سيدة روسية تحكي قصة نجاتها من الحصار النازي و تقول إنها لا تحمل كرهاً للألمان
على الرغم من أن الألمان حاولوا قتلها، فإن إينا ميخايلوفنا إلينا تقول “إنني لم أشعر بالكراهية أبدا حيال الألمان”.
وتعرضت إلينا التي تبلغ حاليا 85 عاما من العمر للحصار أثناء إقامتها في مدينتها ليننجراد أثناء الحرب العالمية الثانية، وتمكنت من البقاء على قيد الحياة بعد نجاحها في الهروب من الحصار الذي استمر قرابة 900 يوم، وأمضت أكثر من 20 عاما على الأراضي الألمانية التي جاء جنودها وحاصروا مدينتها التي استعادت اسمها السابق ليصبح سان بطرسبرج.
وخلال فترة الحصار التي استمرت من 8 سبتمبر 1941 عندما تم قطع الطريق الأخير المؤدي إلى ليننجراد حتى 27 يناير 1944، عندما دفع الهجوم المضاد الذي شنته القوات السوفيتية الجنود الألمان باتجاه الغرب، مات أكثر من مليون شخص من سكان المدينة الكائنة في الشمال الغربي من روسيا، والبالغ عددهم 5ر2 مليون نسمة نتيجة للجوع والبرد والمرض وقصف المدفعية والغارات الجوية.
غير أن إلينا تمكنت من النجاة.
وتنبض إلينا بالحيوية وتبدو بشعر قصير أبيض اللون وهي تجلس في شقتها المتواضعة المكونة من غرفة واحدة، وتأتي الشقة في إطار مشروع للإسكان الاجتماعي البسيط يقع في الجانب الشمالي من مدينة دوسيلدوف الكائنة في القطاع الغربي من ألمانيا.
وكانت ألينا في السابعة من عمرها عندما غزت قوات النازي الألمانية الاتحاد السوفيتي، وبعد عدة أشهر من الغزو تم بالكامل حصار ليننجراد ثاني أكبر مدينة سوفيتية، والتي ظلت عاصمة لروسيا القيصرية لقرابة قرنين من الزمان.
وتقول إلينا إنها لا تستطيع أن تتذكر أحداث بداية الحصار ولكن سقوط القنابل لا يزال ماثلا في ذاكرتها، وتطوع والدها وكان فنانا للدفاع عن المدينة وفارق الحياة بعد ذلك بأيام، وكانت أمها تعمل بمهنة التطريز في ورشة ، وعاشت الأسرة في غرفة داخل شقة جماعية تسكن في كل غرفة منها أسرة مختلفة.
وكان المبنى الذي تقع فيه شقة أسرتها يجاور ترسانة لبناء السفن حيث كان يعمل خالها مهندسا، ولحسن حظ إلينا تم نقل جميع أجزاء الترسانة بكل الآلات والعمال وأفراد أسرهم بعد مرور نحو أربعة أشهر على بدء الحصار وسط طقس الشتاء المميت.
وتعود إلينا بذاكرتها إلى الوراء وتقول “إننا رحلنا فوق بحيرة لادوجا”، وكان سطح البحيرة التي تجمدت مياهها وتقع على مسافة قصيرة من ليننجراد من ناحية الشمال الشرقي، هو الطريق الوحيد المؤدي إلى خارج المدينة المحاصرة وصولا إلى الداخل الروسي.
وتم اصطحاب إلينا إلى جانب شقيقها الصغير وجدتها وخالتها لتصل إلى مدينة سامارا المطلة على نهر الفولجا في رحلة قطعت خلالها 2000 كيلومتر، وتوضح إلينا أنهم كانوا يقطعون الطريق الطويل على متن وسائل النقل المختلفة وأحيانا داخل عربات تجرها الدواب.
واضطرت أمها إلى البقاء في ليننجراد لتحيك الحلل العسكرية بدلا من تطريز ملابس النساء، وتقول إلينا إن “أمها أرسلت إليهم صورة لها ذات مرة ولكنهم تعرفوا على ملامحها بالكاد، فقد بدت كهيكل عظمي بينما جحظت عيناها ، وبكت جدتي، وخطر ببالنا أن هذه هي آخر صورة سنتلقاها منها”.
وأوضحت إلينا أن الحصة اليومية من الغذاء التي كانت أمها تتلقاها تتكون من قطعة صغيرة من الخبز.
غير أن الأم التي كانت تتضور جوعا استطاعت أن تجد عملا في تنظيف مطبخ مستشفى بوسط المدينة المحاصرة، وتمكنت في وقت لاحق من أن تخبر إلينا بكفاحها من أجل البقاء على قيد الحياة.
وتقول إلينا إن أمها “كان عليها أن تنظف غلايات الحساء ضخمة الحجم، وأن تكشط بقايا الأطعمة من جوانب الأواني”، كما كانت تضع البقايا داخل حقيبة صغيرة معلقة على صدرها لتعطيها لأخيها وزوجته مما أنقذ حياتهما”.
وتضيف إن أمها أخبرتها أن المخاطر كانت محدقة بمن يسير في شوارع المدينة، فقد كانت هناك دوريات تمر في كل مكان، وكانت الأم تخشى من أن يطلق الجنود عليها الرصاص إذا اكتشفوا أنها تحمل طعاما.
وبعد ذلك استعادت أم إلينا قوتها ووزنها، “وحينئذ نصحها الطاهي بأن تراقب الطريق، وحذرها من أن الجنود الألمان سيقتلونها ويصنعون نقانق من لحمها”، وتشير إلينا إلى أن الطاهي كان جادا في تحذيره.
ونجت والدة إلينا من الحصار، وتم إجلاؤها قبل انتهائه، وعادت العائلة إلى ليننجراد بعد وقت قصير من إبعاد الألمان عن المنطقة وتقهقرهم.
وتصف إلينا الوضع بعد عودتها إلى مدينتها فتقول “رأيت المباني التي انهارت من القصف، وكان يمكن رؤية الشقق التي تم تدميرها، وأحيانا يمكن مشاهدة صورة لا تزال معلقة على حائط، أو بيانو ما زال موجودا”، وبقيت إلينا في ليننجراد ودرست التكنولوجيا العسكرية وصارت مهندسة وأنجبت أطفالا ، وفي التسعينيات من القرن الماضي هاجرت ابنتها وزوجها إلى ألمانيا ثم أقنعا إلينا باللحاق بهما.
وتشير إلينا إلى أنها لم تكن ترغب حقيقة في مغادرة ليننجراد – وهو الاسم الذي لا تزال تستخدمه بدلا من سان بطرسبرج – والانتقال إلى ألمانيا، وتقول إن الحرب والحصار الذي شنه الجانب الألماني ليس هو السبب في عدم رغبتها المبدئية في الإقامة في ألمانيا.
وترجع إلينا السبب في ذلك إلى حاجز اللغة.
وفي الذكرى رقم 75 لنهاية حصار ليننجراد، احتفلت ألمانيا “بيوم التذكر لضحايا الاشتراكية القومية”، وهو شعار حزب هتلر.
ويعد حصار ليننجراد الذي أوقع معاناة لا حدود لها لسكان المدينة أحد أكبر جرائم الحرب التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، وليست هناك معرفة عامة بأن أدولف هتلر خطط لتجويع سكان المدينة حتى الموت، ثم يزيلها من الوجود.
وتقول إلينا أنه لم يطلب أي أحد من ألمانيا منها أن تحكي قصتها.
وتضيف “إنني أعلم على الدوام إن الناس سيقولون عندما يعرفون إنني انحدر من ليننجراد ، تقصدين سان بطرسبرج إنها مدينة جميلة ورائعة”. (DPA)[ads3]