التنازع على بشار الأسد

تشكل زيارة بشار الأسد إلى طهران لحظة مهمة في مسار الصراع على النفوذ في الحطام السوري بين عدة أفرقاء. من المحتمل أن الزيارة أزعجت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يريد التفرد بتقرير مصير سوريا واستتباعها، ثمناً لحمايته النظام من السقوط. فالزيارة، من هذا المنظور، تعني أن إيران لن تتخلى عن حصتها في مستقبل سوريا لمصلحة روسيا، وبخاصة في مناخات الحديث عن رغبة روسية في إخراج طهران من المعادلة، من أجل إلحاق سوريا بروسيا وحدها، الأمر الذي يحقق ضمناً المطالب الأمريكية أيضاً، وهو ما لا غنى لروسيا عنه، أي الاعتراف الأمريكي بالسيطرة الروسية التامة على سوريا.

لكن التنازع على بشار الأسد، من خلال شحنه مرات إلى موسكو وسوتشي وقاعدة حميميم، ومرة إلى طهران، لا يقتصر على حليفيه الروسي والإيراني، فثمة كذلك دول عربية متلهفة إلى التطبيع معه بدعوى انتزاعه من النفوذين الإيراني والتركي، وقد شكلت زيارة بشار إلى طهران رداً مدوياً على تلك الذريعة المتهافتة. في حين أن النفوذ التركي المشكو منه هو نفوذ عسكري على الأرض ولدى قسم من المعارضة الإسلامية، وليس نفوذاً لدى النظام. وقد رفضت تلك الدول طلباً أمريكياً لملء الفراغ العسكري الذي سينشأ عن انسحاب القوات الأمريكية من شرقي نهر الفرات، بقوات عربية بدلاً من تركيا المتحمسة لملء الفراغ. على أي حال كان قطار التطبيع مع النظام الكيماوي قد أبطأ، بعد الزخم الأولي الذي تمثل في فتح السفارة الإماراتية في دمشق، بضغط أمريكي أيضاً، فتراجعت مصر عن مساعيها لإعادة النظام إلى الجامعة العربية. أما عمر حسن البشير الذي تفرد بين الحكام العرب بزيارة دمشق، فقد عاد إلى الخرطوم ليواجه ثورة شعبية تدعو لتنحيه. وهكذا انتهى «ربيع التطبيع» مع النظام الكيماوي بأسرع مما قضى الأسد على كل من «ربيع دمشق» والربيع العربي في سوريا. فخرج المتلهفون على استعادة الأسد إلى «الحضن العربي» من السباق ليبقى النزاع على بشار محصوراً بين بوتين وخامنئي.
من الذي يمكن أن يفوز في هذا التنازع؟

مبدئياً، يبدو الروسي في وضع أفضل. فروسيا دولة عظمى، بالمعنى العسكري على الأقل، وعضو دائم العضوية في مجلس الأمن يملك حق الفيتو، وباتت تملك وجوداً عسكرياً دائماً في سوريا، في قاعدتي حميميم وطرطوس، إضافة إلى نفوذ عسكري داخل قوات النظام وبموازاته، وتقود مسار آستانة الذي يهدف إلى جني ثمار النصر العسكري في تسوية سياسية بعيداً عن ضغوط المجتمع الدولي والأمم المتحدة وقراراتها، ولديها تفاهمات مع الولايات المتحدة بشأن سوريا، جنباً إلى جنب الخلافات بينهما.

أما إيران، فإضافة إلى عزلتها العربية والدولية، وهشاشة وضعها الداخلي بما في ذلك وضعها الاقتصادي، هي تتعرض لضغوط أمريكية وغربية كبيرة لوضع حد لتمددها الإقليمي، وحرب بالمفرق على قواتها ومواقعها في سوريا من قبل إسرائيل.
هذه المقارنة تمنح أفضلية لروسيا على إيران في «الفوز» بالعميل السوري. ولكن هناك وجها آخر للمقارنة: فروسيا التي ترغب في الانتهاء سريعاً من المرحلة العسكرية من الصراع السوري وقطف ثمار انتصارها في تسوية سياسية على مقاسها، تلاقي مقاومة من عميلها السوري الذي لا يريد القبول بأي تسوية سياسية مهما كانت لمصلحة استمراره في الحكم، لا أدل على ذلك من العراقيل التي وضعها أمام تشكيل اللجنة الدستورية التي يستعجلها بوتين. وقد كانت زيارة طهران بمثابة رسالة لموسكو تطالبها بعدم «التفريط» بالقضية الأسدية التي يمكن تلخيصها في عبارة «نظام الحرب الدائمة على سوريا».

كذلك فشل الروسي في إغراء الدول الأوروبية، وربما الخليجية، بالمساهمة في إعادة إعمار ما دمره النظام والطيران الروسي معاً والتخلي عن شرط «الانتقال السياسي» مدخلاً لتلك المساهمة. وفشل أيضاً في تشجيع الأنظمة العربية على التطبيع مع النظام وإعادته إلى جامعة الدول العربية، وإن بدا أنه حقق تقدماً طفيفاً في البداية، سرعان ما كبحه الأمريكي. هذه العوامل مجتمعة شجعت إيران على استدعاء عميلها في دمشق لكي يرى بوتين أنه لا يملك السلطة الكافية على الأسد لجره إلى التسوية الروسية. ومن جهة الأسد، فقد كان بحاجة إلى هذا «المتنفس» من املاءات الكرملين عليه.

لكن إيران، بدورها، لا تملك خيارات واسعة في مواجهة بوتين الذي استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي في موسكو بالتزامن مع زيارة الأسد إلى طهران. فإذا صدقنا تصريحات نتنياهو بشأن نتائج الزيارة، فقد حقق الكثير. «اتفقنا مع روسيا على العمل معاً لإخراج جميع القوات الأجنبية من سوريا» قال! وهو ما فهمه الجميع على أن المعنية أولاً هي القوات الإيرانية. ليس ذلك وحسب، بل تتناقل وسائل إعلام إسرائيلية توافقاً بخصوص عدم تسليم صواريخ s300 للسوريين، ليحافظ الطيران الإسرائيلي على حرية حركته فوق الأجواء السورية، ويواصل ضرب الأهداف الإيرانية متى يشاء.

إذا غادرنا أرض النزاعات بين الدول على «التركة الأسدية»، ونظرنا إلى داخل مجتمعات السوريين، سوف نلاحظ أن لا أحد منهم يتنافس على «تملك الأسد» إذا جاز التعبير. وإذا كانت البيئات المعارضة قد قالت كلمتها منذ ثمان سنوات فأسقطت الأسد، فالبيئات الموالية اليوم لا تظهر أدنى درجات الرضى عن حصان سباقها القديم الذي بلغ به الأمر، في خطابه الأخير، أن بدأ بتخوين تلك البيئات أيضاً لأنها طالبته بتوفير الكهرباء والغاز. لسان حال السوريين يقول للدول المتنازعة على بشار الأسد: خذوه واتهنوا به.

بكر صدقي – القدس العربي[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫3 تعليقات

  1. ياريت حدا يشتري ذيل الكلب بشار الأرهابي الكيماوي وأجرة الشحن علينا يعني الدليفري ببلاش علينا أجرة شحنه مع أكياس البطاطا

  2. يفضح عرضو شو تمساح لك طلعت ريحتو من شخاخ الروسي و الايراني على راسو ايمتى بدنا نخلص من نجاسته .