الاقتصاد السوري و الأسد في معمعة الصراع الأمريكي الإيراني

دمشق… شوارع شبه خالية…. مواصلات نادرة… أرتال من السيارات المصطفة أمام محطات الوقود… تجمعات لعشرات السوريين أمام مجمعات الغاز والعملة السورية تتأرجح…. مشهد يعيدنا بالذاكرة لحال العراق ما بعد حرب الخليج الثاني عندما أعلنت واشنطن عقوباتها الاقتصادية على نظام صدام حسين لدفعه نحو فتح معامله العسكرية ولإخضاعه أمام الغرور الأمريكي في وقتها. فهل نحن أمام بداية نهاية نظام الأسد أم نحن أمام منعطف جديد للملف السوري والمنطقة بشكل عام؟

علاقات تحت الطاولة

مع بداية المظاهرات السلمية في سوريا تكملةً لموجة الربيع العربي بداية العقد الحالي كان من الواضح أن سوريا لن تكون كأخواتها في مصر وتونس، التشعبات والتعقيدات والأوراق المرتبطة بدمشق وموقعها وتحالفاتها لها حساسيتها الخاصة، فالأسد بالرغم من كونه امتدادا لحلف طهران في المنطقة « أو ما يسمى حلف المقاومة والممانعة « إلا أن ما بناه الأسد الأب من علاقات تحت الطاولة مع واشنطن وموسكو وباريس وتل أبيب جعل منه الحصان الأسود في تركيبة التوازنات هناك، واختياره ليقود المشهد اللبناني إبان الحرب الأهلية وما بعد الاجتياح الإسرائيلي مع رضى جميع الأطراف الفاعلة هناك والتي شملت أفرقة متناقضة يؤكد بما لا شك فيه مستوى الثقة الدولية في النظام.

في ظل التدافع في الثورة السورية وتنقلها من السلمية نحو التسليح والعسكرة ثم التدخل الخارجي المباشر وفرز مناطق النفوذ ووصولنا للنقطة الحالية من حافة الانهيار الاقتصادي فإن هذه التحولات لم تأت بشكل عبثي وإنما تم تنظيمها بشكل دقيق من اللاعبين الدوليين الكبار، فمن دون أدنى شك لو فرضت العقوبات الاقتصادية الحالية على الأسد في الأعوام الثلاثة الأولى للثورة لكانت كافية لدفعه نحو السقوط الحتمي، لهذا يجب العودة لنقطة البـداية لفهـم المـشهد الحـالي والـتالي.

النظام دفع نحو العسكرة

في البداية فإن الانجرار نحو العسكرة كان واضحا أن النظام هو من دفع الثورة نحوه دفعاً من خلال وضع الجيش أمام الاحتجاجات السلمية مع علمه أن تركيبة هذا الجيش من الأكثرية السنية وبالتالي فإن نسبة لا بأس بها ستختار الطرف الآخر على حسابه، أما اللغة الطائفية التي دفعت نحو التشدد فهي الأخرى من صنيع النظام أيضاً وعلى جبهتين، الأولى من خلال تصنيع ميليشيات طائفية تسمى بالشبيحة الذين بدورهم كانوا مسؤولين عن العديد من الجرائم الطائفية في ريف حمص وبانياس ثم توسعت لمناطق أخرى، أما الجبهة الثانية فكانت امتدادا لتحركات ونفوذ هذا النظام في الداخل العراقي ما بعد سقوط صدام حسين ونظامه البعثي، فالمخابرات السورية استطاعت خرق الجماعات الجهادية هناك لتستخدمها كسلاح ذي حدين أمام الانتفاضة السورية، للعلم أن المجتمع الدولي كان ولايزال على علم بجميع هذه التحركات فلم يمنعها أو يحجّمها لا بل سهّل حصولها.
أما من جهة الثوار ولضبط الأجواء العسكرية هناك شكلت واشنطن وحلفاؤها في المنطقة غرفتي عمليات الأولى في الشمال تحت مسمى الموم والثانية في الجنوب تحت مسمى الموك عملتا على تدجين الحراك العسكري للثورة فتحول جزء كبير من الثوار لتابعين مضطرين لهذه الغرفتين، فدخول دمشق خط أحمر والتوغل في الساحل السوري خط أحمر واقتحام مدينة حماة خط أحمر، أما التدخل الإيراني والروسي العسكري المباشر فكان هو الآخر تحت أعين واشنطن وتل أبيب وتحت إدارتهما للصراع السوري، وبهذا الشكل يصبح من الثابت أن المجتمع الدولي لا يريد إسقاط الأسد أو سقوطه مما يعيدنا للتساؤل عن سبب الخطوة الاقتصادية الأمريكية الحالية؟

أصبح من الوضح للمراقبين في الشأن السوري أن هناك نوعا من القبول الغربي والخليجي لبقاء الأسد في السلطة رغم مسؤوليته عند قتل ما يقارب المليون سوري، فالرسائل المباشرة عبر فتح القنصليات في دمشق أو غير المباشرة والتي تأتي عبر الحليف الروسي لقصر المهاجرين تؤكد هذا الاستنتاج، إلا أن الجميع بلا استثناء غير موافقين على الوجود الإيراني هناك وهذا يشمل موسكو أيضاً.

روسيا ترى في بقاء إيران في سوريا عقبة أمام استقرار الأوضاع السورية سياسياً وعائقا نحو بداية إعمار سوريا والتي تعتبر هدفاً للشركات الروسية، ومن وجهة نظر تل أبيب فإن النظام الإيراني قد قام بدوره لحرف بوصلة العداء العربي الذي كانت إسرائيل على رأسه، والوقت قد حان لتأخذ تل أبيب دور البطل أمام أعين العرب في هذا المسلسل المعد مسبقاً، وفي ظل إدارة أمريكية يقودها المحافظون الجدد المرتبطين أيديولوجياً بالدولة الإسرائيلية فإن وجهة نظر تل أبيب تبقى أولوية الأولويات.

توافق دولي

مع هذا التوافق الدولي المعادي للوجود الإيراني في الأراضي السورية والعلم المسبق بعدم قدرة الأسد نفسه على اتخاذ قرار خروجهم منها، فإن الخيار العسكري هو الآخر يصعب تطبيقه الآن، فموسكو أكدت مراراً وتكراراً أنها غير قادرة على دفع طهران خارج الجغرافيا السورية، كما تعقيدات الوجود الميليشياوي الإيراني هناك يجعل من العمل العسكري لواشنطن وتل أبيب في هذا الاتجاه عالي التكلفة مما وضع الخطوة الاقتصادية الحالية لتكون الخطة ب والمطلوب منها برأيي الشخصي ما يلي:
إن المطلوب هو أن تقوم طهران بنفسها اتخاذ هذه الخطوة المعقدة، فإيران قبل 2011 كانت ذات نفوذ في سوريا عبر الارتباط الاستراتيجي الأيديولوجي بالأسد الأب والابن، أما وجودها العسكري في وقتها فكان مختصراً بقاعدتين سريتين احداهما في جنوب حلب والثانية في محيط مدينة حمص، بالتالي خروجهم من سوريا مع ضمان بقاء الأسد في السلطة لا يعني على أرض الواقع خسارتهم للمعركة وإنما حفاظاً على مكتسبات ما حصدوه خلال الأعوام الثماني الماضية، فدولة منهارة في سوريا لا تخدم طهران فهم غير قادرين على إطعام شعبهم ليطعموا الشعب السوري. وبناءً على ما سبق أرى ان إيران ليست معترضة على الخروج من سوريا إلا أنها لا تريد اتخاذها بالمجان وإنما تحاول المساومة على هذه الورقة أمام التصعيد الحالي من قبل واشنطن في الخليج العربي.
مع ارتفاع أصوات طبول الحرب بين واشنطن وطهران فإن الملف السوري والوجود الإيراني هناك سيكون مرتبطاً بشكل حتمي بنتائج المعركة الممكنة أو طاولة التفاوض المحتملة.

إيفا كولوريوتي (محللة سياسية يونانية مختصة بشؤون الشرق الأوسط) – القدس العربي[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫2 تعليقات

  1. قريبا الروبل الروسي عملة ثانية فروسيا الان تبيع الغاز و النفط بالروبل لتدويل عملتها و تعمل اتفاقيات مع الصين و تركيا و مصر و دول اسيا الوسطى للتسعير بالروبل لتقويته – الدولار 64 روبل – و حسب لومبرغ الروبل ثاني افضل عملة اداء بعد الجنيه المصري

  2. مقال جميل و ينم عن اطلاع معمق بالواقع السوري, قلما رأيناه عند ال”خبراء” في السنين الماضية!