ألمانيا : طلاب يدشنون مشروعاً مبتكراً لمواجهة غلاء السكن الجامعي

على مشارف مدينة هايدلبرغ الألمانية، ينتصب كشك خشبي على أراض كانت مقرا لمستشفى عسكري أمريكي سابقا. ويعد هذا الكشك، المجهز بالأثاث والنوافذ، نموذجا أوليا لمشروع سكن طلابي من أربعة طوابق، لمواجهة أزمة السكن التي يعاني منها الشباب في المدن الألمانية.

ولم تعد مدينة هايدلبرغ، كشأن الكثير من المدن الأخرى حول العالم، قادرة على استيعاب العدد الكبير من المهنيين والطلاب الذين يتوافدون عليها من مختلف أنحاء العالم، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجارات ونقص المعروض من المساكن. ووصل متوسط أسعار الإيجار في السكن المشترك إلى 437 يورو شهريا.

وتعهدت حكومة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، في إطار جهودها للتخفيف من وطأة أزمة السكن، ببناء 1.5 مليون شقة جديدة على مستوى ألمانيا قبل نهاية ولايتها الرابعة في عام 2021.

لكن مجموعة من 25 طالبا جامعيا قرروا أن يأخذوا على عاتقهم مهمة التصدي للارتفاع الحاد في أسعار الإيجارات في مدينة هايدلبرغ جنوب غربي ألمانيا، وشرعوا في بناء مساكن للطلاب تحت اسم “كوليجيام أكاديميوم”.

وتقول إينا كون، الطالبة في كلية علم النفس والبالغة من العمر 22 عاما، وواحدة من مؤسسي المشروع: “نهدف إلى إقامة وحدات سكنية للطلاب بأسعار ميسرة لتهيئة بيئة مناسبة للإقامة والتعلم”.

ومن المتوقع أن يبلغ متوسط أسعار الإيجار في هذا المشروع 300 يورو شهريا للطالب الواحد. ويأمل القائمون على المشروع أن يخفضوا أسعار الإيجارات مستقبلا بمجرد سداد الدين المستحق للبنك.

وتعد جامعة هايدلبرغ، التي تأسست في عام 1386، أعرق جامعة في ألمانيا، وصنفت ضمن الجامعات الثلاث الأولى على مستوى ألمانيا وتحتل المرتبة 47 بين جامعات العالم. وتستقطب الجامعة عددا متزايدا من الطلاب سنويا. ويبلغ عدد سكان المدينة 160 ألف نسمة، من بينهم 39 ألف طالب.

كما تجتذب مدينة هايدلبرغ، بمبانيها الصغيرة والمتناسقة ومناظرها الخلابة، الشباب من مختلف أنحاء العالم. وتشير إحصاءات بلدية هايدلبرغ، إلى أن معظم الوافدين الجدد إلى المدينة ينحدرون من الصين وإيطاليا ورومانيا والهند وبولندا، وتتراوح أعمار أكثرهم ما بين 18 و30 عاما.

ويحصل الطلاب الألمان على معونات تعليمية أعلى من أقرانهم في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وفي عام 2014، أعلنت جميع الولايات الألمانية البالغ عددها 16 ولاية، إلغاء الرسوم الدراسية بالجامعات، أي أن الطلاب الألمان والأجانب بإمكانهم الدارسة في الجامعات الحكومية مجانا. ويدفع معظمهم رسوما رمزية في كل فصل دراسي لتغطية المصاريف الإدارية.

وتقول إدارة شؤون الطلاب بجامعة هايدلبرغ، التي تقدم المشورة وتوفر أماكن محدودة للطلاب في السكن الجامعي، إن الطلاب يجدون مشقة في العثور على سكن في الفصل الدراسي الشتوي تحديدا.

وتقول تانيا مودرو، رئيسة شؤون الطلاب بالجامعة: “إن الطلب على المساكن، ولا سيما ذات الأسعار الميسرة، يفوق المعروض منها في هذا الفصل الدراسي”.

وهذا يضع الكثير من الطلاب أمام خيارين، إما البحث عن سكن خارج مدينة هايدلبرغ أو التعامل مع ارتفاع تكلفة المعيشة. وقد زاد أيضا عدد الشباب الذين يفضلون العيش في المدينة بعد التخرج، ما يزيد الطلب على المساكن ويرفع أسعار المعروض.

ويأمل الفريق المؤسس لمشروع “كوليجيام أكاديميوم”، والمكون من 25 طالبا، أن يساهم في زيادة المعروض من المساكن في هايدلبرغ، من خلال توفير 46 شقة للسكن المشترك تستوعب 226 طالبا.

كما يضع الفريق نصب عينيه تحقيق نوع من التوازن بيئيا واقتصاديا، إذ سيكون مبنى “كوليجيام أكاديميوم” المصنوع كليا من الخشب ومجهز بنوافذ من الزجاج المعزول، أكبر مبنى في ألمانيا بدون دعامات معدنية.

وستقام ورشة في الموقع، للسماح للمستأجرين بتنفيذ الإصلاحات البسيطة لأي خلل أو عطل يطرأ في المبنى. لكن إقامة هذا المشروع المستدام ستتطلب مبالغ ضخمة، إذ بلغت تكلفته 16 مليون يورو.

واستطاع الفريق تجميع هذا المبلغ عن طريق الاقتراض من البنك والحصول على منح من ولاية بادن- فورتمبيرغ، التي تقع فيها المدينة، وصندوق تمويل مشروعات التنمية والتطوير الألماني. ويسعى الفريق لجمع مليوني يورو من المستثمرين لتغطية المبلغ المتبقي لتدشين المشروع.

وتقول كون إن الفريق بذل مجهودا شاقا على مدى ست سنوات لجمع التبرعات والدعم اللازم للمشروع. وساهم الأفراد من سكان المدينة بنصيب كبير في الدعم المالي للمشروع.

وتضيف: “كثيرا ما كنا نقف في الأسواق التي تقام أسبوعيا في المدينة ونوزع منشورات ترويجية على المارة، على أمل أن نحظى بدعم سكان المدينة المهتمين بالمشروعات المستدامة”.

لم تطل أزمة السكن الطلاب في هايدلبرغ وحدهم، إذ تأثر بتداعياتها أيضا الطلاب في مختلف المدن الألمانية. وكشف مؤشر الأسعار بالمعهد الاقتصادي الألماني عن ارتفاع أسعار الإيجارات للطلاب في المدن الطلابية بنسبة تتراوح ما بين 9.9 في المئة و67.3 في المئة منذ عام 2010.

وتظاهر الآلاف في أبريل/نيسان الماضي في برلين مطالبين الحكومة باتخاذ المزيد من الإجراءات حيال ارتفاع أسعار الإيجارات. ومن المتوقع أن تنظم العاصمة الألمانية برلين، التي تشهد سوق العقارات فيها أسرع معدلات نمو في العالم، استفتاء شعبيا قريبا للتصويت على مصادرة الشقق التي تمتلكها شركات العقارات الكبرى ونقل ملكيتها للبلدية.

وأصبحت مشكلة نقص المساكن وارتفاع أسعار الإيجارات تؤرق الطلاب في جميع المدن التي تحتضن جامعات حول العالم.

وقد اشترت جامعة تازمانيا مؤخرا فندقا في هوبارت عاصمة ولاية تازمانيا الأسترالية، لمساعدة الطلاب الذين عجزوا عن إيجاد سكن في المدينة بسعر مناسب. وأشارت تقارير إلى أن زيادة أعداد السياح والإقبال على التأجير عبر شركة “أير بي إن بي”، لعبا دورا كبيرا في تفاقم أزمة السكن في المدينة.

وفي مدينة بيركلي بولاية كاليفورنيا، التي تحتضن جامعة كاليفورنيا، طُور برنامج جديد للجمع بين الباحثين حديثي التخرج وبين المتقاعدين الذين لديهم غرف شاغرة في منازلهم، على أن يتفاعل الطلاب في المقابل مع المتقاعدين ويتحدثون معهم ويساعدونهم في أعمال المنزل، بالإضافة إلى دفع إيجار شهري أقل من ألف دولار، أي أقل من ثلث متوسط إيجارات الشقق في المدينة.

ومن المقرر أن تبدأ أعمال البناء في مشروع هايدلبرغ في الأسابيع المقبلة، بحيث يستقبل المشروع المستأجرين الأوائل بداية من عام 2021.

وسيختار القائمون على المشروع الطلاب الذين سيكنون معا في شقة واحدة، بعد فرز الطلبات التي سيتقدم بها الطلاب. وتقول كون: “نريد أن نجعل من المشروع ملتقى للشباب من مختلف الخلفيات الثقافية، يتبادلون فيه الأفكار والمعلومات عن مختلف المجالات المعرفية والاتجاهات السياسية”.

أما عن مصير المشروع بعد تخرج مؤسسي المشروع من الجامعة، فتقول كون: “نحن نؤسس مشروعا لنضمن توفير مساكن لغيرنا من الطلاب مستقبلا بأسعار ميسرة”.

كيت برادي – بي بي سي

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. عندى حل وارجو ان يتم التفكير به بشكل منطقى وتعاونى يتم الزام الشركات التى تحتوى على طابق ارضى يتقسبميه الى غرف طلابية ونوجد الكثير من العوائل التى تمتلك بيوتا صيفيه يتم مشاركتها مع طالب جامعى وكل عائلة او شخص المانى يسكن فى بيت فيه اكثر من غرفتيين ويعيش لوحده ان يعطى غرفة لطالب او طالبة ،الحلول موجودة دائما لو حصل تعاون من الجميع