مدرسة ابتدائية في برلين لا يُجيد كل تلاميذها اللغة الألمانية

إنه الأسبوع الأول من العودة إلى الدراسة في المدرسة الابتدائية “كريستيان مورغنشتيرن”، والتي تقع في منطقة “شباندو” الغربية في العاصة الألمانية برلين، وقد عُلق على سقف الفصل الأول إكليل بألوان مختلفة، وكُتب عليه “مبروك على بداية التعليم المدرسي”.

تحت هذا الإكليل في الفصل، يجلس حوالي 20 من تلاميذ السنة الأولى وهم يستمعون إلى مُدرسهم، وبعض هؤلاء التلاميذ (ستة أعوام) يقظون بشكل ملحوظ، فيما البعض الآخر مهتم بشكل أكبر بأقلام الرصاص الموضوعة فوق طاولتهم، وأمام كل طفل من هؤلاء، هناك بطاقات أسماء لكل واحد منهم: شاكيرا، أمينة، روي، في حين تغيب الأسماء الألمانية مثل فلوريان وشتيفان.

وسميت هذه المدرسة على اسم الشاعر والمترجم الألماني كريستيان مورغنشتيرن، ويدرس داخل جدران المدرسة 570 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و12 عاماً، وتضم ستة صفوف، وينحدر تلاميذ مدرسة كريستيان مورغنشتيرن من 42 دولة مختلفة من بينها تركيا، بلغاريا، سوريا، اليونان ونيجيريا، وهناك في الصف الأول أكثر من 80% من أطفال المهاجرين، والكثير منهم يبدأ تعليمه الابتدائي، وهو يمتلك مهارات قليلة في اللغة الألمانية.

ويتزامن الدخول المدرسي هذه السنة مع نقاش على نطاق واسع في ألمانيا، يتعلق بما إذا كان ينبغي منع الأطفال (ستة أعوام) الذين لا يتقنون الألمانية من المشاركة في الحصص في المدرسة، وكان وراء هذا النقاش كارستن لينيمان، عضو رفيع المستوى في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (حزب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل)، ففي بداية شهر آب قال هذا السياسي في حوار مع صحيفة “راينيشه بوست” الألمانية: “طفل بالكاد يتحدث ويفهم الألمانية لا مكان له في المدرسة الابتدائية”، مضيفاً أن على هذا الطفل تلقي تعليم إضافي قبل الدخول إلى المدرسة.

وأثارت تعليقات كارستن لينيمان رد فعل عنيف من طرف وسائل الإعلام الألمانية، فضلاً عن زملائه أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المُحافظ، لكن، أظهر نتائج استطلاع للرأي نشره الأربعاء الماضي معهد “إنسا” للاستطلاعات، أن جميع الألمان لا يتفقون مع ذلك.

ووجد الاستطلاع الذي شمل 2060 مواطناً أن 50.2% من المستجوبين يتفقون مع ما قاله السياسي لينيمان، فيما عبر 32.1 في المائة عن اختلافهم معه، أما بخصوص الانتماء السياسي لهؤلاء المستوجبين، فقد تبين أن الأغلبية، التي اتفقت مع ما قاله كارستن لينيمان، يدعمون حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي.

وقد قسمت تعليقات كارستن لينيمان أيضاً أساتذة اللغة، فمن جهة، يدعم بعض هؤلاء الأساتذة فكرة وضع متطلبات لغوية أكثر صرامة، وكذلك اختبار الطفل قبل أن يبدأ المدرسة الابتدائية، ومن جهة أخرى، يؤكد البعض الآخر على أهمية دمج الأطفال في المدارس الألمانية في أقرب وقت ممكن، بهدف تعزيز قدراتهم اللغوية.

وتقول كارينا غينيش، مديرة المدرسة الابتدائية “كريستيان مورغنشتيرن”، إنها من المدافعات بقوة عن إعداد الأطفال (لغوياً) بشكل أفضل قبل بدء المدرسة، بيد أنها تعارض التدابير الشاملة، وأضافت: “كما هو الحال في كل مدرسة، فإن تطور كل طفل هو مختلف (عن الآخر)”.

وقبل الدخول إلى المدرسة الابتدائية، قد تتاح لهؤلاء الأطفال إمكانية الالتحاق بما يعرف بـ”كيتا”، وهي حضانة الرعاية اليومية للأطفال، لكن، بسبب نقص الأماكن الحاصل في “كيتا”، خصوصًا في المدن الكبرى، لا يمكن للمدارس الابتدائية أن تضمن حصول كافة الأطفال على فرصة للتعلم هناك، وتنمية مهاراتهم اللغوية.

أما في مدرسة “كريستيان مورغنشتيرن”، فإن كل طفل من الفصل الأول، والذي يضم حوالي 20 تلميذاً، يضم مدرسان ومساعداً، ومن بين هؤلاء المدرسين، هناك أشخاص يتحدثون باللغة البولندية والعربية والتركية.

كذلك، يتم تشجيع الأطفال على التحدث فقط باللغة الألمانية، سواء أكان ذلك في الفصل أو في فترة الاستراحة، أما أولئك الذين يجدون صعوبة أكبر في اللغة الألمانية، فإنهم يتلقون دروساً إضافية.

وتقول مديرة المدرسة كارينا غينيش في هذا الصدد :”كلما استطعنا تلبية الاحتياجات الفردية للأطفال، كان ذلك أفضل”.

وفي الفصل الدراسي، يحتاج تعلم كل شيء إلى الكثير من الوقت، فأثناء تمرين بسيط لمساعدة الأطفال على تعلم أسماء بعضهم البعض، يظهر على الفور التلاميذ الذين يحتاجون إلى إتقان اللغة الألمانية بشكل أكبر، كما أن بعض هؤلاء الأطفال، يشعرون بالخجل في بيئتهم الجديدة (المدرسة)، بينما يكافح البعض الآخر من أجل نطق الأسماء، وذلك وسط تشجيع من المدرسين.

كما يتلقى بعض الأطفال الصغار الدعم من زملائهم في القسم، الذين يتحدثون الألمانية بشكل أفضل، وتقول فتاة صغيرة مُوجهة الكلام إلى تلميذ معها في القسم: “أستطيع مساعدتك على قول ذلك، إذا رغبت”، وبعدها ينضم القسم بأكمله من أجل تقديم الدعم.

ولا يطرح فقط تنوع مستويات اللغة الألمانية مشكلة للمعلمين في الفصل الدراسي، بل إن التواصل مع أباء هؤلاء الأطفال يُمكن أن يكون أيضاً تحدياً، وتوضح كارينا غينيش أن المدرسة تنظم أمسيات خاصة لمعرفة توقعات الآباء، وما تنتظره المدرسة بدورها منهم، كما يشجع المدرسون الآباء غير الناطقين بالألمانية على التسجيل في دورات اللغة الألمانية.

وتقول غينيش: “يبدو أن الأطفال السوريين، على سبيل المثال، يتعلمون الألمانية بسرعة كبيرة”، وأضافت: “غالباً ما نجد أن آبائهم يتعلمون أيضاً اللغة الألمانية”، وتابعت نفس المتحدثة: “حقيقةً أن الكثير من الأطفال (على غرار الوضع في مدرستنا)، يستهلون دراستهم ومهاراتهم في اللغة الألمانية قليلة جداً، لا يجب أن يُنظر إليه على أنه سلبي”، وأردفت: “يجب أن يُنظر إلى ذلك على أنه فرصة، فما نربيه هنا هو بيئة منفتحة للغاية”. (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها