العيش وسط الأنقاض على خط الجبهة القديم في حلب
لم يعد حسن أحمد العول يرى، عندما يطل من شرفته في مدينة حلب السورية التاريخية، سوى الأنقاض – أكوام ضخمة من الحطام حيث كانت منازل جيرانه تقف قرب جبهة قتال سابقة.
وكان العول قد فر من المنطقة في بداية الصراع عام 2012 ثم عاد بعد سنوات عندما توقف القتال في المدينة بانتصار الحكومة على المعارضة ليجد منزله قائما ولكن لحقت به أضرار جسيمة.
ومثل الكثيرين غيره الذين يملكون منازل قرب جبهة القتال القديمة في حلب، وهي المنطقة التي شهدت أغلب الأضرار الناجمة عن الحرب التي دخلت عامها التاسع، أصبح يتعين عليه الآن التكيف على العيش وسط الأنقاض.
ويبدو أن موجة جديدة من القتال والقصف قد بدأت في معقل المعارضين في شمال غرب البلاد الأسبوع الماضي وقد تواجه المزيد من الأسر قريبا وضعا مماثلا.
واقترض العول (75 عاما) وزوجته (60 عاما) المال لإصلاح الجدار الخلفي الذي مزقته القذائف وطلائه من الداخل. ويقيم الزوجان بالمنزل مع ابنتهما مريم (30 عاما) وأطفالها الثلاثة وأعمارهم 9 و8 و3 سنوات.
وقال العول ”لقيت البيت محروق كلياته ومهدود الجوانب. تدينا مصاري وكان معنا شوي حطيناهن وزبطنا الأمور كلياتها. كله محروق“.
وفرشوا حجراتهم الثلاث بالسجاد والحشايا والأغطية التي تستخدم كأسرة وأرائك في الوقت نفسه. وفي المدخل تعلق المعاطف بجوار ساعة وردية اللون على شكل دب.
والمباني الأعلى التي كانت على جانبي منزهم إما دمرت بالكامل أو لحقت بها أضرار أبقت عليها قائمة لكنها جعلتها غير قابلة للسكنى. وانهار مبنى في الشارع الرئيسي المجاور في فبراير شباط مما أسفر عن مقتل 11 شخصا.
وقال العول وهو قاطع حجارة سابق إنه لا يشعر بالقلق من احتمال سقوط منزله. لكن انهياره سيعرض حياتهم للخطر وسيقضي على كل ما يملكون تقريبا.
وأبناء العول الثلاثة ملتحقون بالجيش ويقبضون القليل. وزوج ابنته في السجن والابنة بدأت لتوها العمل في تقديم الشاي للزوار في مدرسة.
ويأتي دخل الأسرة الأساسي من سيارة أجرة صفراء صغيرة تقف خارج البوابة المعدنية المليئة بثقوب الرصاص. ويؤجرها العول لسائق يعطيه نصف إيرادها. لكن السائق لم يظهر منذ خمسة أيام.
ويتعين على الأسرة دفع تكاليف الغذاء والكهرباء التي تأتي من مولد خاص يعمل بالديزل في المنطقة لأن إمدادات الحكومة لم تصل إلى هذه المنطقة بعد.
كان واحد من أكوام الحجارة والخرسانة والمعدن الصدئ التي يراها العول من شرفته ذات يوم منزل أسرة مصطفى كريم الذي يعمل سائق سيارة أجرة.
وكان والداه يملكان مبنى مطلا على المفرق مكونا من عشر طوابق ويقيمان فيه مع ابنتيهما وكان الطابق الأرضي يضم متاجر منها حلاق وسباك.
ولكنهم، مثل أسرة العول، غادروا المنطقة عندما اندلع القتال في حلب عام 2012 ثم عادوا بعد أن استعادتها الحكومة في ديسمبر كانون الأول 2016. وكان منزلهم قد انهار في المعارك الضارية في الأشهر التي سبقت نهاية القتال.
وقال كريم ”وقت اللي سمعت البناية طبت (هدمت) قلبي طب معها. يعني تحطمنا ما بقا نحسن لا نعمر ولا نعوض ولا نشتري بيت نبرك (نقعد) فيه“.
وتغطي الأنقاض ثلاث جهات من المفرق الذي يقع به منزلهم ترتفع من وسطها بقايا المباني وفي إحداها تقف شجرة زيتون ويطير حمام يربيه أحد الجيران.
وخلف شارع دمرت كل مبانيه هناك ورشة إصلاح سيارات ينكب فيها العمال على محرك سيارة كريم وهي صفراء صغيرة تشبه سيارة العول.
وعلى الجانب الآخر من الشارع الرئيسي تقيم أسرة البر في شارع جانبي. يدير حسن (41 عاما) متجر بقالة يبيع فيه الأطعمة المعلبة والبيض والحلوى.
ويقيم والداه علي وفاطمة في بضع غرف مظلمة بالطابق الثاني وقالت فاطمها إنها وزوجها بنيا المتجر في بادئ الأمر ثم الطوابق الخمس واحدا تلو الآخر فوقه.
وكان الشارع الرئيسي في هذه المنطقة، بحي صلاح الدين بحلب، هو جبهة القتال. وكان منزلا العول وكريم على جانب المعارضة وتعرضا لقصف الجيش الأكثر عنفا بما فيه القصف الجوي.
وكان منزل البر على جانب الحكومة لذلك لم تلحق به أضرار جسيمة ولكنهم اضطروا لإصلاح عدة جدران. غير أن المنزل نهب أثناء الفوضى.
وأُخذ منه كل شيء من الأثاث إلى أسلاك الكهرباء والأطر الخشبية للأبواب. وأصبح لديهم الآن أسلاك معلقة خارج الجدران. ولديهم مصباحان كبيران للإضاءة.
أنجوس مكدوال – رويترز
*النص كما ورد في النسخة العربية للوكالة[ads3]