اللاجئون السوريون و اليمين المتطرف في الغرب

قد نحتاج إلى بعض التعاريف المبسطة قبل الولوج في رسالتنا لهذا لأسبوع.

من الصعوبة بمكان تقديم تعريف محدد لليمين المتطرف، ولكن التسمية تنطبق بصورة عامة على الأحزاب والمنظمات والمؤسسات الغربية التي تعارض وتعادي وتحارب الأجانب في الدول الغربية، وتبني جدرا مادية ملموسة وأخرى ثقافية وسياسية وقانونية واقتصادية ولغوية لعزلهم أولا وتهميشهم ثانيا، ومن ثم تحميلهم مسؤولية ما تعانيه مجتمعاتهم من ارتفاع في معدلات الجريمة والأزمات بشتى صنوفها.

وكي نكون أكثر وضوحا نقول إن سياسات مثل هذه لم تعد محصورة في أدبيات وممارسات اليمين المتطرف. لقد شرعت بعض الأحزاب والمنظمات اليسارية “الليبرالية” تبني مشاريع متطرفة أيضا – وهو أمر لم يكن في الحسبان سابقا – بغية كسب الأصوات والحفاظ على المقاعد في المجالس التشريعية.

مهما يكن من أمر، وبعد هذا الشرح المبسط، قد يتساءل القارئ: وما ناقة أو جمل اللاجئين السوريين في كل هذا؟

وقبل الإجابة، دعني أسرد قصة قصيرة جدا عن عيادة الأسنان في المدينة السويدية التي أقطن فيها. وأعتذر عن ذكر الأسماء لحساسية الموضوع وكذلك رفض الذين قابلتهم الإفصاح عن تسمياتهم.

طبيب أسنان سوري وصل إلى السويد لاجئا قبل نحو أربع سنوات. كانت دراسته في جامعة دمشق برمتها باللغة العربية. بالمناسبة، سورية هي أول بلد عربي قام بتعريب التعليم على المستوى الجامعي؛ وحتى هذا اليوم فإن سورية هي أكثر البلدان العربية نشرا للنصوص المترجمة من اللغات الأجنبية.

في غضون سنتين، دخل هذا الطبيب سلك الطب في السويد ومن أوسع الأبواب – الأمر الذي يعد بمنزلة معجزة إن أخذنا في عين الاعتبار أن المدة هذه بالكاد تكفي لتعلم أسس اللغة السويدية؛ عدا كون أن الخدمات الطبية في السويد تعد من أكثر الخدمات رقيا وتطورا في العالم.

وبعد سنتين من العمل كطبيب أسنان عام، استطاع نيل درجة الاستشارية. واليوم صار عملة نادرة، لم يتهافت عليه اللاجئون فقط للاستفادة من مهاراته، بل السويديون ذاتهم.

من النادر أن تلتقي مسؤولا سويديا إلا ويغدق المديح على اللاجئين السوريين.

لقد قدم السوريون إلى السويد بعشرات الآلاف في عام 2014. إن أخذنا نسبة السكان في عين الاعتبار، تكون السويد أكثر البلدان في الغرب إيواء للاجئين السوريين عددا.

ولا تقف قصص نجاح اللاجئين السوريين على أصحاب الكفاءات من أمثال الأطباء والمهندسين. لقد اقتحم السوريون سوق العمل كعمال مهرة ورواد أسسوا شركات وصاروا أصحاب العمل.

وللسوريين قصة نجاح تقريبا في أي بلد حلوا فيه هربا من الجحيم في بلدهم الأصلي. بيد أن النجاح الذي حققوه في ألمانيا، البلد الأوروبي الذي استقبل أكثر من مليون لاجئ سوري دفعة واحدة في عام 2014، صار يضرب به المثل.

بعد النجاح الباهر للسوريين في ألمانيا، ودخولهم معترك اقتصاد الخدمات والصناعة، وبأعداد هائلة، خفت حدة النقد الذي كان يوجهه اليمين الألماني المتطرف لأنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، التي تحدت حتى أعضاء حزبها ومنحت اللجوء لمئات الآلاف من السوريين.

ولا تخفى الابتسامة على شفاه أنجيلا ميركل وهي تزور اللاجئين السوريين في مراكز خاصة بنتها لتأهيلهم للدخول في سوق العمل. وتشير آخر التقارير إلى أن بعض الشركات الألمانية التي وظفت السوريين لديها تطالب بقبول مزيد منهم.

وحسب التقارير في الصحافة الألمانية والعالمية، فإن أعدادا كبيرة من اللاجئين السوريين انضمت إلى الطبقة الوسطى في ألمانيا لحصولها على وظائف وأعمال ذات مردود مادي مجز، وخروجها من قوقعة الاعتماد على الضمان الاجتماعي.
وقد أثار مقال نشرته واحدة من أمهات الجرائد في أمريكا، اهتماما واسعا على نطاق العالم الغربي، حيث نقلته عشرات الصحف والمواقع الأخرى.

وكان عنوان المقال كافيا كي يحكي قصة النجاح الباهرة للاجئين السوريين: “أنجيلا ميركل استقبلتهم. لقد شرعوا في مساعدة الاقتصاد في ألمانيا”.

ويتقاطر السوريون في ألمانيا على مراكز التأهيل المهني، التي يبدو أن الألمان صاروا يتجنبونها؛ ولم لا، والبطالة هي في أدنى مستوى لها في ألمانيا في غضون ثلاثة عقود.

هناك حاجة ملحة في ألمانيا إلى العمال المهرة، الذين في غيابهم لا بد أن يتأثر النمو سلبا. ومراكز التأهيل المهني مهمتها الأساسية تحويل غير الماهرين من العمال إلى عمال مهرة.

ووفقا للتقارير، تجذب هذه المراكز كثيرا من السوريين الذي يجتازون المراحل لكسب المهارات ومن ثم الحصول على وظائف في الشركات والمعامل.

يتفق أغلب الاقتصاديين أن الاقتصاد الألماني، الذي يعد الرابع في العالم، يعاني شيخوخة في العمالة، وأن وجود اللاجئين السوريين من الشباب وبأعداد كبيرة كان بمنزلة هبة من السماء وأن الحاجة داعية إلى استقدام مزيد منهم.

وهكذا يفهم اللاجئون السوريون أن في السويد أو في ألمانيا خطاب وممارسة اليمين المتطرف المناوئ لوجود اللاجئين في الغرب بصورة عامة.

في كثير من الأحيان، الناس تكسب المعركة ليس من خلال ردة فعل مناوئة أو متقابلة بل من خلال الممارسة والسلوك. وهنا يبدو أن اللاجئين السوريين كسبوا معركتهم مع اليمين المتطرف ولم يأتوا بأي ردة فعل مناوئة.

ليون برخو – الاقتصادية[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫2 تعليقات

  1. هاد اللي اسمو حكي فاضي .. وتعالي .
    لسا لا زالت عندنا اننا شعب الله المختار واينما حللنا نشرنا الحب والاستقرار والخير ..
    بس سبحان الله إلا في بلدنا ..

  2. تمنيت لو ان المقال صحيح, لكن للاسف, كالعادة, مقال مليئ بالامال و الايجابية غير الواقعية…
    جميع الاحزاب السياسية في المانيا كانت على علم بل و رضى صامت, عن مشروع ميركل في استقدام عمالة رخيصة من سوريا. و لم يعترض احد منهم, ولا من داخل الCDU, كانت الاصوات المعارضة وجلة. و لكن ما ان حصلت الكارثة, و وقعت البقرة, حتى تدفق حملة السكاكين من كل الاحزاب, ليحققوا نصرا سياسيا على حساب ميركل, رغم انهم كانوا مؤييدين للمشروع في البداية!
    و هذا جعل ميركل تدفع ثمن غاليا جدا.
    هكذا عالم السياسة.
    كنت اتمنى لو ان قصص النجاح الي تكلم عنها صاحب المقال واقعية, و لكنها للاسف الشديد قلة قليلة جدا.
    فعدا عن الاطباء, الذين يحتاج اليهم النظام الصحي المتهالك في المانيا بشكل حاد, جميع الكفاءات الاخرى اقليه, و من حقق المطلوب منه اقل من ذلك…
    من ما يقارب ال800الف لاجيء سوري في المانيا, مازال اكثر ما يقارب ال70% منهم (حسب احصاءيات الحكومة الالمانية الرسمية للعام الماضي) جالسين عاطلين عن العمل.

    كما ان محتوى المقالة لم يتطرق الى العنوان الا بشكل سطحي جدا!