كاثيرولاثو .. سيمفونية الطناجر !

عندما قابل نظام بشار الأسد المتظاهرين بوحشية وسلط كلابه المسعورة عليهم في الشوارع، بدأ السوريون بالبحث عن طرق أخرى للتعبير عن الرأي مع ضمان -ولو بالحد الأدنى- عدم التعرض للأذى، فكانت المناشير والمظاهرات الطيارة والرجل البخاخ وغيرها، وضمن الأفكار التي طرحت أيضاً “القرع على الأواني/ الطناجر” وقد نسبت حينها للعرعور (قيل إنه أول من تحدث عنها).

بغض النظر عن كونها فكرة العرعور أو غيره، فإن الشارع الموالي سخر منها بكل بلاهة وحولها إلى نكتة سمجة تهدف للنيل من المتظاهرين والإشارة إلى أنهم همج وأغبياء وجهلة، والمدهش أن السخرية البلهاء لم تقتصر على الأشخاص العاديين، بل شملت أيضاً أشخاصاً يحسبون على علية القوم المثقفة المطلعة، من مسؤولين وشخصيات عامة وكتاب وإعلاميين ومحللين (تبين لاحقاً أن لا فرق على الإطلاق بينهم وبين أي شبيح يحمل سكيناً ويلاحق المتظاهرين).

اليوم، تطرب سيمفونية الطناجر آذان اللبنانيين -ونحن معهم- ويقابلها نشاز شبيحة بشار الأسد وشبيحة وكلائه في لبنان، وسخريتهم من الطريقة وربطها بالجهل والتخلف والتخويف / التذكير بما حصل في سوريا.

القرع على الأواني هو أسلوب قديم وسلمي وجميل، للتعبير عن الرأي والاحتجاج، وهو دليل وعي وفهم وحرية وليس جهلاً ولا غباء، كما يحلو لمؤيدي الديكتاتورية القول، وقد استخدمته الكثير من الشعوب وما زالت.

ـ Cacerolazo (كاثيرولاثو / كاسيرولاسو).. هي الكلمة (من اللغة الإسبانية) التي تعبر عن الاحتجاج بالقرع على الأواني، وقد أتت من كلمتي cacerola وتعني الوعاء الذي يوضع فيه الحساء، واللاحقة azo التي تعني الضرب أو اللكم.

أشهر “كاثيرولاثو” في العصر الحديث كانت مطلع السبعينيات في تشيلي، في عهد الرئيس سلفادور أليندي، حيث خرج التشيليون (النساء بالدرجة الأولى) إلى الشوارع واحتجوا على الأوضاع الاقتصادية ونقص السلع والمواد الغذائية الرئيسية، أما الأقدم فكانت في البرازيل عام 1964، في عهد الرئيس جواو غولار (لأسباب اقتصادية أيضاً) لكنها تكاد لا تذكر مقارنة بما حصل في تشيلي.

وعاد البرازيليون للشوارع بقدورهم وأوانيهم عام 1984، ولكن هذه بالملايين، مطالبين بالديمقراطية وإجراء انتخابات مباشرة، ومثلهم فعل التشيليون مرة أخرى في الثمانينيات.

وفي الأرجنتين عام 2008، قرع متظاهرون الأواني ضد الرئيسة كريستينا كيرشنر، وفي 2011 خرجت أعداد كبيرة من المتظاهرين بالأواني والطناجر، واحتجوا على السياسات الحكومية الاقتصادية التقشفية (تضخم – تدهور – عملة – تجميد حسابات مصرفية – …)، ومجدداً في 2012، احتجاجاً على سياسات الحكومة (اقتصاد – فساد – ضرائب – انتهاك حقوق – …).

وفي المغرب عام 2017 قرع المشاركون في حراك الريف الأواني احتجاجاً، ولأسباب عديدة عزف المحتجون موسيقاهم في آيسلندا (2008) وإسبانيا (2003/2017) وكندا (2012) والمكسيك (2006) فنزويلا (2013) تركيا (2013).

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها