ألمانيا : فرص الطيران الكهربائي و حدوده .. هل تشهد الملاحة الجوية تحولاً ؟

ربما شعر المغرمون بألعاب الأتاري بالراحة في قسم الطيران الكهربائي الخاصة بشركة سيمنس، حيث توجد عدة شاشات كبيرة في غرفة جانبية بمقر الشركة، يجلس أمام الغرفة أحد موظفي الشركة على مقعد الطيار مستخدما عصا التحكم في توجيه حاوية شحن على الشاشات.

تقوم أربعة محركات كهربائية خاصة بالمروحيات برفع حمولة في الهواء، ويمكن التحكم فيها بدقة.

تستفيد سيمنس من هذه المحاكاة في تطوير المحركات الكهربائية الهجين لأجهزة الطيران، وفي اختبار هذه المحركات.

“قبل خمس سنوات كنا نوصف من قبل البعض بأننا معتوهون” حسب فرانك أنتون، رئيس قسم الطائرات الكهربائية في شركة سيمنس للصناعات الإلكترونية والكهربائية في مدينة ميونخ، مشيرا إلى أنه سعيد بأن شركات أخرى عديدة دخلت هذا المجال، وبدأت تدفع به للأمام.

يبدو الطيران الكهربائي مبشرا، حيث إن الملاحة الجوية تعاني مما حققته هي نفسها من نجاح، وذلك لأن أعدادا هائلة من الناس يريدون السفر باستخدام عدد قليل من الطائرات، ولا يريدون دفع شيء يذكر مقابل ذلك.

وحيث إن القدرات الاستيعابية في قطاع الطيران المدني لا تواكب أعداد الركاب فقد أصبح تأخر الطائرات عن مواعيدها أمرا معتادا في الآونة الأخيرة.

وحتى وإن تزايدت قدرات الطائرات بشكل مستمر فإن إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في قطاع الملاحة الجوية في ألمانيا لم يتراجع سوى بنحو 14% في الفترة بين عام 2000 و 2016 ليصبح 2350 كيلومترا، وذلك وفقا لبيانات مكتب البيئة الاتحادي.

تبنى الاتحاد الأوروبي قبل عدة سنوات أهدافا أكثر طموحا، حيث أكد عزمه خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050 بنسبة 75% مقارنة بما كانت عليه عام 2000، وخفض ضوضاء الطيران بنسبة 65% في الفترة نفسها.

فهل من الممكن أن تكون الطائرات الكهربائية ردا على هذه المشاكل والتحديات؟

حرص المطورون من البداية على خفض سقف التطلعات المعلقة على هذا القطاع، مؤكدين من ناحية على أنه لن تكون هناك في المستقبل القريب محركات تعمل بالطاقة الكهربائية بشكل كامل بالنسبة لطائرات الركاب الكبيرة، وفقا لخبير زيمنس، فرانك أنتون، الذي برر ذلك من ناحية أخرى بأن البطاريات الضرورية لذلك ستكون ثقيلة جدا.

لذلك فإن كلا من شركة سيمنس و ايرباص، إضافة إلى شركة بوينج وشركة رولس رويس المتخصصة في صناعة المحركات، تعكف حاليا على تطوير محركات هجين للطائرات، يتم فيها مزج تقنيات مختلفة للمحركات مع بعضها البعض.

بالنسبة لشركة رولس رويس فإن هذه المحركات تقوم على فكرة إنتاج التيار الكهربائي عبر مولد من خلال توربين غازي، يستخدم هذا التيار في تشغيل المحركات الكهربائية و وظائف القيادة.

وتسعى الشركة لتوفير ما يصل إلى 35% من انبعاثات الطائرة، وذلك من خلال تعديل تصميم الطائرة بالعديد من المحركات التي تعمل بالكهرباء، حسبما أوضح أولريش فيجنر، رئيس قسم التقنية في الشركة.

أشار أنتون أن “42% من الانبعاثات الناتجة عن الطيران تنشأ خلال الرحلات التي تكون مسافتها أقل من 1000 ميل”، مما يعني أنه يأمل أن تساهم هذه التقنية كثيرا في خفض هذه الانبعاثات الضارة. كما يمكن خفض الضوضاء بشكل واضح باستخدام هذه الضوضاء.

ولكن هناك خلافا بشأن إمكانية مساهمة تقنية المحركات الهجين في خفض الانبعاثات بشكل هائل، “حيث تؤكد جميع الدراسات التي أجريت على استخدام المحركات الهجين في الطائرات الكبيرة أنه إذا قمت فقط بعملية إبدال لنظام الدفع فلن يكون هناك تحسن، سواء في انبعاث ثاني أكسيد الكربون أو في استهلاك الوقود” حسب ميركو هورنونج، رئيس مجلس الباحثين في مؤسسة باوهاوس لوفتفارت، الألمانية ذات النفع العام. وأشار هولنونج إلى ضرورة تغير عوامل أخرى، من بينها الديناميكية الهوائية، أو وزن الطائرة.

أكد هورنونج قناعته بأن المحركات التي تعمل بالكهرباء بشكل كامل سيكون لها درجة تأثير كبيرة جدا لدرجة تؤدي لانخفاض الانبعاثات، “وستلعب تقنية البطاريات دورا جوهريا في ذلك”.

قال هورنونج إن مثل هذه المحركات تستخدم بالفعل، على سبيل المثال في التاكسي الطائر، كالطائرة التي عرضتها زيمنس و ايرباص مؤخرا.

ولكن هذه المحركات لا تزال في الوقت الحالي أثقل من أن تتحملها الطائرات الكبيرة، التي تحتاج محركات عملاقة.

لذلك فإن الشركات المصنعة جربت ولأول مرة محركات هجين. وتسعى سيمنس و رولس رويس لتجربة أول طائرة ركاب يكون أحد مجموعات المحركات مزودا بموتور هجين.

كما تعمل شركة سيمنس في مشروع شبيه يتم من خلاله تطوير محرك أصغر، طراز دورنيير DO 228، مع عدة جهات على رأسها المركز الألماني للملاحة الجوية والصناعات الفضائية.

ولكن الخبراء المعنيين يشيرون في هذا السياق إلى جانب آخر، ألا وهو عدم إمكانية دمج المحركات الجديدة داخل أساطيل الطائرات الموجودة بالفعل “لذلك فليس من الممكن استخدام هذه المحركات في إطار إجراءات تعديل للطائرات الحالية”، حسب هورنونج، مضيفا: “الحديث هنا عن طراز جديد تماما من الطائرات”.

لذلك ربما استغرق الأمر عقودا حتى تستخدم مثل هذه الأنظمة الجديدة، “وستستمر الطائرات التقليدية التي تسلمها الشركات حاليا في العمل 25 إلى 30 سنة أخرى” حسب فولكر توم، المدير التنفيذي للاتحاد الألماني لشركات الصناعات الجوية والفضائية.

لذلك فالأمر الأهم الآن وفق توم هو سرعة الدفع بهذا التطوير للأمام قدر الإمكان، والمسارعة في طرح الطائرات الجديدة في الأسواق. (DPA)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها