ألمانيا : كيف تكهن موحد البلاد بحرب عالمية تؤدي لخرابها ؟ !
يصنّف المستشار الألماني أوتو فون بسمارك (Otto von Bismarck) كشخصية مركزية في تاريخ ألمانيا، حيث لعب الأخير الدور الأهم في تحقيق الوحدة الألمانية سنة 1871. ومنذ تعيينه بمنصب رئيس وزراء بروسيا من قبل الإمبراطور البروسي فيلهلم الأول (William I) اتجه بسمارك لتقوية الجيش لتخوض بذلك بروسيا خلال السنوات التالية حروبا ضد كل من الدنمارك والنمسا وفرنسا أسفرت في النهاية عن ظهور قوة أوروبية جديدة عرفت بالإمبراطورية الألمانية.
وعقب تحقيق الوحدة الألمانية سنة 1871، انتهج أوتو فون بسمارك، الذي عرف بالمستشار الحديدي، سياسة جديدة، عرفت بـ Realpolitik سعى من خلالها للحفاظ على موازين القوى وخدمة مصالح ومكانة الإمبراطورية الألمانية بالقارة الأوروبية.
وانطلاقا من ذلك، ساند بسمارك النمو السريع للاقتصاد الألماني ورضخ على الرغم من رفضه للسياسة التوسعية، لمطالب المسؤولين وروّاد الصناعة الوطنية الذين طالبوه بالحصول على المستعمرات، وفي المقابل كان للمستشار الحديدي الدور الأبرز في الحفاظ على السلام بالقارة الأوروبية لنحو 20 عاما، حيث لعبت ألمانيا دور الوسيط لفض معظم النزاعات بين القوى الأوروبية، خاصة تلك المتعلّقة بالمستعمرات، كما عمل جاهدا للحفاظ على علاقات سلمية وطيبة مع كل من بريطانيا وروسيا وحذّر من تدخل ألمانيا في نزاعات دول البلقان، مؤكدا أن ذلك سيجّر أوروبا نحو حرب شاملة.
سنة 1888، فارق القيصر الألماني فيلهلم الثاني الحياة عن عمر يناهز 90 عاماً، ليتولى ابنه فريدريك الثالث (Frederick III) الحكم لمدة قصيرة قدّرت بنحو 99 يوماً، فقط حيث توفي الأخير بسبب إصابته بسرطان الحنجرة. وعلى إثر ذلك، حصل فيلهلم الثاني (Wilhelm II) ابن فريدريك الثالث، على عرش ألمانيا ليصبح بذلك ثالث إمبراطورا في تاريخ الإمبراطورية الألمانية.
وفي الأثناء، كانت رؤية القيصر الجديد فيلهلم الثاني مخالفة تماما لرؤية أوتو فون بسمارك لتشهد العلاقة بين الرجلين تدهورا سريعا عجّل برحيل المستشار الحديدي. فبينما فضّل بسمارك مواصلة سياسته السابقة، حبّذ فيلهلم الثاني اعتماد ألمانيا لسياسة توسعية للحصول على مزيد من المستعمرات، وإضافة لذلك أيّد القيصر الجديد سياسة التحدي والمواجهة المباشرة مع بقية القوى الأوروبية لتفقد بذلك ألمانيا مكانتها التي كسبتها خلال العقود الفارطة كدولة محافظة على السلام.
تزامناً مع ذلك، رفض فيلهلم الثاني أن يشاركه شخص آخر في اتخاذ القرارات فما كان منه إلا أن قزّم دور المستشار أوتو فون بسمارك ليجبره على التنحي من منصبه خلال شهر آذار/مارس سنة 1890 ويعيّن بدلاً منه ليو فون كابريفي (Leo von Caprivi).
خلال السنوات التالية، اتجه فيلهلم الثاني للحصول على مستعمرات جديدة بكل من إفريقيا والصين، فضلا عن ذلك عمد الأخير لإنشاء قوة بحرية ضاربة عن طريق صناعة المزيد من السفن الحربية، وبسبب ذلك شهدت المنطقة سباق تسلح بحريا بين كل من بريطانيا وألمانيا أجّج العداء بين الطرفين، فخلال العقود السابقة اتجه بسمارك للحد من التسلح البحري الألماني ليرضي البريطانيين ويحافظ على علاقات طيبة معهم، وهي السياسة التي فضّل فيلهلم الثاني التخلي عنها. وتزامنا مع ذلك، انهارت العلاقات الروسية الألمانية مع رحيل بسمارك. فأثناء فترة اعتماده كمستشار، تمكن بسمارك من إبرام اتفاقية تفاهم سرية مع الروس سنة 1887 لتجنب اندلاع حرب بين الطرفين.
ومع عدم تجديد هذه الاتفاقية سنة 1890 عقب رحيل المستشار الحديدي، اتجهت روسيا للتقرب من فرنسا قبل أن توقع معها اتفاقية أمنية وتكون تحالف الوفاق الثلاثي رفقة كل من بريطانيا وفرنسا سنة 1907.
خلال السنوات التي تلت تنحيه من منصبه، أكّد أوتو فون بسمارك أن سياسة القيصر فيلهلم الثاني ستهدد مستقبل الإمبراطورية الألمانية وستقود أوروبا نحو حرب شاملة بعد 20 عاماً.
سنة 1897، زار القيصر الألماني فيلهلم الثاني المستشار السابق بسمارك الذي كان يعاني من تدهور حالته الصحية بسبب المرض. وخلال هذا اللقاء، حذّر بسمارك القيصر من مغبّة مواصلة سياسته العدائية لبقية الدول ليؤكد ثانية لفيلهلم الثاني توقعه باندلاع حرب وخراب الإمبراطورية الألمانية في غضون 20 عاماً.
خلال الأشهر التالية، توقّع بسمارك أن تندلع الحرب على الساحة الأوروبية يوما ما، فضلا عن ذلك تكهّن الأخير أن سبب الحرب سيأتي من البلقان.
يوم الثلاثين من شهر تموز/يوليو سنة 1898 فارق بسمارك الحياة عن عمر يناهز 83 عاماً. وفي الأثناء، تحققت جميع توقعاته لتشهد أوروبا اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914 وهزيمة ألمانيا بعد نحو 4 سنوات وزوال الإمبراطورية. (alarabiya)[ads3]