صحيفة : دمشق تنتج عشرات الأطنان من الحلويات في عيد الأضحى .. هذه هي الأسعار و الناس غير قادرين على الشراء !
بعد تأمل طويل لأنواع الحلويات الشرقية المرصوفة بعناية مغرية خلف زجاج واجهة العرض بمحل حلويات شهير بسوق الشعلان وسط دمشق، قررت منال أن تكتفي بشراء كيلو واحد فقط من الآسية، بخمسة عشر ألف ليرة سورية، من أجل العيد، وهي المرة الأولى التي ستدخل فيه الحلويات الشرقية إلى منزلها منذ ست سنوات، ولولا أن ابنتها القادمة من بلد مجاور ستزورها في عيد الأضحى ما كانت لتشتري الحلويات التي فوجئت بأسعارها المرتفعة. تبدي منال استغرابها وتقول: «أنا أعيش وحدي بعد هجرة أولادي وهم يرسلون إليّ ما لا يكفيني للعيش المريح ومع ذلك وجدت الأسعار مرتفعة جداً، فكيف حال مَن لديه عائلة ويحتاج إلى عدة كيلوغرامات من الحلويات والسكاكر للعيد؟!».
لا توجد إجابة عن هذا السؤال المتكرر في الشارع السوري في كل مناسبة، سائق تاكسي متطوع في الأمن راتبه الشهري نحو خمسين ألف ليرة سورية (نحو 85 دولاراً) يقول ساخراً: «إعجاز المواطن السوري هو أن دخله مثلاً خمسين ألفاً بالشهر وينفق مائتي ألف بالشهر، أما كيف؟ ومن أين؟ فهنا اللغز»، وينصح سائق التاكسي بعدم الإغراق في التفكير في الإجابة وبخصوص العيد «بيدبرها الله»، وبرأيه «ليس من الضروري أكل حلويات بالعيد»، مشيراً إلى أن هناك أسعار متفاوتة و«كلٌّ حسب استطاعته».
تنتج دمشق يومياً نحو مائة وخمسين طناً من شتى أنواع الحلويات، 80% من أهل دمشق باتوا فقراء وليس لهم نصيب في تذوق الأصناف الجيدة والممتازة مما تنتجه مدينتهم، بسبب ارتفاع الأسعار التي سجلت صعوداً جديداً قبل عيد الأضحى، فأصناف الحلويات في دمشق تكشف عن عمق الفارق الطبقي الذي ضرب المجتمع السوري خلال الحرب، سواء من حيث جودة المنتج أو من حيث أماكن بيعه.
أحد مصنعي الحلويات الشرقية في باب سريجة قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الإقبال على شراء الحلويات ضعيف هذا العام قياساً إلى العام الماضي، وحركة السوق عموماً شبه راكدة رغم ما يبذله الصناعيون والتجار لإنتاج وتسويق أصناف بأسعار متنوعة تناسب الدخل عموماً كي تبقى حركة السوق شغالة»، وأضاف موضحاً أن خريطة الحلويات الشامية من حيث الجودة تشتمل على أصناف شعبية من البقلاوة الشامية سعر الكيلوغرام يتراوح بين ألفين وخمسة آلاف ليرة، وعادةً تكون مصنوعة من مواد رخيصة من سمون وزيوت نباتية، محشوة بفستق سوداني ومحلاة بسكر صناعي، وهناك أنواع متوسطة الجودة تطعّم بسمن حيواني، محشوّة بخليط من فستق السوداني مع كاجو أو جوز، أسعارها تتراوح بين سبعة آلاف وعشرة آلاف، وهناك أنواع جيدة وتكون نسبة السمن الحيواني أعلى وكذلك الجوز والكاجو وقليل من الفستق الحلبي، أسعارها بين اثني عشر ألفاً وسبعة عشر ألف ليرة، أما النوع الممتاز فعادةً يتم تصنيعه بمواد باهظة الثمن وسعر الكيلوغرام بين خمس آلاف وسبعة آلاف وفستق حلبي وسعر الكيلوغرام 15 ألف ليرة، وهذا النوع من الحلويات يُصنع عادةً بناءً على توصية مسبقة، أو يكون معداً للتصدير خارج البلد.
الفارق الطبقي في الجودة يتضح أكثر بمتابعة أماكن بيع هذه الأصناف فالأدنى سعراً توجد في أسواق المناطق الشعبية والفقيرة في ريف دمشق وفي أحياء باب سريجة والمرجة في دمشق، والأنواع المتوسطة والجيدة في أحياء الميدان وباب توما القصاع والصالحية وساروجة، أما الأنواع الممتازة فتوجد في أبو رمانة والمالكي والمزة.
أبو محمد بائع حلويات في جرمانة بريف دمشق يقول: «كل منطقة ولها طلبها، لدينا فرع آخر في الصالحية ما يباع هناك غير مرغوب هنا، غالبية السكان هنا ليس بإمكانهم دفع عشرين ألف ليرة ثمن كيلوغرام حلويات، وحتى إذا وجد زبون يدفع هذا السعر سيفضل أن يشتري من المزة، هكذا العادة».
وبينما تزداد كميات الحلويات الرخيصة والتي لا تخلو من الغش وصبغ حشوتها بلون الفستق الحلبي في المناطق الأكثر فقراً، وتخرج من خلف الزجاج لتُعرض على الأرصفة تحت الإنارات الشعبية الملونة، تراها في المناطق الراقية تقل ويزداد ثمنها، لتتوارى في خزائن زجاجية تحت إضاءة مدروسة لتضاهي بشكلها قطع المجوهرات، في محلات فخمة مكيفة، لا يدخلها سوى القلة من الأثرياء. ليكشف ذلك الفجوة الآخذة بالاتساع مبتلعة الطبقة الوسطى.
*النص كما ورد في صحيفة الشرق الأوسط السعودية[ads3]