التوأمة مع حي برليني تفتح نافذة أمل أمام مدينة سورية
حوالي 3850 كيلومتراً تفصل بين حي كرويتسبرغ في العاصمة الألمانية برلين ومدينة المالكية/ديريك في أقصى شمال شرق سوريا. لكن الوضع والظروف بينهما مختلفة تماماً، وكأن كل منهما في كوكب آخر.
ففي حين أن أكثر ما يقلق ويشغل سكان حي كرويتسيرغ الذين ينحدر أغلبهم من تركيا، هو تحسين الحي ومعيشة سكانه، فإن سكان المالكية/ديريك الذين يبلغ عددهم حوالي 26 ألف نسمة أكثر ما يشغلهم هو الحصول على المياه النظيفة والكهرباء والخدمات ووسائل العيش الأساسية. كما يعيش أهالي المدينة السورية، الذين أغلبهم من الأكراد والآشوريين، في قلق أمني وتحت سياط تهديدات تركيا والنظام السوري وتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) الذي لا يزال يشكل تهديداً رغم انهيار خلافته.
لكن رغم هذا الاختلاف الكبير بين مدينة المالكية/ديريك وحي كرويتسبرغ، فإن ما يربطهما أكثر بكثير مما يبدو للمرء من الوهلة الأولى، وبفضل مبادرة أهلية في برلين أصبحت هناك الآن شراكة رسمية بينهما. ومن المعروف أن أغلب سكان حي كرويتسبرغ ينحدرون من تركيا، لكن لا أحد يعلم على وجه اليقين كم نسبة الأكراد منهم.
وعن سبب اختيار المالكية/ديريك للشراكة مع الحيّ البرليني، يقول لـ DW غونتر كليف، أحد أصحاب المبادرة، إن برلين أرادت دعم مدينة ومجتمع “منسيين” من الساسة والإعلام. ويضيف “الفكرة الرئيسية هي إظهار التضامن مع المدينة وهؤلاء الذين تحملوا العبء الرئيسي في الحرب ضد تنظيم داعش. علينا أن نشكرهم على أن التنظيم قد هزم عملياً”، مستشهداً بـ700 شخص قضوا في الحرب ضد داعش وتم دفنهم في “مقبرة الشهداء” في المدينة.
يقول كليف متحدثاً عن المالكية/ديريك بإعجاب واحترام، إنها كسرت الصورة النمطية المعروفة عن الشرق الأوسط. فهي متعددة الثقافات والأديان والأعراق، ففيها يعيش المسلمون والمسيحيون بسلام جنباً إلى جنب. ويحكم المدينة مجلس منتخب ديمقراطياً. ويرأس المجلس شخصان: رجل وامرأة.
ويؤكد ذلك لـ DW صاحب عثمان محمد، الرئيس المشترك لمجلس المدينة، بأن المالكية/ديريك “معروفة بتعددها الثقافي والاثني المكون من الأكراد والعرب والأشوريين والكلدان والسريان والأرمن. وكل هذه المكونات ممثلة في مجلس مدينة ديريك وفي بلديتها أيضاً وهم يمثلون المدينة والبلدات التابعة لها”.
ورغم أن المدينة تخضع لسيطرة القوات الكردية، إلا أن التهديدات تحيط بها، فهي تبعد فقط 5 كيلومترات عن الحدود مع تركيا ومن الجنوب تتربص بها قوات النظام السوري، كما أنها لا تبعد سوى 10 كيلومترات عن الحدود مع العراق (إقليم كردستان). وهي “معزولة تماماً سياسياً” يقول غونتر كليف، إذ أن “تركيا تعتبرهم إرهابيين لأنهم أكراد ويتعاطفون إلى حد ما مع حزب العمال الكردستاني المحظور. ونظام الأسد يريد استعادة السيطرة عليهم وعلى المنطقة”.
وقد زار كليف مع وفد من كرويتسبرغ في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 المدينة للتوقيع على اتفاقية الشراكة. ويقول عن الوضع السياسي في المنطقة وقلق السكان وخوفهم حسب وسائل إعلام، إن “أكراد سوريا انتابهم الخوف لحد الموت” من وقوعهم بين نيران هجوم تركيا وقوات النظام السوري، حين أعلن الرئيس الأمريكي أواخر العام الماضي نيته سحب قوات بلاده من سوريا.
يعترف كليف بأن تأثير الشراكة بين المالكية/ديريك وكرويتسبرغ “رمزي” لكنه يأمل أن تكون البداية لاعتراف أكبر بالقضية الكردية في أوروبا والعالم.
وأول مشروع من حيّ كرويتسبرغ في المدينة هو إعادة تشجير جزء من المدينة، التي تأثرت بقطع تركيا لمياه الأنهار عن مناطق شمال سوريا. وقد تم إطلاق هذا المشروع بعد أن طلبت السلطات المحلية وسكان المالكية/ديريك هذا النوع المحدد من المساعدة. وقد أشار إلى ذلك الرئيس المشترك لمجلس المدينة، صاحب عثمان محمد، بقوله “لقد تم منحنا مبلغ 20 آلاف يورو كمساعدة في إطار هذه الشراكة. وقد تم تأجيل زرع الأشجار إلى الربيع بسبب الظروف المناخية والأمطار الغزيرة”.
ورغم الأضرار التي لحقت بالمدينة نتيجة الأزمة السورية والحرب الأهلية التي تمزق البلاد، فإن سكان المالكية/ديريك يتميزون بوعيهم البيئي، وهذه نقطة أخرى مشتركة بينهم وبين سكان حي كرويتسبرغ في برلين المعروفين بميولهم اليسارية.
من المقرر أن يزور وفد من المدينة السورية برلين هذا العام ومن المتوقع أن تكون الزيارة في شهر مايو/ أيار آو حزيران/ يونيو القادم، وقد أكد ذلك كليف وكذلك صحاب محمد عثمان الذي قال: “سيزرو وفد من بلدية المدينة ألمانيا حيث تلقينا دعوة من بلدية كرويتسبرغ لزيارة ألمانيا”. ومن أجل السفر يحتاج الوفد لفيزا وعليه عبور الحدور من المالكية/ديريك إلى إقليم كردستان العراق والتوجه إلى مدينة أربيل والسفر من مطارها إلى ألمانيا.
وإذا تمت الزيارة ستكون خطوة أخرى في اتجاه إنهاء عزلة المدينة المنطقة والغنية بمواردها وخاصة النفط، ولكن الفقيرة بالفرص واستغلال واستثمار تلك الموارد لصالح سكان المنطقة.
ويختم غونتر كليف، صاحب مبادرة الشراكة، حديثه مع DW بأنه يأمل أن يكسب الناس في شمال سوريا المزيد من الدعم لتقرير مصيرهم. ويعتقد أن مدينة مثل المالكية/ديريك ومجتمعها يمكن أن تكون “نموذجاً يحتذى به لمنطقة غارقة بأكملها في صراع دموي منذ ثماني سنوات”.
جيفرسون تشيس/ عارف جابو – دويتشه فيله[ads3]