رشا رزق .. حنجرة سوريا الذهبية تغني في برلين

يستمر الصوت السوري في كسر جدران الصمت، رغم المحن، رغم الغربة وسنين الشتات.. هكذا تابعنا حفلاً جديدا لأوركسترا “أورنينا” السورية في العاصمة الألمانية برلين، أصوات مجموعة من أكثر الفنانين السوريين موهبة، في مقدمتهم صاحبة الصوت العذب والشعبية الجارفة رشا رزق، والمغنية الأوبرالية الكبيرة لبنى القنطار، بالإضافة إلى الشابين شادي علي وعلي أسعد.

حمل الحفل اسم “صوت من سوريا” وأقيم وسط حضور كبير على مسرح “فيلهارموني” في قلب برلين ليلتي 20 و21 سبتمبر/أيلول الجاري، ومن خلاله قدمت الأوركسترا السورية عددا من الأغاني التي مزجت فيها بين التراث السوري والتراث العربي والموسيقى الغربية.

تقول عضوة مجلس إدارة “أوركسترا أورنينا” شادية أبو حمدان في حديثها للجزيرة نت إن “الأوكسترا تأسست عام 2016 بقيادة المايسترو شفيع بدر الدين، وجاءت الفكرة في تجمعنا كموسيقيين تزاملنا أثناء فترة الدراسة، والمايسترو الذي كان أستاذا لنا في المعهد العالي للموسيقى بدمشق، والآن يمكنك أن ترى أننا في الشتات ولكن الموسيقى تجمعنا”.

وتضيف شادية “نجحتْ حفلتنا الأولى في لوكسمبورغ بالمسرح الكبير، ومن هنا جاءت الفكرة لتكرار الحفل في لوكسمبورغ العام الماضي، والآن نحاول أن نتوسع، ففكرنا أن تكون البداية من برلين، ربما لأنها خلال آخر خمس سنوات أصبحت مقصدا للكثير من الفرق الموسيقية العالمية، ولهذا أردنا التواجد في هذا المشهد والبدء في تحد جديد، ونحن نثق تماما أن أوركسترا أورنينا تقدم محتوى فريدا من نوعه، إذ نقدم موسيقى شرقية مع آلات غربية، وبهذا العدد الكبير من العازفين”.

هذا المزج الذي تحدثت عنه شادية أبو حمدان ترك أثرا واضحا لدى المستمعين الألمان الذين حضروا الحفل، من بينهم لوكاس فوكس غروبر، وهو شاب ألماني تخصص في دراسة تاريخ الفن، وقد حضر الحفل برفقة والده، وقال “لقد استمتعتُ كثيرا، حتى لو لم أفهم الكلمات.. الأمر دوما يتعلق بالعاطفة.. أعجبني أيضا هذا المزج بين الموسيقى التراثية والموسيقى المعاصرة”.

وأوضح لوكاس في حديثه للجزيرة نت أن الشيء الذي قد يصعب على الجمهور الألماني هو عدم قدرته أحيانا على الربط بين الموسيقى والقصة التي وراءها، على حد تعبيره.

وأضاف “تمنيت أن أحصل على معلومات أكثر، ربما حتى من خلال برنامج الحفل المطبوع الذي تم توزيعه علينا.. تمنيت أن أجد معلومات أكثر عن الأغاني وتاريخها وعن الفرقة أيضا، ولكن رغم كل ذلك فقد أعجبني الحفل كثيرا، وسأكرر هذه التجربة مرة أخرى”.

وإذا قررنا أن نختار أبرز فقرات الحفل فهي بالتأكيد الأوبريت الختامي الذي حمل اسم “تتابع الربيع”، والذي مزج فيه المايسترو شفيع بدر الدين بين أغان من بلاد ثورات الربيع العربي، فغنت رشا رزق جزءا من أغنية “جاري يا حمودة” الشعبية التونسية، ثم انتقلت عقب ذلك لغناء “واه ياللي” وهي أغنية شعبية مصرية، ثم استمر الأوبريت عقب ذلك بأصوات لبنى القنطار وشادي علي وعلي أسعد في أغان من عدة دول عربية في مقدمتها سوريا والسودان والجزائر.

وتعليقا على هذا التتابع بشكل خاص، أخبرتنا شادية أنهم حاولوا من خلاله المزج بين أغان قديمة جدا وبين موشحات وأدوار، حيث إن مقصد الفرقة الرئيسي هو تقديم الموسيقى العربية باختلاف درجاتها، بدءا من موسيقى النخبة ووصولا إلى الموسيقى الشعبية.

أما بالنسبة للجمهور العربي فقد كان للحفل أثر مغاير، إذ التقت الجزيرة نت خنساء حميدان -وهي شابة سورية مقيمة ببرلين- وسألناها عن رأيها فأجابت “شعرت أن الحفل مناسب لجمهور متنوع.. أعجبني أيضا محاولة المايسترو المزج بين الغربي والشرقي”.

وأضافت خنساء “بالنسبة لنا كجمهور سوري بشكل خاص، فقد استمتعت بسماع صوت لبنى القنطار الغنية عن التعريف، وأيضا رشا رزق.. أصوات جميلة تمنيت منذ كنت في سوريا أن أحضر حفلاتهم.. شيء جميل أن يتحقق هذا هنا في برلين.. يمكن أيضا أن يخفف هذا الحضور وطأة الغربة علينا ولو بعض الشيء”.

أما الطبيب المصري ضياء السواحلي فيقول “أعاد لي هذا الحفل الإحساس بالأصالة، فمهما سافرنا وعشنا في بلاد أخرى، تظل هذه الموسيقى صاحبة مذاق خاص.. أعتقد أن هذا من أفضل مميزات برلين، حيث يمكننا المرور بمثل هذه التجارب”.

ويصف السواحلي الجلوس على بعد خطوات من رشا رزق بالتجربة العظيمة، فهذا الصوت تعلّق به منذ سنين الطفولة، مضيفا أن “الأداء المنفرد لعازفي العود والقانون والناي كان مبهرا”. كما أشاد بسهولة حضور الحفل، وعدم وجود أي عوائق أمام الوصول إلى المكان أو الدخول أو حتى سعر التذكرة، وهي مصاعب تحدث عادة عند حضور الحفلات في بلادنا، حسب تعبيره.

هكذا نشعر بأثر الغربة على الجمهور العربي، هذا الجمهور الذي يشعر بالامتنان رغم كل شيء لهؤلاء الفنانين السوريين الذين ما زالوا يحاولون حفظ تراث بلدهم رغم تركهم لها رغما عنهم، نتيجة حرب لا تزال مشتعلة حتى اليوم.

حسام فهمي – الجزيرة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها