هل ستجبر الضغوط الأميركية تركيا على إلغاء صفقة ” إس 400 ” الروسية ؟

ما بين إصرار أنقرة على المضي قدماً في إتمام صفقة شراء منظومات «إس 400» الصاروخية الروسية المضادة للأهداف الجوية قبل نهاية العام الحالي، وتكثيف الإدارة الأميركية تهديداتها بتوقيع طيف واسع من الإجراءات التصعيدية العقابية على تركيا، تنطلق إشارات تشي بإمكان انقشاع الأزمة عبر تراجع أنقرة عن إتمام الصفقة المثيرة.

فمن جهتها، تحرص تركيا، الطامحة إلى تعزيز استقلالية قرارها الاستراتيجي عبر معالجة الخلل المزمن في دفاعاتها الجوية، وتطوير صناعة عسكرية وطنية، وتنويع مصادر تسليحها، على استبقاء علاقاتها الاستراتيجية بواشنطن والناتو، علاوة على تلافي أية عقوبات أميركية. ويعي أردوغان أن حزمة الإجراءات العقابية المضادة التي تتبناها واشنطن ضد بلاده في هذا الصدد، كوقف تسليم مقاتلات «إف 35»، أو إنهاء استخدام قاعدة أنغرليك، أو سحب 55 رأساً نووياً أميركية منتشرة في تركيا ضمن قوة الحلف الأطلسي الرادعة التي ظلت تحمى تركيا من الأطماع السوفياتية ثم الروسية منذ منتصف القرن الماضي، إنما تحرم أنقرة من مكاسب استراتيجية عدة ربما يستعصي عليها تعويضها، فبينما تحتفظ واشنطن بشراكات وتحالفات استراتيجية تتجاوز تركيا بكثير كما لن تعدم إيجاد بدائل لقاعدة أنغرليك، سيكون عصياً على أنقرة إيجاد شريك استراتيجي بديل لواشنطن على المدى الطويل، أو إنتاج السلاح النووي الرادع بسلاسة وفي زمن قياسي، أو إيجاد بديل مكافئ لمقاتلات «إف 35» الأميركية، لاسيما وأن مواصفات المقاتلة الروسية البديلة المحتملة من طراز «سوخوي 57» تبقى أقل من مواصفات نظيرتها الأميركية التي تتنوع مزاياها القتالية، كما تنفرد بقدرتها الفائقة على التخفي من أنظمة الرادار المختلفة.

بموازاة ذلك، استنفدت تركيا بدائلها وخياراتها المقترحة لاحتواء الأزمة، بما يتيح لها الجمع بين صفقتي منظومات «إس 400» الروسية ومقاتلات «إف 35» الأميركية، بداية بإعراب أردوغان عن استعداده لإتمام الصفقة الروسية بجانب صفقة منظومات «باتريوت» الدفاعية الصاروخية الأميركية، وتلويحه بإمكان إيجاد مخرج للأزمة مع واشنطن إذا أبدت الأخيرة مزيداً من المرونة حيال الملف السوري، سواء لجهة السماح للقوات التركية منفردة ببسط هيمنتها على المنطقة الآمنة التي تسعى لإقامتها في الشمال السوري من دون أي دور لـ «قوات سورية الديموقراطية» المدعومة أميركياً والتي تسيطر على تلك المنطقة حالياً، أو في ما يخص مقترحه بأن تسحب واشنطن أسلحتها التي زودت بها قوات «قسد»، أو تسلمها للقوات التركية. كذلك، سعت أنقرة لطمأنة واشنطن بتعهدها استخدام منظومات «إس-400» الروسية بمنأى عن الناتو وبما يمنع أية مخاطر أو أضرار عن الأمن القومي الأميركي أو الأنظمة الدفاعية والتسليحية المشتركة للحلف، كما أعربت عن استعدادها للتعاون التقني مع الناتو، عبر تشكيل مجموعة عمل فنية مختصة، للحيلولة دون تسريب الأسرار الخاصة بقدرة مقاتلات «إف 35» الأميركية على تعمية الرادارات إلى روسيا.

غير أن الإشارات الإيجابية التفاهمية المتبادلة بين واشنطن وأنقرة تداعت على خلفية تأكيد أنقرة عزمها إتمام صفقة «إس 400» الروسية، إذ توالت الخطوات التصعيدية العقابية الأميركية حيال أنقرة، ففي 29 آذار (مارس) الماضي، قدم نواب جمهوريون وديموقراطيون في مجلس الشيوخ الأميركي، مشروع قانون يحظر بيع أنقرة مقاتلات هجومية من طراز «إف 35» حال إتمامها الصفقة الروسية المستفزة. ويبدو أن التراجع السياسي لأردوغان وحزب العدالة خلال الانتخابات البلدية الأخيرة فتح الشهية الأميركية لتكثيف الضغوط عليهما. ففي مطلع الشهر الجاري، أعلن البنتاغون تعليق عمليات التسليم والأنشطة المرتبطة بتفعيل القدرات التشغيلية لمقاتلات «إف-35» في تركيا، فيما أبلغ مسؤولون أميركيون نظراءهم الأتراك إلغاء أية شحنات إضافية من المعدات المتعلقة بالتحضير لتشغيل أو الإعداد لوصول تلك المقاتلات إلى تركيا، فيما لم يستبعد مسؤولون أميركيون تعليق مشاركة تركيا في البرنامج الإيكولوجي لتصنيع هذه المقاتلات. وأعلن البنتاغون أنه بصدد البحث عن شريك بديل، مؤكداً أن قرار تركيا شراء المنظومة الصاروخية الروسية لا يتوافق مع استمرار مشاركتها في ذلك البرنامج، كونه قد يمكّن روسيا من الحصول على أسرار متعلقة بالتفاصيل الفنية لإنتاج المقاتلة الأميركية على نحو يفقدها ميزاتها النسبية، المتمثلة في تعمية الرادارات التابعة لأنظمة الدفاع الجوي الروسية. وبعدما هددت واشنطن بفرض عقوبات على تركيا إذا أتمت صفقة منظومات صواريخ إس 400 الروسية، وجهت الخارجية الأميركية تحذيراً للحكومة التركية من مواجهة تداعيات مدمرة حال شنها أي عملية عسكرية في شمال سورية.

ويبدو أن الخطوات التصعيدية الأميركية حيال أنقرة بدأت تؤتي ثمارها، فبعدما ألقت بظلال من الغيوم على الاقتصاد التركي الواقع في إسار الركود، لم تستبعد وزارة الدفاع الروسية إمكان تراجع تركيا عن شراء المنظومات الصاروخية الروسية، على رغم تأكيد موسكو استعدادها لتسليمها في الوقت المتفق عليه، فيما عبّر البنتاغون عن أمله في أن تفضّل تركيا صفقة مقاتلات «إف 35» ومنظومات «باتريوت» الأميركيتين على منظومات «إس 400» الروسية، خصوصاً بعد التسهيلات والمغريات التي استحدثتها واشنطن، سواء لجهة إعادة تسعير منظومات «باتريوت»، أم بخصوص إمكان التنسيق مع الأتراك في ما يخص احتمالات التصنيع المشترك لها. وفي خضم التحذيرات التي انهالت على وزير الخارجية التركي على خلفية الصفقة الروسية المستفزة والعملية العسكرية التركية المحتملة في الشمال السوري، إبان زيارته الأخيرة لواشنطن بعد الصفعة التي تلقتها حكومته في الانتخابات البلدية، عمد نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إلى تخيير أنقرة ما بين توسل البقاء في الناتو والتزود بمنظومات «باتريوت» الصاروخية ومقاتلات «إف 35»، أو تهديد تلك الشراكة الاستراتيجية من خلال قرارات متهورة بشأن التقارب الاستراتيجي مع روسيا. الأمر الذى فاقم من تلميحات أوساط تركية وغربية لإمكان اعتصام أنقرة بالخيار الأول، تجنباً لأي إجراءات عقابية انتقامية، لا طاقة للأتراك بها.

بشير عبد الفتاح – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها