فاينينشال تايمز : ” منعطف ألماني حاد .. صراع كسر عظم بين المستثمرين و الشركات “

“يا سيد باومان، ماذا فعلت بشركة باير؟”، السؤال الذي طرحه يواكيم كريجل في الجمعية الألمانية لحماية المستثمرين، كان مجرد واحد من عشرات الانتقادات المليئة بالانفعال ضد فيرنر باومان، الرئيس التنفيذي لشركة باير، في الاجتماع السنوي للتكتل الذي يصنع منتجات تراوح بين الأسبرين والمواد الكيماوية الزراعية في أواخر نيسان الماضي.

وأضاف: “أين تواضعك وتعاطفك مع المساهمين الذين استثمروا مدخراتهم في شركة باير؟”، المستثمرون مثل كريجل كان لديهم سبب للغضب.

تراجعت أسعار أسهم المجموعة الألمانية بنسبة 37% منذ حزيران الماضي، عندما أنهت استحواذها على مجموعة مونسانتو الأمريكية للمواد الكيماوية الزراعية، مقابل 63 مليار دولار.

هذا الغضب أثار تمرداً فريداً في تاريخ الشركات الألمانية، وللمرة الأولى، قدم المساهمون تصويتاً بحجب الثقة عن الإدارة الحالية لشركة مدرجة في مؤشر داكس، وهذا تحد غير مسبوق.

يقول مايكل فولف، أستاذ الإدارة في جامعة غوتينغن: “كان ذلك زلزالاً.. عادةً ما يغلب على المستثمرين في ألمانيا التسوية وتجنب الصراع.. هذه نقطة تحول”.

شركة باير في نواح كثيرة هي حالة خاصة، ففي آب الماضي، قررت هيئة محلفين أمريكية أن شركة “مونسانتو” لم تحذر من مخاطر السرطان المزعومة المرتبطة باستخدام مبيد “راوند آب”، قاتل الأعشاب المثير للجدل، وحكمت على شركة باير بأنها مسؤولة، ومنذ ذلك الحين، قضي على 30 مليار يورو من القيمة السوقية للشركة.

شركة باير ليست الألمانية الوحيدة التي تعاقب من قبل البورصة، فـ”دويتشه بنك”، الذي تلازمه المشكلات بسبب تحقيقات سوء السلوك بعد الأزمة، وخفض التصنيف الائتماني والمنافسة الشديدة من المصارف المنافسة في وول ستريت، شهد تراجع أسعار أسهمه أكثر من 90% في الأعوام الـ 12 الماضية.

وشركة فولكسفاجن ما تزال تكافح لاستعادة ثقة المستثمرين بعد أربعة أعوام من اندلاع فضيحة الديزل.

والأسهم في شركة وايركارد، واحدة من مجموعات التكنولوجيا المالية الرائدة في أوروبا، تراجعت في وقت سابق من هذا العام، بعد ظهور ادعاءات بالاحتيال والمحاسبة الخاطئة في مكتبها في سنغافورة.

يوجد في البلاد كثير من الأبطال الوطنيين الذين لم تمسهم فضيحة شركات مثل شركتي “ميونيخ ري” و”أليانز” للتأمين، وشركة البرمجيات العملاقة “ساب”، وشركات تصدير متوسطة الحجم.

الشركات الألمانية ما يزال لديها نصيبها العادل من أزمات الشركات، وبشكل متزايد يدور الصراع الآن بشأنها علناً.

ويبدو أن المساهمين هم أقل استعداداً لتحمل الإدارة السيئة مما كانوا عليه من قبل، ويقول يورغ روشول، رئيس كلية إدارة الأعمال في شركة “إسمت” في برلين: “من قبل، كانت الشركات تنجو من اتخاذ قرارات مشكوك فيها، أما الآن فيتم انتقادها بسببها”.

إنه تغير ثقافي كان يتراكم على مدار العقد الماضي أو أكثر، لكنه يحدث الآن بوتيرة سريعة.

ويقول أحد المصرفيين الاستثماريين الألمان: “أصبح المساهمون أكثر استعداداً للتعبير عن مخاوفهم عبر الصحافة، من خلال المحادثات المباشرة مع الإدارة أو في سلوك تصويتهم في الاجتماعات العامة السنوية”.

غالباً ما كانت الشركات محمية من المستثمرين المزعجين بموجب نظام الحوكمة المكون من مستويين في ألمانيا، الذي بموجبه يخضع مجلس الإدارة المسؤول عن الأعمال اليومية إلى الإشراف من قبل مجلس إشرافي من ممثلي المستثمرين والموظفين، والعلاقات بين الاثنين قد تكون مريحة، على أقل تقدير: على سبيل المثال، عندما ذهب باومان إلى ميونيخ لإجراء محادثات الاستحواذ مع رئيس شركة مونسانتو هيو جرانت، أخذ معه رئيس مجلس إدارة شركة باير فيرنر فينينج.

غالباً ما ينتقد المساهمون الطريقة التي ينتقل فيها كبار التنفيذيين في الشركات الألمانية بسلاسة إلى وظائف في المجالس الإشرافية: تم تعيين هانس ديتر بوتش، كبير الإداريين الماليين في شركة فولكسفاجن أثناء فضيحة الانبعاثات، رئيساً لمجلس الإدارة في عام 2015، وفي الاجتماع العام السنوي عام 2016 في الشركة، وصفه أحد المستثمرين بأنه “تجسيد لتضارب المصالح”.

المجالس الإشرافية “تصبح أقل ودية بكثير في تعاملاتها مع الإدارة من ذي قبل”، كما يقول المصرفي الاستثماري، ونتيجةً لذلك، نظام مجلس الإدارة المكون من مستويين “لا يوفر للشركات الألمانية أي شيء يشبه مستوى الحماية من المساهمين والنشطاء والمفترسين، الذي كانت تتمتع به في السابق”.

كان المساهمون في الأصل يزعزعون مشهد الشركات الألمانية حتى قبل الاجتماع العام السنوي لشركة باير في أواخر نيسان الماضي.

وفي العام الماضي، نجحت شركتا سيفيان كابيتال وإليوت مانيجمينت المستثمرتان الناشطتان، في الضغط على المجموعة الألمانية ثايسنكروب لتقسيم نفسها إلى شركتين، وكانت معركة ضارية بشكل مرير، وأولريش لينر، رئيس مجلس الإدارة في ذلك الحين، اتهم الشركتين الناشطتين باستخدام أساليب “الإرهاب النفسي” ضد كبار التنفيذيين.

كما كانت هناك أيضاً مشكلات في القمة في البورصة الألمانية، التي قال رئيسها يواكيم فابر إنه سيتنحى في وقت مبكر، وتعرض للضغط من المساهمين في مجموعة البورصة بسبب قضية تداول داخلية ضد الشركة، والرئيس التنفيذي السابق كارستن كينجيتر.

على هذه الخلفية، من غير المرجح أن يكون الاجتماع العام السنوي لشركة باير هو الاجتماع الوحيد الذي ستغلي فيه المشاعر.

يقول إنجو سبيش، مدير صندوق في شركة ديكا إنفيستمينت لإدارة الأصول الألمانية: “بالتأكيد سيكون هناك كثير من التوترات هذا العام”.

نشاط المساهمين له تاريخ قصير نسبياً في ألمانيا، حيث كان يسيطر على البلاد منذ فترة طويلة نظام معروف باسم “دويتشلاند أيه جي”، وهو شبكة معقدة من الحيازات المتداخلة بين المصارف وشركات التأمين والشركات الصناعية الكبيرة، الذي تم تصميمه جزئياً لحماية الشركات ذات الأصول الثمينة في ألمانيا من المفترسين، وهذا أدى إلى وضع شغل فيه، في مرحلة ما، أعضاء مجلس الإدارة في “دويتشه بنك” أكثر من 135 منصباً في مجالس إشرافية في شركات أخرى.

النظام المعروف أثار تصوراً بين المساهمين أنه يتم اتخاذ قرارات الشركات الكبيرة خلف الأبواب المغلقة من قبل مجموعة صغيرة من المسؤولين في الشركة، غالباً بالتعاون مع السياسيين والبيروقراطيين.

هذا الشكل من الرأسمالية تغير تدريجياً في هذا القرن. قرار عام 2001 بإلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية على بيع الحيازات المتداخلة ما أثار موجة من إعادة هيكلة الشركات، فيما يحدد قانون حوكمة جديد حد بشكل صارم عدد مقاعد مجالس الإدارة التي يمكن أن يشغلها الأفراد.

تكيفت الشركات مع المعايير الدولية للإبلاغ المالي وتبنت حزم حوافز قائمة على القيمة لمديريها.

ومع انتقال مزيد من المستثمرين الدوليين إلى السوق الألمانية، بدأ مبدأ زيادة قيمة المساهمين يتأصل.

ووفقاً لشركة “إي واي”، فإن 54% من الأسهم في الشركات التابعة لمؤشر داكس هي الآن في أيد أجنبية، وفي حالة شركة باير، يصل هذا الرقم إلى 74%.

يقول روشول: “الأعوام المريحة انتهت، والرياح الباردة لأسواق رأس المال تهب الآن على الشركات الألمانية”.

يعتقد بعض النقاد أنه ما يزال هناك مجال للتحسين، حيث يقول توماس شفيبي، المصرفي السابق في جولدمان ساكس الذي يدير الآن شركة 7 إسكوير، التي تقدم المشورة للمستثمرين: “كثير من رؤساء مجالس الإدارة في الشركات الألمانية ما يزالون عمالقة من المدرسة القديمة، وهم غير مستعدين للنظر في مصالح المساهمين، أو على الأقل ليس بالقدر اللازم”، ومع ذلك، يخضع هؤلاء الرؤساء إلى تدقيق متزايد.

وفي الاجتماع العام السنوي في “دويتشه بنك”، من المرجح أن يواجه رئيس مجلس الإدارة بول أكلايتنر أسئلةً من المستثمرين حول دوره في محادثات الدمج الفاشلة مع “كوميرتس بنك”، وهو ارتباط يُعتقد أنه كان هو الرائد وراءه.

وستضطر الإدارة إلى شرح الخسائر المستمرة وتراجع الإيرادات في المصرف الاستثماري التابع لـ”دويتشه بنك”، وأوصت شركة جلاس لويس باستشارة الوكلاء المؤثرين، وأن يصوت المستثمرون ضد المصادقة على إدارة “دويتشه بنك” في الاجتماع العام السنوي، وبررت ذلك بأنه يعود إلى “خسارة كبيرة لقيمة المساهمين”.

وقد تواجه شركة صناعة السيارات دايملر الانتقاد، أيضاً، فبعض المستثمرين غير راضين لأن الشركة وضعت ديتر زيتشه، الرئيس التنفيذي المنتهية ولايته، بالانتظار ليصبح رئيس مجلسها الإشرافي في عام 2021.

كريستيان سترينجر، العضو المؤسس للجنة حوكمة الشركات في ألمانيا، يقول إنه ينبغي على المساهمين اتخاذ قرار في أوائل عام 2021 حول ما إذا كان زيتشه هو الشخص المناسب لهذا المنصب، عندما يكونون “في وضع أفضل للحكم على إنجازاته طويلة الأجل”، ويضيف: “لا ينبغي على الرئيس الحالي مانفريد بيشوف الآن أن يتخذ قراراً مسبقاً حول ما إذا كان زيتشه هو الرئيس المناسب عندها. هذا ليس حوكمة جيدة”.

ساشا سادان، مدير حوكمة الشركات في شركة “إدارة الاستثمار القانوني والعام” القائمة في بريطانيا، يقول إنه ينبغي أن يكون هناك فترة زمنية فاصلة لمدة خمسة أعوام لكي ينتقل كبار التنفيذيين إلى المجالس الإشرافية، ويضيف: “في حين أنه يمكننا أن نفهم أن الشركات قد ترى فوائد في اختيار عضو سابق في مجلس الإدارة، إلا أننا نجد أن هناك تضاربا متأصلاً”.

وفي الوقت نفسه، سيرغب المساهمون في شركة وايركارد القلقون من فضيحة المحاسبة، معرفة مزيد حول كيف تنوي الشركة تحسين عملياتها، بعد الإعلان عن تدابير امتثال جديدة في نيسان الماضي.

ويريد سترينجر من الشركة وضع مزيد من المحترفين في مجلس إدارتها، خاصةً خبراء في مجال الامتثال والتكنولوجيا.

ويقول ماركوس براون، الرئيس التنفيذي لشركة وايركارد وأكبر المساهمين فيها على حد سواء، إنها بحاجة إلى ثقل مواز أقوى، مع خبراء في المدفوعات وفي تدقيق الحسابات”.

مسألة مجلس إدارة شركة وايركارد هو دلالة على مصدر قلق أوسع، ويقول كريستوف بيرجر، رئيس الأسهم الألمانية في شركة أليانز جلوبال إنفستورز: “هناك عدد من الشركات في ألمانيا يُمكن تعزيز استقلالية المجلس الإشرافي فيها. نعتقد أن ثلث أعضاء المجلس ينبغي أن يكونوا مستقلين، وعندما يتعلق الأمر بلجنة تدقيق الحسابات، ينبغي أن يكونوا بنسبة 50 في المائة”.

تعريفه “للعضو المستقل” صارم، والقاضي بعدم تأهل عضو مجلس الإدارة إذا كان عضواً لمدة تزيد على 12 عاماً، أو تم ترشيحه من قبل مساهم مسيطر أو كان في السابق أحد كبار التنفيذيين في الشركة نفسها، إلا إذا التزم بفترة زمنية فاصلة لمدة خمسة أعوام.

لكن كثيراً من الأعضاء “المستقلين” اسمياً في ألمانيا، قد يفشلون في تلبية هذه الشروط.

ويرغب سادان أيضاً برؤية مزيد من ممثلي المساهمين المستقلين في مجالس الإدارة الألمانية، فضلاً عن “مزيد من التنوع” من حيث “المهارات والجنسية والأصل العرقي والجنس”.

وما يزال التنوع غير الكافي يشكل مشكلة كبيرة في مجالس الإدارة الألمانية، على الرغم من أن القانون يخصص حصة بنسبة 30% للنساء، فوفقاً لدراسة أجرتها المؤسسة الفكرية “آي إم يو” في 2018، هناك 23 شركة من أصل 160 شركة تابعة لمؤشرات داكس 30 وإم داكس وإس داكس للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، لا يوجد فيها أعضاء مجلس إدارة إناث على الإطلاق.

كما تم انتقاد بعض الشركات أيضاً بسبب عدم ملء مجالس إداراتها بخبراء في الاقتصاد الرقمي، في الوقت الذي تحاول فيه الشركات الألمانية بشكل عاجل رقمنة عملياتها.

مع ذلك، هناك شركات أخرى تبرز في هذا الصدد، فقد حصلت شركة سيمنز على المديح في شباط الماضي بسبب تعيين جيم هاجمان سنابي، وهو دنماركي كان رئيساً لمجلس الإدارة السابق لشركة ساب، في منصب رئيس مجلس الإدارة الجديد، ليحل محل جيرهارد كروم، قائد الصناعة الذي خدم لفترة طويلة بوصفه رئيساً تنفيذياً، وفي وقت لاحق رئيس مجلس إدارة لشركة ثايسنكروب.

وشركة المواد الكيماوية العملاقة “باسف” جاءت بخطوة مماثلة العام الماضي، من خلال ترشيح أليكس كارب، رئيس شركة بالانتير تيكنولوجيز الناشئة لتحليل البيانات، لشغل منصب في مجلسها الإشرافي.

وتبقى هناك استثناءات، حيث يقول النقاد إن مجالس الإدارة الألمانية غير دولية بشكل لافت للنظر، ونتيجةً لذلك، تتطلع إلى الداخل بشكل يفوق الحد.

ماثيو ماير، العضو المنتدب لتدقيق الحسابات لألمانيا في إي واي، يقول إن 71% من أعضاء المجالس الإشرافية الذين يشرفون على الشركات الألمانية، و64% من أعضاء المجالس التنفيذية، هم من الألمان.

ويقول إن هذا يحدث “على الرغم من حقيقة أن هذه الشركات تجني معظم أموالها في الخارج، وأكثر من نصف الأموال المستثمرة في الشركات التابعة لمؤشر داكس تأتي من الخارج”، ما غذى التصور بأن الشركات الألمانية تظل حكراً على المسؤولين في الداخل.

يقول جارين ماركاريان من كلية أوتو بايشهايم للإدارة: “المديرون وأعضاء مجلس الإدارة والمساهمون والهيئات التنظيمية يشاركون عن كثب بشكل كبير في أي حوكمة ذات معنى تحدث.. إنه ناد خاص صغير مع كثير من المجاملات”.

مع ذلك، يرفض المساهمون التخلي عن كفاحهم الرامي إلى الحصول على مزيد من النفوذ، ويريد البعض الحق في الموافقة على صفقات الدمج والاستحواذ الكبيرة، على سبيل المثال.

يقول بيرجر: “عندما تحول الشركة ينبغي طلب موافقة المساهمين”، خاصةً “في صفقات يتغير فيها نموذج أعمالها بشكل كبير”.

ويقول منتقدو استحواذ شركة باير على شركة مونسانتو لو كانت مثل هذه القاعدة موجودة في عام 2016، قد لا تكون الشركة في الفوضى التي هي عليها الآن، وبدلاً من ذلك، بحسب تعبير سبيش من شركة ديكا في خطابه أمام الاجتماع العام السنوي لشركة باير، لقد شهدنا “تدمير القيمة على نطاق تاريخي”، وأضاف: “الإدارة أصابت شركة باير السليمة بفيروس شركة مونسانتو، ولا يوجد لديها علاج متوافر”.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها