ألمانيا تدق ناقوس الخطر لإنقاذ الغابات من الموت
يقول علماء البيئة إن هذه الغابات تتعرض لضغوط هائلة جراء تزايد وتيرة حدوث العواصف، وحدتها، وتراجع هطول الأمطار وانتشار الآفات، وما ينجم عن كل هذه التغيرات من أضرار كبيرة تمتد من بحر البلطيق شمالاً حتى بحيرة كونستانس في الجنوب.
وبعد تحذيرات بشأن موت الغابات في ثمانينيات القرن الماضي إثر الأمطار الحمضية التي نتجت عن تلوث الهواء، تحذر الآن منظمة “أصدقاء الأرض في ألمانيا” (بوند) المعنية بالحفاظ على البيئة من “موت الغابات – الجزء الثاني”، كانت زيادة حمضية التربة في الماضي هي السبب في فقدان الأشجار أوراقها الخضراء والإبرية، ثم الموت، أما المتهم اليوم فهو “أزمة المناخ” الناجمة عن الاحتباس الحراري، بحسب ما ذكرته “بوند” ومنظمات أخرى.
وتغطي الغابات نحو ثلث مساحة ألمانيا ولها دور كبير في الوعي القومي، وفي كتابه “جرمانيا” الذي يعود لعام 98 قبل الميلاد، تحدث المؤرخ الروماني تاسيتوس عن برابرة يعيشون في الغابات الكثيفة في الشمال، أما بالنسبة للأخوين جريم وبعض الروايات الرومانسية الألمانية التي تعود إلى أواخر القرنين الـ18 والـ19، كانت الغابات مسرحاً مفتوحاً للأساطير والقصص الخيالية.
وطالبت وزيرة الغذاء والزراعة الاتحادية في ألمانيا، يوليا كلوكنير، في تموز الماضي، بوضع برنامج لإعادة تشجير الغابات بحيث ترتفع الكثافة الشجرية بنحو عدة ملايين، وقـُدرت تكلفة البرنامج بنصف مليار يورو، على أن يتم توفيرها من الصندوق الألماني للطاقة والمناخ.
وكانت الوزيرة، التي تنتمي للحزب المسيحي المسيحي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم، التقت خمسة مسؤولين محليين معنيين بالغابات مطلع آب الماضي بمدينة موريتسبورغ، قرب مدينة درسدن، كما زارت الوزيرة منطقة غابات قريبة متضررة.
وقدم مسؤولو الغابات للوزيرة إعلانا مشتركا طالبوا فيه “بخطة رئيسية” لإنقاذ الغابات، وبتوفير 800 مليون يورو (نحو 887 مليون دولار أمريكي) من الحكومة الاتحادية على مدار السنوات الأربع القادمة لاتخاذ إجراءات إنقاذ عاجلة وبعيدة المدى.
ويقول رئيس وزراء ولاية ساكسونيا المحافظ ميشائيل كرتشمار، الذي شارك في اللقاء: “تواجه الغابات في ألمانيا حالياً وضعاً مأساوياً، بدأ بالدمار الذي خلفته عاصفة خريف عام 2017، وتأزم في موسم الجفاف الطويل العام الماضي، كما أنه يزداد سوءا في ظل استمرار الطقس الدافئ الجاف”.
وقالت كلوكنر في حوار صحفي مؤخراً: “تعاني غاباتنا دماراً هائلاً، وفقط عبر توحيد قوانا، يمكننا تحقيق المهمة العظيمة التي تنتظرنا، وهي إنقاذ غاباتنا، ليس فقط لأنفسنا بل للأجيال القادمة”.
ودعت الوزيرة إلى “قمة وطنية للغابات”، تعقد الأربعاء، وأوضحت أنها ستجري مناقشات فنية مع علماء ومنظمات معنية بالحراجة والبيئة ومسؤولين في صناعة الأخشاب.
وقالت كلونكر: “ليست مجرد مسألة استثمار ملايين اليورو في إعادة زراعة الغابات، لكنها مسألة إعادة تكييف الغابات على التغير المناخي على المدى الطويل”.
ويبدي وزير خارجية ساكسونيا توماس شميت أسفه، قائلاً: “الأخبار السيئة عن الغابات لا تنتهي.. يأتي لنا مزيد منه كل يوم.. لذلك، من الضروري أن نبدأ في التحرك”.
ويضيف شميت أن أكثر من 100 ألف هكتار من الغابات قد دُمِرت في أنحاء ألمانيا منذ العام الماضي بفعل العواصف والجفاف والآفات.
ويشير رقم استشهدت به الرابطة الألمانية لحماية الغابات إلى أن الخسائر وصلت إلى 120 ألف هكتار، وأغلب هذه المساحة من أشجار التنوب، إضافة إلى الصنوبر والزان والبلوط.
ويهدف “إعلان موريتسبورغ” ودعوته إلى وجود خطة رئيسية، هي بالفعل موضع نقاش حالياً، إلى تحديد أفضل السبل لتهيئة الغابات الألمانية لمواجهة المستقبل، وإحدى الحلول المطروحة هي استزراع غابات متنوعة الأشجار بدلاً من الغابات الأحادية التي تغطي مساحات واسعة من البلاد.
ويعد متنزه هارتس الوطني في جبال هارتس بشمال وسط ألمانيا، مثالاً واضحاً، فإذا كانت الطبيعة اتخذت مجراها دون تدخل، لكانت الأشجار الرئيسية المنتشرة في المحمية التي تصل مساحتها إلى 25 ألف هكتار، هي أشجار الزان الأوروبية، ورغم ذلك، لا يوجد منها الكثير.
ويقول المتحدث باسم المتنزه فرايدهارت كنول: “إن أقل من ثلثي مساحة المنطقة مناسب لزراعة الأشجار النفضية (التي تسقط أوراقها خلال فصل الخريف)، “مُشيراً إلى أن هذا النوع يغطي فقط حوالي 20% من مساحة المتنزه، أما باقي المساحة، فهو مغطى بأشجار التنوب المعرضة للإصابة بالآفات، وهي جنس شجري ينمو سريعاً، ودائم الخضرة وله جذور سطحية وكان له استخدامات متعددة خلال حقبة التنقيب عن الفحم في منطقة هارتس.
ويعمل طاقم عمل المتنزه بجدية من أجل تغيير هيكل الغابة، على سبيل المثال، بزراعة أشجار زان صغيرة وأشجار الجميز وجار الماء، سنويًا، وخلال الأشهر الأخيرة، لعبت العواصف العنيفة دوراً مساعداً، غير متوقع، في عملية التجديد، إلى جانب خنافس اللحاء وآفات الغابة اللاتي غالباً ما تهاجم الأشجار الضعيفة ومن ثم تسرع من وتيرة تحلل الخشب الميت أو الذابل.
وتمتلك ألمانيا 11.4 مليون هكتار من الغابات، أكثر من نصفها بقليل يندرج ضمن ممتلكات خاصة، ووفق إحصاءات الاتحاد الألماني لحماية الغابات، يُلقى باللوم على موسمي الصيف الجاف، في العامين الجاري والماضي، في تراجع سقوط الأمطار بأكثر من 200 لتر لكل متر مربع في المتوسط، مع العلم بأن غابات شرقي ألمانيا الأكثر تضررا.
وتدعو منظمة أصدقاء الأرض إلى إعادة زراعة الغابات على نطاق واسع بالتزامن مع إتاحة عمليات “صيد صديقة للغابات” للسماح للأشجار الصغيرة بالنمو.
وتقول المنظمة إن هذه الأشجار في الوقت الحالي هي الغذاء الرئيسي لنحو 3 ملايين غزال في ألمانيا، دون ذكر باقي حيوانات الغابة، وتوضح المنظمة أنه بالتبعية يلزَم خفض تعداد الغزلان على المدى القصير، على الأقل، مضيفةً أنه في المقابل يتعين زيادة أطقم موظفي الغابات لضمان صحة الغابات الألمانية في المستقبل.
ويقول اتحاد ملاك الغابات الألمانية في بيان إن “الغابات هي المُنقذ المثالي للطقس، ولكن في الوقت الحالي، هى نفسها ضحية الكارثة المناخية””.
ويدعو الاتحاد إلى “قمة وطنية للغابات على أرفع مستوى… وتمويل كاف لأعمال تطهير الغابات”، كما يتعين تعزيز البحوث المعنية بالغابات، بحسب مطالب الاتحاد.
وفي نفس الوقت، تدفع كاترين غويرينغ- اكهارت، رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب الخضر الألماني، صوب فكرة أخرى.
وفي مقابلة صحفية مؤخراً، قالت كاترين: “إلى جانب خطط إعادة تكوين الغابات، تحتاج ألمانيا إلى إطلاق حملة الغابة البكر”.
وأضافت كاترين: “يتحتم علينا وضع 5% من من أراضي الغابات تحت تصرف الطبيعة، كي تعود الطبيعة إلى طبيعتها مجدداً دون تدخل الإنسان”. (DPA)[ads3]