غياب الاتفاق حول بريكست … هل ينشر الفوضى في ألمانيا ؟
ذكرت الباحثة البارزة في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجيّة” ألموت مولر أنّ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي كان غائباً عن النقاش العام في ألمانيا. فالمزاج العام في البلاد كان يشبه الموقف التالي: “البريطانيون لم يلتزموا على الإطلاق بالاندماج الأوروبي بشكل فعليّ وقرّروا الرحيل. نأسف لذلك لكن تعاملنا مع الطلاق الفوضوي. فلنمضِ قدماً من دونهم”. نتيجة لذلك، إنّ الدراما السياسية في لندن تحطّ اليوم عند الجمهور الألماني غير المستعدّ للكيفيّة التي قد تؤثّر بها هذه الدراما عليهم. ويمكن أن تصبح الفوضى مشكلة كبيرة للحكومة الفيديرالية خصوصاً في حال حدوث “بريكست” من دون اتّفاق.
تضيف مولر أنّ ذلك لا يعني عدم اتّخاذ برلين مسألة “بريكست” بجدّيّة في السابق بل العكس تماماً. منذ دعا رئيس الوزراء السابق دايفد كاميرون إلى الاستفتاء أوائل سنة 2016، تعاملت الحكومة الألمانيّة عن كثب مع الحدث. وعندما صدرت النتيجة، رأت ألمانيا أنّ هذا الأمر ارتبط بما هو أكثر من مصير المملكة المتّحدة في أوروبا ولذلك حافظت على تركيز أكبر على تلاحم الدول السبع والعشرين الباقية في مهمّة غير سهلة بسبب الخلافات المتزايدة مؤخراً. لذلك، إنّ الائتلافين الحكوميّين المتعاقبين اللذين ترأستهما المستشارة أنجيلا ميركل دعما الدور القيادي للاتّحاد الأوروبي في المفاوضات مع لندن.
الكرة في ملعبهم.. حظّاً موفقاً
استمرّ السياسيون الألمان باتّباع السياسة نفسها متحمّلين صعوبات التأكيد على صورة وحدويّة للاتّحاد الأوروبي. ووجّهوا رسائل إلى البريطانيّين والألمان مفادها أنّ الكرة الآن في ملعب البرلمان البريطاني. وجهة النظر الرسميّة في ألمانيا هي الاعتراف بأنّ مجلس العموم أعرب عن معارضة كبيرة لاتّفاق “بريكست” لكن لا يزال هنالك مجال لتأمين حلّ بنّاء. ومهما يكن ما سيحصل لاحقاً، فسيكون من مسؤوليّة المملكة المتّحدة بحسب رأي الحكومة الألمانيّة. كذلك، حمّل السياسيّ الألمانيّ ومرشّح حزب الشعب الأوروبي للانتخابات الأوروبية في أيار المقبل مانفرد فيبر بريطانيا مسؤوليّة ما يجري حاليّاً.
يمكن للمراقبين فهم كيف تريد ألمانيا وشركاؤها في الاتّحاد محاسبة الطبقة السياسيّة البريطانيّة على نتائج قراراتها، لكن في الوقت نفسه لا يوضح هذا الأمر الحجم المحتمل لهذه المشكلة بالنسبة إلى الألمان. إنّ الاتّهامات غير مفيدة في الفوضى الحاليّة خصوصاً مع المخاطر الكبيرة التي ستتولد عن خروج قاسٍ لبريطانيا من الاتّحاد الأوروبّي بعد حوالي عشرة أسابيع. هنالك العديد من الأسباب التي تدعو للافتخار بمرونة الاتّحاد. إنّ إبراز الأخير صورة وحدوية بين 27 دولة بعد كل سنوات الانقسام حول الهجرة وحتى حول القيم المشتركة يبعث على الارتياح. وأشادت مولر أيضاً بخبرة الاتّحاد في حلّ المشاكل المستعصية وبنجاحه في التوصل إلى اتّفاق مع تيريزا ماي وبإظهار قيمة الانتماء إليه. وتضيف أنّ هذا وقت مغرٍ للقول: “حظاً موفقاً الآن، لندن، ويمكنك تدبّر أمر الباقي”. لكنّ مقاربة كهذه ستكون عبارة عن قُنوع.
الفوضى كابوس للجميع
سيكون على ألمانيا وشركاؤها التعامل مع تحدّيات الأسابيع المقبلة تماماً مثل #بريطانيا، خصوصاً إن لم يتمّ التوصّل إلى اتّفاق حول “بريكست”. وعلى الحكومة الألمانية تقاسم مخاوفها حول بريكست صعب مع الشعب الألمانيّ لجعل البلاد مستعدّة له. لم تنشر الحكومة في برلين خطة الطوارئ لبريكست إلّا مؤخراً مشدّدة على ضرورة مراقبة الأفراد والشركات التطوّرات السياسيّة عن كثب والاستعداد لاحتمال حدوث “بريكست” صعب. إنّ نتيجة فوضوية ستكون كابوساً للاتحاد الأوروبي والمملكة المتّحدة وستكون تهديداً واضحاً للوحدة بين الدول السبع والعشرين الأخرى.
في سيناريو كهذا، ستُجبَر الدول الأعضاء على تطبيق ترتيبات ولو موقّتة لتفادي أسوأ التداعيات. سوف يكون هنالك إغراء خصوصاً بين الدول ذات الاقتصادات الأكثر تأثّراً بالفوضى المحتملة، كي تتعامل مع المملكة المتّحدة بشروط مؤاتية لها. تتّخذ الحكومة الألمانيّة خطوات لدرء المقاربة الأنوية وتشدّد على أنّه “ليس في مصلحة الحكومة الألمانيّة قيادة مفاوضات مع المملكة المتّحدة في مجالات تنظيمية فردية يمكن أن تؤدّي إلى ‘بريكست انتقائيّ‘”.
آخر ما تريده ألمانيا
يبدو هذا الأمر مبدأ مشرّفاً وبالطبع، إنّ ما تقوم به ألمانيا يهمّ سائر دول الاتّحاد. وتأمل مولر أن تكون أفكار برلين على رأس الإجراءات التي قد تبرز الحاجة إليها في حال حدوث “بريكست” من دون اتّفاق، وأن تكون على استعداد للتخفيف من شعور الألمان بالفوضى لو حدث ذلك. حالياً، يعتقد الجمهور الألمانيّ أنّ حكومته اتّبعت مساراً منسّقاً وفقاً للمادّة 50 وأنّ الأمور ستنتهي على خير في نهاية المطاف. لكن في حال حدوث “بريكست” صعب، إنّ الشعور بالفوضى يمكن أن يولّد مزاج “خسارة التحكّم” بالأحداث بين المواطنين الألمان وبشكل واسع وهو آخر ما تريده الحكومة الفيديراليّة حاليّاً والتي لا تزال تتمثال إلى الشفاء من تداعيات أزمة اللاجئين. إنّ سنة 2019 ستكون سنة انتخابات مهمّة في المانيا، والانتخابات في ثلاث ولايات ألمانيّة شرقيّة ستكون بالنسبة إلى أحزاب الوسط أهمّ من الانتخابات الأوروبّيّة في أيّار.
انطباعات الزيارة الأخيرة
تكتب مولر عن زيارات أجرتها إلى لندن سنة 2016 حين تفاجأت لدى سماعها مسؤولين بريطانيّين يقترحون رغبتهم بمغادرة الاتّحاد الأوروبّي. لقد أوضحوا أن لا اهتمام لديهم بأي إجراء يطلبه الاتّحاد منهم كي يلتزموا به. وحين عادت مولر إلى برلين سُئلت: “لكن ماذا عن إجراء المادّة 50؟ … يمكن البريطانيّين المغادرة فقط عبر هذا المسار”. قالت مولر آنذاك إنّ الأصوات المؤثّرة في المملكة المتّحدة ببساطة لم تأبه بقواعد اللعبة التي وضعها الاتّحاد.
لهذا السبب بالتحديد يريدون المغادرة. يمكن برلين أن تثق بأنّ لندن ستغادر بطريقة منظّمة، لكنّ الأيّام الصاخبة الأخيرة في لندن تظهر أنّ الأصوات الداعية للتعامل بطريقة غير عقلانيّة بحسب وجهة النظر الألمانيّة مع بريكست ستسود في نهاية المطاف. (النهار اللبناني)[ads3]