روسيا في سوريا .. 4 سنوات عجاف

في شهر سبتمبر الفائت أكملت موسكو السنة الرابعة على تدخلها في سوريا. تمكنت خلال هذه الأعوام من إعادة ترتيب قواعد الاشتباك بين القوى المتصارعة لصالحها، مستغلة عوامل متعددة (سياسية وعسكرية ـ إقليمية ودولية) مكنتها من صياغة رؤيتها الاستراتيجية ليس في سوريا فقط بل في عموم الشرق الأوسط، الذي يشهد منذ بداية الربيع العربي إلى انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران.

صراع الإرادات حوّل موسكو، المندفعة لاستعادة دورها الخارجي، إلى قوة نافذة ومقررة في كثير من الملفات، في الوقت الذي تشهد المنطقة انكفاء أميركيا وتراجعا أوروبيا وغيابا لأي مشروع عربي، مقابل اندفاعة إقليمية توسعية لطهران وأنقرة وحضور أمني إسرائيلي في كافة الملفات.

ولكن بالرغم من هذا المشهد، لم يزل مشروع الحل الروسي في سوريا مستبعدا، بسبب تعدد اللاعبين الإقليميين أولا وإمكانيات واشنطن الهائلة في قدرتها على التعطيل الجزئي أو الكلي للتوافقات الروسية الإقليمية واللعب على تناقضاتها. حيث أن كل طرف من الأطراف المشتركة في التوافقات الروسية لديه أجندته الخاصة وغالبا ما تكون متناقضة مع الأطراف الأخرى.

فتحالف المصلحة الذي تديره موسكو مع أنقرة وطهران وتل أبيب جعلها أسيرة لابتزازهم، إضافة إلى لجوء موسكو إلى الدول العربية مجددا من أجل مساعدتها على إعادة تعويم نظام الأسد سياسيا، وهو رهان ضعيف نتيجة أن موقف أغلب هذه الحكومات يأخذ بعين الاعتبار موقف واشنطن المتشدد في هذا الموضوع، والذي يربط إعادة الإعمار بمستقبل الأسد.

كذلك قامت واشنطن بقطع الطريق على كل من يحاول الاستثمار السياسي والاقتصادي في نظام الأسد من خلال قانون “قيصر” للعقوبات، الذي أقره الكونغرس قبل سنة تقريبا، الأمر الذي يزيد من حدة الارتباك الروسي، الذي يحاول إقناع الدول العربية تعويض حضورها في سوريا من خلال عودتها إلى دمشق، في الوقت الذي قامت به موسكو بترسيخ الوجود الإيراني والقبول بالدور التركي على حساب المصالح العربية، فيما فشلت في انتزاع اعتراف، ولو أولي، من واشنطن بإمكانية إرساء حلّ في سوريا وفقا للقواعد الميدانية الحالية.

يلخص الخبير في الشؤون الروسية في معهد الملك السويدي للشؤون الدولية أرون لوند الأمر بقوله إن “هناك حدودا لمدى قدرة روسيا على النهوض، وسيتعيَّن على بوتين أن يراقب خطواته وهو يتحرَّك أعمق في منطقة مليئة بالصراعات المعقدة والمتشابكة، ولا تزال البصمة الإقليمية لموسكو حتى اليوم صغيرة بالمقارنة مع بصمة الولايات المتحدة، وهي غارقة في الخلل الاقتصادي والهيكلي في الداخل، ومن غير المؤكّد أن طموح الكرملين العالمي المتضخِّم يمكن أن يستمر على المدى الطويل، وتزداد المخاطر مع ازدياد شهيّة روسيا للنفوذ”.

في 13 سبتمبر من هذا العام، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تصريحات لصحيفة “ترود” الروسية “أن سوريا تعود رويدا رويدا إلى الحياة السلمية الطبيعية، وأن أولويات بلاده الآن تقديم المساعدة الإنسانية لسوريا وتحريك العملية السياسية لحل الأزمة من أجل تحقيق الاستقرار المستدام في هذا البلد وفي منطقة الشرق الأوسط”.

لكن الوقائع الميدانية على الأرض لا تتطابق مع كلام لافروف، حيث لا يزال أكثر من 40 في المئة من الأراضي السورية خارج سيطرة نظام الأسد، وهي مناطق حيوية وغنية بالثروات، كما تكمن أهميتها بموقعها الحدودي مع تركيا والعراق إضافة إلى تكوينها الإثني والديني، حيث ترفض أغلبية السكان في المناطق العربية في محافظة إدلب وريفي حماه وحلب ـ حيث تتواجد المعارضة المدعومة من أنقرة ـ عودة النظام تحت أي شكل من الأشكال. أما في مناطق شمالي شرق سوريا، من القامشلي حتى الحسكة، التي تخضع للسيطرة الكردية، يتمسك دعاة الكونفدرالية بموقفهم المرفوض إقليميا ويدفعون الآن ثمن تخلي إدارة البيت الأبيض عن تغطيتهم، ما سمح لتركيا المتفاهمة مع موسكو وطهران بشن عملية عسكرية على هذه المناطق.

وستزيد العملية التركية من تعقيد خارطة النزاعات السورية نتيجة تبدل أولويات أصحاب النفوذ الذين توافقوا على إنهاء ملفات خاصة مرتبطة بأمنهم القومي فقط.

وفي هذا الصدد تؤكد دراسة صدرت مؤخرا عن المعهد الأميركي للسلام “أن الأسد لم ينتصر وبأن الحوادث الميدانية تخالف السردية القائلة بأن نظام الأسد خرج منتصرا، فالحرب السورية لم تنتهِ، بل دخلت طورا جديدا، ونظام الأسد يسيطر على 60 في المئة من الأراضي السورية فحسب، وقبضته ضعيفة في مناطق سيطرته خارج دمشق جرّاء افتقاره إلى عديد كاف للسيطرة، وتعسفه في مقاربة السكان وفرضه التجنيد الإلزامي، والتزامه الاقتصاص من السكان ومعاقبتهم، ويغذي الخوف من قواته، وأذرع إيران وروسيا الاضطراب، ويحول دون استقراره واستتباب الوضع في غياب عقد اجتماعي جديد يوزع الموارد توزيعا عادلا ويرسي أسس حكم لا مركزي”.

بعد ثماني سنوات على الثورة، وأربع على التدخل الروسي، تتعزز قناعة أغلب المراقبين بأن إعلان موسكو نهاية الحرب أمر مبكر، ولا يمكن تبنيه دوليا إذا ما جرت تسوية حقيقة تعالج الأسباب المباشرة لاندلاع الثورة، كما لا يمكن اعتبار أن الحل السياسي أصبح ممكنا بعد تشكيل اللجنة الدستورية التي تريد موسكو التعامل معها كبديل عن كافة مقررات جنيف والانقلاب على قرارات الشرعية الدولية وخصوصا القرار الأممي 2254 وإفراغها من محتواها.

مصطفى فحص – قناة الحرة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. لقد لعب الروس اللعبة بشكل صحيح، لعبوا بأردوغان ليسحب المعارضة من الغوطة مقابل توطينهم في عفرين.
    لكن اللعبة انقلبت على اردوغان عندما دخل النظام إلى شرق الفرات فلن تكتمل فرحته 😂