تحليل : ألمانيا تنضم للحرب الاقتصادية العالمية
مع تنافس الولايات المتحدة والصين بشكل متزايد بدلاً من التعاون، فإن أوروبا لا يمكنها التمسك بالمفهوم القديم للعولمة.
وتدور مسودة استراتيجية صناعية جديدة لألمانيا قدمها وزير الاقتصاد بيتر ألتماير في أوائل فبراير حول إحياء عالم التنافسية، وهو النهج الذي يرغب في تصديره إلى الجمهور الألماني أولاً؛ ومن ثم إلى بقية الاتحاد الأوروبي، بحسب تحليل نشرته “بلومبرج أوبنيون”.
وقال ألتماير في مؤتمر صحفي إن المنافسة تحدث بين ثلاثة كتل اقتصادية كبرى: الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.
وفي هذا الصراع من أجل الهيمنة، فإن أوروبا وألمانيا على وجه التحديد يجرى تقليص مكانتها إلى وضع المراقب السلبي.
ويرجع ذلك جزئياً إلى دعم أبطال الاقتصاد الوطني (الشركات الكبرى) في الولايات المتحدة والصين، كما يقول الوزير الألماني.
وكتب ألتماير في المذكرة الاستراتيجية أنه لا توجد دولة ناجحة تعتمد بشكل حصري وبدون استثناءات على قوى السوق لإتمام مهامها.
كما يجادل بأنه يجب على كل من ألمانيا وأوروبا التحرك في نفس الاتجاه وإلا فإنهما يخاطران بفقدان أمور أكثر من المنافسة الاقتصادية.
ويتابع: إذا كانت الكفاءة التكنولوجية الرئيسية وبالتبعية في الاقتصاد العالمي سوف تضيع، فإن هذا من شأنه أن يكون ذا عواقب وخيمة على أسلوب حياتنا وقدرة الدولة على العمل وقدرتها على تشكيل كافة مجالات السياسية تقريباً، وفي مرحلة ما كذلك على الشرعية الديمقراطية لمؤسساتها.
ويعتبر من الأمور المثيرة للدهشة سماع هذا النوع من الخطاب من مساعد للمستشارة أنجيلا ميركل المؤيدة للعولمة والتي رغم علاقات حزبها المحافظ مع الشركات الكبرى لكنها أصرت دائماً على السماح للشركات الألمانية بالتنافس تحت مظلتها.
ولكن الآن ميركل مستشارة ذات سلطة محدودة، في حين تفضل “أنجريت كرام كارينباور” خلفيتها كزعيم للحزب سياسة صناعية أكثر نشاطاً.
وتضع مقترحات ألتماير الأرضية لمنصة انتخابية جديدة توفر الدعم للسيادة والقدرات الصناعية والتكنولوجية للبلاد.
وبموجب هذه السياسة على سبيل المثال من المحتمل أن الحكومة قامت بحظر استحواذ شركة تصنيع الأجهزة الصينية “ميديا” على “كوكا إيه.جي” الألمانية في عام 2017.
ويقول “ألتماير” أنه في وضع مشابه في المستقبل فإن الحكومة يمكن أن تقدم عرض أفضل وأن تصبح مالكا مؤقتا للشركات الألمانية التي قد ترغب مؤسسات أجنبية في الاستحواذ عليها.
وطبقاً لـ”ألتماير”، فإن السيادة الصناعية تعني ضمان بقاء الشركات الوطنية الكبرى حالياً مثل “سيمنز” و”تيسين كروب” صانعة السيارات في البلاد، و”دويتشه بنك”.
وتحتاج سلطات مكافحة الاحتكار في أوروبا للنظر خارج المنطقة عند تحديد ساحة التنافس، بحسب تصريحات ألتماير، في إشارة واضحة إلى معارضة هيئات مكافحة الاحتكار الأوروبية لخطط “سيمنز” و”ألستوم” إزاء دمج أعمالهما الخاصة بالسكك الحديدية. (يذكر أن المفوضية رفضت بالفعل تلك الصفقة)
وفي هذا، يمتلك وزير الاقتصاد الألماني دعماً من أقوى لوبي صناعي في البلاد وهو اتحاد الصناعات الألمانية الذي أعلن مؤخراً مقترحات سياسته بشأن التعامل مع صعود الصين.
ووفقاً لألتماير، فإنه يجب على الحكومة أن تدعم المشاريع الرئيسية التي تساعد في الحفاظ على قيمة مضافة وبالتالي الوظائف في أوروبا، مثل إنتاج البطاريات والبرامج للسيارات الكهربية والمركبات ذاتية القيادة.
كما لا يفترض أن تقف الحكومة مكتوفة الأيدي عندما تحصل شركات التكنولوجيا المحلية على التمويل من أصحاب رؤوس الأموال الأمريكيين، وكنتيجة لذلك فإنهم يصبحون شركات أمريكية خطوة بخطوة، كما كتب ألتماير.
ولم يقترح ألتماير أن الحكومة يجب أن تقوم بشراء شركات ناشئة واعدة بشكل مباشر، لكنه قال إنه يجب إيجاد الطرق التي توفر التمويل المحلي الخاص.
كما أشار إلى أن ألمانيا يجب أن تجمع قوتها الريادية والعلمية والسياسية في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعتبر تكرار واضح لفكرة “إيرباص للذكاء الاصطناعي” التي دعمها ألتماير علناً في العام الماضي.
وإذا كان كل ما سبق بكافة الإشارات المتعلقة بالسيادة الاقتصادية يبدو بشكل مدهش مشابه للوضع في فرنسا فإن هذا ليس انطباعاً خاطئاً، حيث أن ألتمايروجد شخصاً يشبهه في التفكير متمثل في نظيره “برونو لومير” وزير المالية الفرنسي.
وعلى ما يبدو في الوقت الحالي أن أكبر اقتصادين في أوروبا في انسجام بشأن الحاجة لمواجهة التقدم في الولايات المتحدة والصين.
وفي ديسمبر الماضي، التقى الوزيران في مؤتمر “أصدقاء الصناعة” في باريس واتفقا على التعاون حول مشاريع بشأن الذكاء الاصطناعي والبطاريات.
وخلال ذاك الاجتماع، اتفق ممثلون من 18 دولة عضو بالاتحاد الأوروبي من بينهم إيطاليا وأسبانيا وبولندا على بعض أفكار السياسة الأساسية التي تهدف إلى إبقاء الكتلة قادرة على المنافسة على الصعيد الدولي، والتي تشمل إجراء تغييرات في قواعد مكافحة الاحتكار لكي تكون أسهل في تكوين شركات كبرى اقتصادياً.
وبالتالي، فإنه إذا تلقت استراتيجية ألتماير الدعم السياسي في ألمانيا، وهو الأمر المحتمل لكنه غير مضمون بالنظر إلى عدم الثقة التقليدية في الشركات الكبيرة، فإنه يفترض أن ينجح على مستوى الاتحاد الأوروبي.
وتتحرك الأفكار السياسية ببطء كما أن نتائج التحول نحو موقف أكثر تنافسية يعتمد على السيادة الاقتصادية لن تحدث بشكل فوري.
لكن مع سياسات دونالد ترامب الحمائية وحروبه التجارية، وعدم احترام عمالقة الإنترنت في الولايات المتحدة للوائح التنظيمية الأوروبية، والصين بتوسعها القوي داخل أوروبا، فإن كل من واشنطن وبكين يبذلان الكثير لجعل هذا التحول الأوروبي أمراً حتمياً.
ومن المقرر أن يكون تركيز الاتحاد الأوروبي الكبير للغاية على دعم تنافسية الشركات المحلية بمثابة بيئة عمل أكثر صعوبة للمستثمرين الأجانب وربما منافساً قوياً إذا كان من الممكن تكرار نجاح إيرباص في صناعات أخرى.
ولكن على الأقل هذه المرة، لم تبدأ أوروبا بالأعمال العدائية وإنما تتعال كرد فعل للتصرفات الأمريكية والصينية.
سالي اسماعيل – مباشر[ads3]