BBC : كيف تتقن اللغة الإنجليزية لتصبح كلغتك الأم ؟
في مؤتمر صحفي أقيم على هامش بطولة فرنسا المفتوحة للتنس العام الماضي، وجد لاعب التنس الألماني ألكسندر زفيريف صعوبة في فهم الأسئلة التي طرحها عليه المراسل الصحفي الإنجليزي جوناثان بينفيلد باللهجة المحلية لمقاطعة يوركشاير، وضجت القاعة بالضحك.
وذكر بعدها بينفيلد أنه يحاول التحدث ببطء في حواراته حتى لا يساء فهمه. لكن اللكنات الأجنبية واللهجات المحلية قد تقلل فرصنا في الحصول على الوظائف، فقد أشارت دراسات إلى أن أصحاب العمل يختارون الأشخاص الذين يتحدثون الإنجليزية التي لا تخالطها لكنة أو لهجة غريبة، لشغل المناصب المرموقة أو القيادية.
لغة التواصل المشتركة
وتشير توقعات المركز الثقافي البريطاني إلى أنه بحلول عام 2020، سيصل عدد متحدثي الإنجليزية إلى ملياري شخص حول العالم، مقابل 1.75 مليار شخص الآن. ورغم ذلك، قليلا ما تجد بين هؤلاء من يتحدث اللغة الإنجليزية الصافية التي لا تنطوي على لكنة خاصة، لأن أكثرهم من غير الناطقين بالإنجليزية.
وذكر بحث أعدته شركة “أي تي في أند كومرز” البريطانية للاستشارات البحثية، أن أكثر من ربع البريطانيين واجهوا تمييزا بسبب لهجاتهم.
وعندما انتقل بول سبنسر، مُصمم بريطاني، من شرقي إنجلترا إلى لندن في عام 2003، لم يجد مفرا من تغيير طريقته العفوية في التحدث، والتخلص من لهجته المحلية حتى يترقى في العمل.
ويقول سبنسر: “لم أكن أدرك أنني أتحدث بلهجة محلية واضحة إلا عندما لاحظت نظرات الذهول على وجوه الآخرين”.
وقد شرعت الكثير من الشركات، مثل “أودي” و”آيرباس” و”رينو” و”سامسونغ”، في تبني اللغة الإنجليزية كلغة رسمية لمزاولة الأعمال في مختلف بلدان العالم، وإن كانت الشركات تطبق هذه السياسة بدرجات متفاوتة.
وكان موقع “راكوتين” للتجارة الإلكترونية أكثر صرامة في تطبيق سياسة اللغة الإنجليزية، إذ غيرت الشركة جميع قوائم الطعام في المطعم من اليابانية إلى الإنجليزية. وتشترط شركة “هوندا” للسيارات بدءا من عام 2020، تقديم شهادة تثبت إتقان الإنجليزية لشغل المناصب التنفيذية بالشركة.
وتقول كريستين ناشبرغر، أستاذة إدارة الموارد البشرية بإحدى كليات إدارة الأعمال في مدينة نانت الفرنسية، إن الشركات الآن تتجه نحو رفع إيراداتها العالمية، ولا سيما الشركات التي تعتمد على تصدير السلع والخدمات. وتكون لغة التواصل المعتمدة والمتداولة في عالم التجارة والأعمال هي الإنجليزية، ولهذا تؤثر اللهجة المحلية أو اللكنة الأجنبية على فرصك في الترقي على المدى الطويل.
ولن يؤثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على انتشار اللغة الإنجليزية، رغم أنها لن تكون من اللغات الرسمية في دول الاتحاد الأوروبي.
انطق كلمة السر
تستخدم اللهجة كمعيار للتمييز بين شخص وآخر منذ آلاف السنين. فعندما انتصرت قبيلة جلعاد على قبيلة إفرايم، (وهما من القبائل العبرانية) كما جاء في العهد القديم، كان سكان قبيلة جلعاد يميزون أبناء قبيلة إفرايم من لهجتهم.
إذ كان سكان جلعاد يطلبون من أفراد قبيلة إفرايم الذين ينكرون أنهم من الناجين، أن ينطقوا كلمة “شيبوله” التي تعني جريان المياه، لأن أبناء قبيلة إفرايم لا يمكنهم نطق حرف الشين. وقُتل حينها 42 ألف شخص من أبناء قبيلة إفرايم بعد أن أخفقوا في الاختبار.
وتقول كارولين بيلو، مستشارة طرق التدريس ومديرة التواصل بمدرسة “ساوند سنس” للغات في باريس، عن ارتباط اللهجة بالمكانة الاجتماعية: “إذا أخطأت في نطق إحدى الكلمات أو نطقتها بنغمة غير صحيحة في أحد الاجتماعات، قد ينظر إليك الحاضرون باندهاش”.
وتضيف أن الفرنسيين عندما يتحدثون الإنجليزية في الخارج، قد يرى الآخرون أن الطريقة التي يتحدثون بها باردة ومملة ومثيرة للسخرية، وأحيانا فظة أو تنم عن لامبالاة.
إعادة تدريب الدماغ
واكتشف ألفريد توماتيس، طبيب أنف وأذن وحنجرة فرنسي، أن لكل لغة نطاق ترددات خاص بها. وتستعين بعض مدارس اللغات، مثل “ساوند سنس” بجهاز يعرف باسم “الأذن الإلكترونية” لتدريب الفرنسيين البالغين على الاستماع لترددات الموجات الصوتية الصادرة عن نطق اللغة الإنجليزية.
وهذا الجهاز هو عبارة عن سماعات تبث أصواتا تنتقل عبر الهواء في صورة اهتزازات صغيرة وتمر عبر الجمجمة إلى الأذن الداخلية، فيما يشبه سماعة الأذن الطبية.
وبإمكان البشر سماع الأصوات التي لا يقل ترددها عن 20 هيرتز ولا يزيد عن 20,000 هيرتز، ولهذا لا يسمع البشر بعض الأصوات التي يمكن للحيوانات سماعها.
وتتألف كل لغة بشرية من أصوات ذات نطاق ترددات مميز، إذ تتراوح ترددات الموجات الصوتية الصادرة عن اللغة الإنجليزية بين 2,000 و12,000 هيرتز، بينما تتراوح ترددات أصوات اللغة الفرنسية بين 15 و250 هيرتز، وبين 1,000 و2,000 هيرتز. أما الروسية فتتراوح ما بين 125 و12,000 هيرتز، وهذا يدل على أن بعض اللغات نبرتها أعلى أو أكثر انخفاضا من الأخرى.
وتعتمد الطريقة التي ابتكرها توماتيس على تدريب الأذن على الاستماع لترددات أصوات اللغات الأخرى لتحسين مهارات الطالب السمعية في اللغة التي يريد تعلمها. وفي البداية يختبر الممارس الطالب سمعيا ليقيّم مدى قدرته على تمييز الترددات المختلفة.
وبعدها يستمع الطالب إلى مقطوعة موسيقية لمدة ساعتين، تكون عادة مقطوعات لموتسارت، لكنها معدلة أزيلت منها الأجزاء ذات الترددات التي أعتادت أذن الطالب على سماعها، وتكررت في المقابل الأجزاء ذات النغمات والنبرات الصوتية التي لم تألفها أذنه. والهدف من ذلك، تحفيز العضلات الصغيرة في الأذن الوسطى وتقويتها. وهذا التدريب على الاستماع يمكن ممارسته في المنزل.
وتصف فابيان بيلا، مستشارة استراتيجيات واتصالات رقمية، هذه الطريقة بأنها مفيدة، لأنها تركز على إيقاع اللغة ونبرة الصوت. فضلا عن أن استخدام الأذن الإلكترونية أثناء التدريب يساعدك على التركيز.
واستعانت شركات بهذه الطريقة لمساعدة العاملين على تحسين مهاراتهم اللغوية، مثل شركة “أي بي إم”، و”رينو” و”سيسكو”. وتستخدم طريقة أخرى تعرف باسم “بيرارد” هذا النوع من التدريب السمعي للمساعدة في تطوير اللغة.
وذكرت بعض مدارس اللغات أن استخدام التدريب السمعي قد يختصر وقت تعلم لغة جديدة بنسبة 50 في المئة.
فن الاستماع
قد يصعب التخلص من اللهجات المحلية لأنها تتطور لدينا منذ الصغر. وبينما يستطيع دماغ حديث الولادة التمييز بين جميع أصوات اللغات البشرية، فإن الطفل عندما يبلغ ثمانية شهور لا ينتبه إلا لأصوات لغته الأصلية.
ويرى بعض علماء اللغة أن أفضل سن لتعلم اللغة وتحدثها بطلاقة هو ست سنوات، بينما يرى آخرون أن بعد سن المراهقة يتعذر إجادة لغة جديدة من دون لكنة أجنبية.
وقد يجد الفرنسي الذي اعتاد على تحدث الفرنسية مثلا صعوبة في التحدث بلغة إنجليزية لا تخالطها لكنة لأن دماغه لم يعد يتمكن من تمييز جميع ترددات أصوات اللغة الإنجليزية أو النبرة الصوتية ولن يستطيع فمه أن يحاكيها.
وتقول جينيفر دورمان، مصممة إرشادات تعليمية بتطبيق “بابل” لتعليم اللغات: “إن بعض الناس لديهم ملكة لغوية، يكتسبونها في الغالب بسبب اعتياد آذانهم على الاستماع للغات متعددة في مرحلة الطفولة، أي أن أدمغتهم تعرضت لنغمات وترددات صوتية عديدة، وبات من السهل عليهم الاستماع لمختلف الأصوات لأن آذانهم ألفت مختلف الترددات الصوتية.”
ما هي الخطوات التي تساعدك على إتقان اللغة؟
يقول خبراء اللغويات إن أفضل طريقة لإجادة اللغة الإنجليزية، أو غيرها، هي الاستماع للغة والتحدث بها قدر المستطاع. ويقول رافييل دوس سانتوس، رائد أعمال برازيلي، إنه قد جرب طرقا عديدة لإتقان اللغة الإنجليزية منذ انتقاله إلى المملكة المتحدة، ووجد أن أفضل طريقة هي التمرّن على القراءة مع صديقه البريطاني يوميا.
ويقول دوس سانتوس: “كنت أقرأ عليه بعض الصفحات وكان يصحح لي النطق لأن الإنجليزية هي لغته الأم”.
وترى بولينا مونتانو رائدة أعمال روسية، وشاركت في تأسيس شركة للدعاية، أن اللهجة المحلية قد تسبب لك مشاكل إن لم يتمكن الناس من فهمك بوضوح.
وتقول مونتانو: “أعتقد أن الناس في مجتمعا أصبحوا أكثر تقبلا للتنوع العرقي واللغوي. وإذا شعرت أن لهجتك أو لكنتك ستؤثر على ثقتك بنفسك، فربما يجدر بك أن تقول لنفسك: ‘إن كل شخص يتحدث بلهجة مميزة، لكن لهجتي رائعة”. (BBC)[ads3]