مثليو الدول المغاربية وحق اللجوء .. جدل مستمر في ألمانيا
يفتح واقع المثليين في الدول المغاربية جدلاً مستمراً في ألمانيا، الراغبة في تصنيف المغرب والجزائر وتونس ضمن قائمة الدول الآمنة حتى تضيّق مساحة طلب لجوء مواطني هذه الدول على أراضيها، وتسهل بالتالي عمليات ترحيل من رفضت طلباتهم.
وفي ظل استمرار مناقشة مجلس الولايات لمشروع القانون المتعلّق بهذا التصنيف، يرفع معارضو المشروع ورقة حقوق الأقليات الجنسية، وخاصة المثليين، لأجل الاستمرار في اعتراض المشروع ومنعه من دخول حيز التنفيذ، كما فعلوا عام 2017.
ورغم إدراجها من جلّ المنظمات الحقوقية الدولية على رأس دول المنطقة العربية في وضع حقوق الإنسان، إلّا أن تونس ما تزال تشهد استمرار القانون المجرّم للمثلية الجنسية والمعاقب عليها بثلاث سنوات سجناً، ما يؤدي إلى استمرار اعتقال المثليين، آخرهم شاب حُكم عليه قبل أيام بستة أشهر، بعد توجهه إلى الشرطة للإبلاغ عن تعرّضه للاغتصاب.
الاعتقال وحده ليس ما يهدّد المثليين، بل كذلك استمرار ما يعرف بالفحص الشرجي، الذي يطلبه الادعاء العام لأجل التأكد من الممارسة الجنسية للمتهمين.
ويشير منير بعتور، رئيس جمعية “شمس” المدافعة عن حقوق المثليين في تونس، إلى أن ما جرى للشاب يؤكد أن الكثير من المثليين الذين يتعرضون للابتزاز أو السرقة أو الاعتداء الجنسي لا يلجؤون إلى الشرطة، لأنهم يعلمون أنهم سيتعرضون للاعتقال. ويتحدث بعتور للقسم العربي من شبكة “DW” الإعلامية عن أن القانون يضع المثليين في درجة غير متساوية مع بقية المواطنيين، إذ يحرمهم من حق الوصول إلى العدالة.
ويتكرّر الوضع في الجزائر، حيث يمكن أن تصل العقوبة إلى سنتين أو حتى ثلاث سنوات، وتُثار من حين لآخر أخبار عن اعتداءات على المثليين.
وقد أعادت جريمة ذبح طالب في الجزائر هذا الجدل مجدداً إلى دائرة الأضواء، ففي الوقت الذي أكدت فيه جمعية “ألوان” المدافعة عن حقوق الأقليات الجنسية على صفحتها في “فيسبوك” أنها لا تدري شيئاً عن الميول الجنسية للضحية، إلا أنها ترى أن الجريمة مغذاة بمشاعر رهاب المثلية، بما أن بعض التقارير الصحفية قالت إنه تم العثور على عبارة “شاذ” في مكان الجريمة، وهو ما لم تؤكده الجهات الرسمية.
أما في المغرب، حيث تتكرّر عقوبة السجن ذاتها للمثليين، بدأت السنة الجديدة بهذا الجدل، بعد التشهير بمثلي اعتقل في مراكش بسبب حادث سير، حيث نشرت بعض وسائل الإعلام لحظات القبض عليه، ثم تسربت معطياته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع بإدارة الأمن الوطني لإعلان عقوبات تأديبية بحق أربعة مسؤولين أمنيين.
وقد انتشرت على مدار السنوات أخبار عن اعتقال مثليين بالمغرب، كما تعاني هذه الفئة من اعتداءات في الفضاء العام، وهو ما دفع السلطات إلى التدخل بحزم ضد “أخذ القانون باليد”.
ويقول منير بعتور إن هناك إحصائيات لمنظمة الصحة العالمية تتحدث فيها عن أن نسب المثليين في المجتمعات المغاربية تتراوح بين 7 و10% (لم تتأكد DW من الرقم)، وهو وضع سيؤدي في النهاية إلى إلغاء هذا التجريم، لأن “المسار التاريخي يؤكد أن الشعوب التي تحرّرت في البلدان المتقدمة ألغت التجريم، وأضحى المثليون فيها يعيشون حياة طبيعية”.
وسبق للرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، أن شكل لجنة باسم “لجنة الحريات الفردية والمساواة”، جاء من توصياتها إلغاء تجريم المثلية الجنسية، كما تعهدت تونس أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2017 بإلغاء الفحص الشرجي القسري، لكنها لم “تف بوعدها”، وفق بعتور، وهو كذلك ما أكدته منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها، الذي أشار إلى أن تونس أبقت على الفحص، لكنها جعلته مرتبطاً بموافقة الشخص المعني وبحضور خبير طبي.
ويتابع بعتور أن المنظمات الحقوقية المهتمة بالموضوع تسعى لإقناع بعض النواب بتبني مشروع لإلغاء التجريم، كما يخطو بعض النواب في اتجاه وضع قانون يلغي الفحص الشرجي.
ويثق منير بعتور بأن إلغاء الفحص الشرجي سيقلل من عدد الاعتقالات بين المثليين.
لكن في المغرب والجزائر، لا تظهر أيّ مؤشرات على اتجاه لإلغاء تجريم المثلية الجنسية، فوزير حقوق الإنسان المغربي، المصطفى الرميد، عبّر مراراً عن رفضه الشديد لهذا الإلغاء، فضلاً عن عدم طرح أيّ مشروع قانون في البرلمان المغربي بهذا الخصوص.
أما في الجزائر، حيث لا يوجد نقاش كبير حول الموضوع، فقد عبرت الحكومة سابقاً، على لسان رئيس الوزراء أحمد أويحيى، عن أن الجزائر “لديها تقاليدها الخاصة وغير مستعدة للانخراط في تيار عالمي للتطور”.
أوضاع المثليين ليست شأناً داخلياً فقط في الدول المغاربية الثلاث، فحزبا “الخضر” واليسار الألمانيان عرقلا عام 2017 مسعى الحكومة لتصنيف البلدان الثلاث في قائمة “الأمان”، وأوقفا المشروع على مستوى مجلس الولايات بعد نجاح الحكومة في تمريره في البرلمان، ومرد ذلك إلى إمكانية وجود طالبي لجوء من الأقليات الجنسية، سيشكل ترحيلهم إلى بلدانهم خطراً عليهم حسب معارضي المشروع، فضلاً عن أن عدداً من أفراد هذه الأقلية يحصلون على اللجوء في بلدان أوروبية أخرى.
ويقول حزب الخضر على موقعه الإلكتروني إن “وضع الدول الثلاث في قائمة الأمان يفترض أن الأقليات، كالمثليين، لا يتم التضييق عليها، فضلاً عن أن حرية الرأي والصحافة مضمونة، وهو ليس صحيحاً”.
كما يقول سفين ليمان، من الحزب ذاته، إن من غير المنطقي الاعتقاد أنه يمكن الاعتراف بسهولة بالميول الجنسية للمثليين عند طلب اللجوء في ألمانيا، لاسيما وقد أثير أكثر من مرة وجود صعوبات لدى المثليين في شرح أسباب التضييق عليهم في دولهم.
من جانبها، تعتبر لويزه أمتسبرغ، المتحدثة باسم كتلة حزب الخضر في البرلمان الألماني لقضايا اللاجئين، في حديث مع شبكة “DW”، أنه يجب على الدولة الألمانية النظر إلى الوضع العام لحقوق الإنسان في البلدان المرشحة لدخول قائمة الأمان، بما في ذلك وضع المثليين، مشيرة إلى تعارض مبادئ حقوق الإنسان مع استمرار البلدان المذكورة في وضع قوانين تجرّم المثلية الجنسية، بل وما هو أفظع من ذلك، كفحوص الشرج التي تقوم بها تونس.
وطالبت المتحدثة بأن تكون سياسة ألمانيا في القضايا الخارجية على قدر من المصداقية، لافتة إلى أن وضع بلدانٍ بمثل هذه الحصيلة في قائمة البلدان الآمنة من شأنه أن يدعم طريقة تعاملها مع ملفات حقوق الإنسان، ويترك المنظمات المدنية تناضل لوحدها من أجل تحسين الوضع، ما سيؤدي إلى تعاظم طالبي اللجوء بدل حلّ المعضلة، بحسب رأيها.
وتضيف أمتسبرغ، التي زارت تونس مؤخراً، أن إلغاء قوانين “تجريم المثلية” في البلدان الثلاثة سيأخذ المزيد من الوقت، خاصة لارتباطه بالبعد الديني.
(إسماعيل عزام / من كريستن كنيب – دويتشه فيله)[ads3]