” اليمين الشعبوي يخترق ألمانيا من وسطها “

ليس التطرف اليميني المتشدد والمتمثل في مواقف فردية، وحده ما يحذر منه القائمون على الدراسة الألمانية الحديثة بعنوان “دراسة عن الوسط السياسي” “Mitte-Studie”.

وأظهرت الدراسة أن نسبة المواطنين الألمان المتبنين للفكر اليميني، ثابتة منذ عامين على 2.5 في المائة، وتؤكد فرانسيسكا شروتر، من مؤسسة فريدريش إيبرت (FES) التي اعدت الدراسة: “إن الرفض أو التقليل من شأن بعض من فئات المجتمع، والإيمان بنظريات المؤامرة أو التأييد الخفي لأشكال الحكم الاستبدادي، هي المسيطرة على المشهد اليميني”.

وأضافت: “المواقف اليمينية المتطرفة الفردية والمواقف اليمينية الشعبوية تجد لها مكاناً راسخاً في وسط المجتمع الألماني”.

منذ عام 2006، تقوم مؤسسة فريدريش إيبرت (FES)، المؤسسة البحثية القريبة للاشتراكيين الديموقراطيين الألمان (SPD)، باستطلاع رأي الشعب الألماني حول الفكر اليميني، ومنذ عام 2014، ربطت النتائج التي توصلت إليها مع نتائج الدراسة طويلة الأجل “العداء الذي يركز على شرائح اجتماعية محددة” لمعهد البحوث المتعددة التخصصات بشأن الصراعات والعنف (IKG).

وقد جمع الباحثون في جامعة بيليفيلد بياناتهم منذ عام 2002، والتي تُنشر كل سنتين في الدراسة الألمانية المعروفة بـاسم “دراسة عن الوسط السياسي” “Mitte-Studie”.

اليمين الشعبوي ليس ظاهرة جديدة

تضمت الدراسة، التي شملت الفترة ما بين سبتمبر/ أيلول عام 2018 وفبراير/ شباط عام 2019، مقابلات ضمن استطلاع رأي عبر الهاتف مع 1890 من الألمان، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و97 عاماً. ويعود نموذج قائمة الأسئلة الحالي في مجمله إلى نموذج الأسئلة، الذي وُضع منذ عام 2002.

وتُظهر النتائج أن انتشار اليمين الشعبوي، على عكس التصور السائد، ليس بظاهرة جديدة على ألمانيا. من جهة أخرى تشير نتائج الدراسة إلى عكس ذلك: فقد كان كل شخص من أصل ثمانية متبني للفكر العنصري، خلافاً للأعوام 2018 و2019، حيث بلغت النسبة شخص واحد من أصل أربعة عشر. كما بلغ العداء للمسلمين في عام 2006 نسبة أكثر من 30 في المائة، أي أكثر بكثير عن نتائج الدراسة الماضية، حيث كانت تبلغ نسبتهم18.7 في المائة. وكانت تحظى معاداة السامية وكراهية الأجانب بشعبية مضاعفة تقرياً بين المشاركين في الاستطلاع في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مقارنة مع نتائج الدراسات الحديثة.

ترسخ النظرة الدونية لطالبي اللجوء

وتوضح شروتر أن مصطلح “كراهية الأجانب” المثير للجدل، يُستخدم في غياب بديل أفضل: “نحن نعلم أننا بهذا نوصل مشاعر غربة للآخرين”، وأضافت:”إن العداء هو نتيجة شعور بالغربة والاختلاف، الذي يوصله شخص لآخر”.

خلال السنوات القليلة الماضية، عرفت ظاهرة واحدة في نطاق اليمين الشعبوي، ارتفاعاً ملحوظاً، وهي النظرة الدونية لطالبي اللجوء، إذ عرفت نسبتها ارتفاعاً للمرة الثالثة على التوالي من 44.3 في المائة في عام 2014 إلى 54 في المائة الآن. ورفض المشاركون في الاستطلاع سخاء الحكومة في تعاملها مع إجراءات اللجوء ووجدوا أن معظم طالبي لا يتم ملاحقتهم في بلدانهم. وتقول الخبيرة من مؤسسة فريدريش إيبرت (FES): “لقد تفاجئنا بهذه النتيجة لأنها تأتي بعد انخفاض عدد طلبات اللجوء الجديدة بشكل كبير منذ عام 2016”.

غرب يساري وشرق يميني

ينتشر الفكر اليميني بالأخص في ألمانيا الشرقية. وتؤكد الدراسة الألمانية التصور السائد بأن الألمان الشرقيين يتبنون في أغلب الأحيان الفكر اليميني أكثر من الألمان الغربيين. لكن وفقاً للدراسة، فإن الفرق ليس كبيراً كما توحي الصورة النمطية. وبهذا فإن التطرف اليميني، متواجد في جميع أنحاء البلاد تقريباً. وعلى النقيض من ذلك، فإن وجهات النظر اليمينية الشعبوية أكثر انتشاراً في الولايات الألمانية الجديدة، بحسب الدراسة: بينما يرفض نصف المستطلعة آرائهم من ألمانيا الغربية، اللاجئين عموما، فإن كل اثنين من أصل ثلاثة من ألمانيا الشرقية، يفعلون ذلك. كما أن 26 من أصل 100 ألماني شرقي و 19 من أصل 100 ألماني غربي، لهم نظرة دونية للمسلمين. ووفقاً للقائمين على الدراسة “فإن الغضب الجماعي من الهجرة في الشرق أعلى بكثير( 52 في المائة) عنه في الغرب( 44 في المائة)”.

كما تقل الثقة في الديمقراطية الألمانية في الولايات الجديدة عنها في الولايات القديمة، كما أن تأييد الاستبداد الفكري أكثر انتشاراً هناك.

خصص القائمون على الدراسة الألمانية، وخاصة فرانسيسكا شروتر، فصلاً كاملاً لأسباب ذلك. وترى شروتر، التي ولدت ونشأت في دريسدن عام 1978، وعايشت النشوة وخيبة الأمل إبان إعادة توحيد البلاد، مجموعة من الأسباب منها الفهم المختلف للديمقراطية والوضع الحالي في بعض المناطق ذات البنية الاقتصادية الضعيفة.

الإيمان بنظريات المؤامرة

توجد مناطق ضعيفة البنية الاقتصادية في غرب ألمانيا. وعن هذا أيضاً، أعرب المشاركون في استطلاع الرأي عن نقص كبير في الثقة بالديمقراطية ومؤسساتها. ويبدو أن نصف من تمت مقابلتهم يعتقدون أن هناك منظمات سرية تؤثر على القرارات السياسية. وحوالي ثلثهم يشعرون أنهم غير مُمثلين بشكل صحيح، ويعتبرون القرارات الديمقراطية بمثابة “تنازلات عرجاء” ويعتقدون أن “الحكومة تُبقي الحقيقة بعيدة عن الجمهور”. أما ما يقرب من ربع المشاركين في الاستطلاع يرون أن السياسة والإعلام هما وجهان لعملة واحدة.

وإذا كان الكثير من الألمان يفكرون بشكل سيء تجاه فئات معينة في المجتمع، وكذلك عن المؤسسات المدنية والسياسية، وعن السياسة ووسائل الإعلام، فكيف يمكن أن يكون 86 في المائة من المشاركين في الوقت نفسه يعتقدون أن لا بديل للنظام الديمقراطي وأن 93 في المائة منهم يضعون الكرامة والمساواة بين الناس في المقام الأول؟ يجيب مؤلف الدراسة، فيلهلم بيرغان من جامعة بيليفيلد: “أن جزء من أفراد المجتمع لا يعطون مفاهيم القيم والمبادئ الديمقراطية حق قدرها”.

وتشكل الحركات اليمينية الجديدة، معضلة إضافية. ولتجاوزها، تضع الدراسة ثلاثة نقاط أساسية، وهي المزيد من الديمقراطية، مواجهة الأحكام المسبقة، وأخيراً عدم الاستهانة بالآراء المعادية وغير الديمقراطية.

جان د. فالتر – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها