التعبير العلمي الدقيق لتخليص الجسم من السموم يقتصر على سحب المواد الضارة منه كالمخدرات والكحول والسميات.

ويقول كليمنز إن فكرة استبدال الطعام بالعصائر لتطهير الجسم “أسطورة”، ويضيف: “نحن نتناول يوميا مركبات قد تكون سمية ولدى الجسم قدرة هائلة على التخلص من السموم وطرد المواد الضاره خارجه”.

كما لا يمكن الاكتفاء بالعصير عن باقي الطعام باعتباره غني بالمغذيات المطلوبة.

تقول فريس: “هناك الكثير من المغذيات في أجزاء من الفاكهة كقشر التفاح نفقدها في العصير حتى لا يبقى سوى ماء محلى بالسكر وبعض الفيتامينات”.

وتضيف أن العصير ليس السبيل الأفضل لبلوغ الحد الموصى به بتناول خمس ثمرات يوميا، وتتابع: “الناس يحرصون على تناول خمس وحدات من الفاكهة والخضر يوميا ويظنون أن المقصود بذلك الفيتامينات فقط، بينما المقصود أيضا الإقلال مما نتناوله من الكربوهيدرات من الحبوب ومن البروتين والدهون عموما وزيادة الألياف”.

ومن ثم فبينما يعد تناول عصير الفاكهة أفضل من عدم تناول الفاكهة على الإطلاق، ينبغي أن يظل ذلك في حدود، والأمر ينطوي على مخاطر عند تناول أكثر من 150 ملل من السكريات الحرة يوميا، أو بتجاوز عدد السعرات المطلوب إجمالا.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها