قيود و ضغوط متزايدة على اللاجئين السوريين في لبنان لدفعهم إلى المغادرة

وسط شارع الحمرا المكتظ في وسط بيروت، يسطّر فريق من وزارة العمل اللبنانية محضر مخالفة بحق مطعم شعبي ذائع الصيت، والسبب توظيفه 17 لاجئاً سورياً لا يحملون إجازات عمل.

جاء ذلك ضمن حملة تنظمها السلطات لمكافحة العمالة الأجنبية غير الشرعية ومنعها من التأثير سلباً على اليد العاملة اللبنانية، بحسب الإعلان الرسمي، إلا أن ناشطين ومنظمات غير حكومية يدرجونها في خانة الضغوط الممارسة على السوريين لطردهم من لبنان.

ويوقع المسؤول الإداري في المطعم يونس يونس محضر المخالفة بقيمة نحو 3300 دولار على مضض، بعد جدال طويل مع فريق من المفتشين.

ويقول لوكالة فرانس برس “ثمة مهن لا نجد لبنانياً يعمل بها.. نفتّش عن لبنانيين (..) ولا نجد أحداً”.

على واجهة مطعم آخر في منطقة الحمرا أيضاً، عُلّقت ورقة بيضاء مطبوع عليها باللون الأسود “مطلوب موظفين لبنانيين”، وأضاف إليها أحدهم بخط أحمر تعليق “لا يوجد”.

وغزت لوحات دعائية الشوارع منذ أسابيع، دعت فيها وزارة العمل أصحاب المؤسسات إلى توظيف لبنانيين، ومنحتهم مهلة شهر لتسوية أوضاع عمالهم الأجانب.

ويبرر أرباب العمل عدم حصول عمالهم على إجازات عمل بأنها تحتاج الى إجراءات تستغرق وقتاً طويلاً، وقد لا تتم الموافقة عليها بالنسبة إلى السوريين.

ويقول يونس، على غرار مسؤولي مؤسسات أخرى، إن اللبنانيين “يطلبون رواتب مرتفعة بخلاف العامل السوري”، مضيفاً “لا يمكنني استبدال معلم الشاورما السوري الذي يعمل لدي منذ سنوات في غضون أيام”.

– “عوامل ضاغطة” –

واضطرت الشابة السورية ليلى (20 عاماً)، وهو اسم مستعار، إلى ترك عملها مع أربعة سوريين، لدى مصفف شعر، بعد انذار وجهته وزارة العمل.

وتقول لفرانس برس “أعطونا مهلة 48 ساعة لنترك العمل”، مضيفة “لو كان بإمكاني العودة إلى سوريا لما بقيت، ولكن هنا علينا أن نعمل لتأمين ايجار منازلنا”.

وترى أن هذه الاجراءات تشجع اللاجئين على مخالفة القانون من أجل تأمين لقمة عيشهم.

ورغم أن هذه الخطوات قانونية في ظاهرها، لكن كثيرين يرون أنها تندرج في إطار الضغط على السوريين.

ففي شرق لبنان، أرغم لاجئون سوريون منذ مطلع حزيران/يونيو على هدم غرف إسمنتية بنوها لتحلّ مكان خيم كانوا يقيمون فيها، بطلب من السلطات. وتمّ، وفق رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري، هدم أكثر من 3600 غرفة.

وبالتأكيد، إن مثل هذا البناء غير قانوني، لكن ثمة تساؤلات إزاء توقيت القرار ودلالاته.

واعتبرت منظمة “هيومن رايتش ووتش” قرار الهدم “ضغطاً غير شرعي” ليعود اللاجئون إلى بلادهم. وعددت سلسلة اجراءات تندرج في الإطار ذاته منها “الاعتقالات الجماعية والترحيل وإغلاق المتاجر.. بالإضافة إلى قيود أخرى قائمة منذ زمن، بما فيها حظر التجول والحواجز أمام تعليم اللاجئين وحصولهم على الإقامة القانونية وإجازات العمل”.

ويرى مدير الأبحاث في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية ناصر ياسين، المشرف على أبحاث تتعلق باللاجئين السوريين في المنطقة، أن هذه الاجراءات توحي بأن “ثمة استراتيجية واضحة لخلق عوامل ضاغطة أكثر وأكثر على السوريين”.

وتترافق هذه الخطوات مع حملة إعلامية وسياسية منهجية ضد اللاجئين السوريين. إذ يدعو مسؤولون لبنانيون بانتظام المجتمع الدولي لإعادتهم إلى بلدهم ويحمّلونهم مسؤولية تردّي الوضع الاقتصادي في لبنان وتراجع فرص العمل.

ويوجد نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري وفق السلطات، بينما تفيد بيانات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين عن وجود أقل من مليون مسجلين لديها.

– “مجموعات هاربة” –

وأثارت تغريدة الشهر الماضي لوزير الخارجية جبران باسيل قال فيها إن “من الطبيعي أن ندافع عن اليد العاملة اللبنانية بوجه أي يد عاملة أخرى… فاللبناني قبل الكل”، انتقادات واسعة. كما حضّ باسيل رؤساء البلديات المنتسبين لحزب “التيار الوطني الحر” الذي يرأسه، على “منع فتح محلات لا يحق قانونياً للعامل السوري فتحها”.

ويلقى هذا الخطاب تجاوباً لدى شرائح واسعة من اللبنانيين، بينما هناك انطباع أن قلة ترفض ما تعتبره “خطاب الكراهية” ضد السوريين.

وتقول نهاد (50 عاماً) وهي ربة منزل لبنانية لفرانس برس “بتنا نتمنى أن نكون لاجئين في لبنان، إذ يحصل السوري على مساعدات شهرية وتعليم مجاني وطبابة لا يحصل اللبناني عليها”.

ولبنان بلد صغير موارده محدودة، وتنهكه الانقسامات السياسية والطائفية. وهو يتلقى دعماً من المجتمع الدولي لتمكين المجتمعات المضيفة ومساعدة المؤسسات العامة التي تقدّم لهم خدمات، كالمدارس مثلاً.

ويقرّ ياسين بوجود “ضغط هائل” يرتبه وجود اللاجئين، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى مشاركة هؤلاء في تحريك الدورة الاقتصادية.

وتبرر السلطات تحركها بالحفاظ على مصالح مواطنيها.

وتقول رئيسة دائرة العمالة الأجنبية في وزارة العمل مارلين عطالله إن الآلاف من اللبنانيين يبحثون عن فرص عمل وأن تحرك الوزارة جاء بعدما “تفاقم الوضع كثيراً ووصلتنا صرخة الناس”.

وتضيف على هامش جولة للوزارة في مناطق عدة بينها شارع الحمرا لرصد المخالفات، أنّ الحملة “تعني كل العمالة الأجنبية التي تعمل بصورة غير نظامية ولا تستهدف جنسية معينة”.

وتظاهر المئات من اللاجئين الفلسطينيين الأسبوع الماضي رداً على ما اعتبروه مساً بحقوقهم، بعد إقفال وزارة العمل مؤسسات يملكها فلسطينيون وتوقيف آخرين عن العمل لعدم استيفائهم الشروط القانونية. ويستضيف لبنان، وفق آخر إحصاء رسمي، 174 ألف لاجئ فلسطيني.

ودفعت التظاهرات وزارة العمل الى التعهد بتسهيل منح الفلسطينيين إجازات عمل. لكن يستبعد أن تشمل السوريين. ويقول لبنانيون يعترضون على وجود لاجئين سوريين في لبنان إنهم يخشون من بقاء هؤلاء في البلاد، كما حصل بالنسبة للفلسطينيين.

ويعبر ياسين عن قناعته بأن هذه الإجراءات “لن تساهم.. بزيادة أعداد العائدين الى سوريا”.

ويقول “سيبقون في أماكنهم.. وعلى الأرجح أفقر ويتحولون إلى مجموعات هاربة من الأمن والدولة اللبنانية”. (AFP)

*النص كما ورد في النسخة العربية لوكالة الصحافة الفرنسية[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها