صحيفة روسية : كيف تطعم ألمانيا دول المعسكر الاشتراكي سابقاً ؟
تحت العنوان أعلاه كتب فلاديمير دوبرينين في “فزغلياد” حول الدور الذي تلعبه كل من ألمانيا وفرنسا في دعم دول أوروبا الشرقية سابقا في أزماتها الاقتصادية، والجدوى الاقتصادية من ذلك.
وجاء في المقال:
“طالما اتهم الاتحاد السوفيتي سابقاً بأنه ينتهك حقوق المناطق الروسية على حساب الأقاليم السوفيتية الأخرى، حيث كانت جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية في معظم الأحوال الجمهورية المانحة، في الوقت الذي ظلت فيه معظم المناطق الأخرى تتلقى الإعانات. ذلك ما يحدث الآن في الاتحاد الأوروبي، فكم تدفع برلين وباريس للبلغاريين والبولنديين؟
وفقاً للإحصاءات الرسمية لعام 2016 (لا توجد بيانات حديثة مؤكدة في المصادر المفتوحة)، فقد أودعت بولندا في الخزينة العامة للاتحاد الأوروبي عام 2014 مبلغ 3.526 مليار يورو، بينما تلقت من الموازنة الأوروبية 17.436 مليار يورو. وتشير المصادر غير الرسمية (خبراء مجهولون، استشهدوا في كثير من الأحيان بمصادر أوروبية منشورة) إلى أن هذه النسبة تغيرت بحلول عام 2019 إلى 3 مليارات يورو أودعتها بولندا مقابل 10 مليارات تلقتها.
كما يبلغ إسهام إستونيا في الموازنة العامة للاتحاد الأوروبي للفترة من 2014-2020 مبلغ 1.4 مليار يورو، بينما حصلت على 5.89 مليار يورو، وفي الفترة من 2021-2027، سوف ينخفض المبلغ الذي يمنحه الاتحاد الأوروبي لإستونيا ليبلغ 3.285.
ووعد الاتحاد الأوروبي لاتفيا بـ 4.262 مليار يورو في السنوات السبع القادمة، وحصلت على 4.4 مليار يورو في السبع سنوات الماضية، وقبل الماضية حصلت على 4.54 مليار يورو، في الوقت الذي تبلغ فيه إيرادات الموازنة العامة للاتحاد الأوروبي من لاتفيا 444 مليون يورو (0.4 مليار يورو) سنويا.
وحتى لا نرهق القارئ بتفاصيل وأرقام الإيرادات والنفقات لجميع دول الكتلة الاشتراكية سابقا، نقتصر على ذكر اتجاه عام، هو أن دول مجموعة فيشغراد (التشيك والمجر وبولندا وسلوفاكيا) إلى جانب “نمور البلطيق” الثلاثة سوف تحصل في السنوات السبع القادمة على دعم أقل بمقدار 37 مليار يورو من الموازنة السابقة، أي أن الدعم لهذه الدول سوف ينخفض بمقدار 24%، حيث تتميز هذه الدول بقدرتها على البقاء دون دعم من الاتحاد الأوروبي على الإطلاق.
وحينما أخذت بروكسل على عاتقها عملية توزيع المهاجرين غير الشرعيين من الأفارقة والعرب، امتنعت هذه الدول عن استقبال أي لاجئين، حينها ربط الاتحاد الأوروبي بين استقبال المهاجرين وبين تلقي الدعم من الموازنة، ولم يستبعد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، احتمال مغادرة دول أخرى للاتحاد الأوروبي بعد بريطانيا العظمى، لمجرد أنه سيتم تخفيض الإعانات المقدمة لهذه البلدان إلى حد كبير أو إيقافها كليا، وشكك فيما إذا كان “من الممكن الحفاظ على الاتحاد الأوروبي بشكله الحالي”.
تأتي إيرادات ميزانية الاتحاد الأوروبي من الضرائب غير المباشرة والرسوم الجمركية على البضائع التي يستوردها الاتحاد، بينما تمثل الجهات الرئيسية المانحة فيه ألمانيا (25.815 مليار يورو سنويا)، فرنسا (19.573 مليار يورو سنويا)، إيطاليا (14.368 مليار يورو سنويا)، بريطانيا (11.341 مليار يورو سنويا)، إسبانيا (9.978 مليار دولار). في الوقت نفسه، تحمل الدول الأربع الأولى على عاتقها العبء الرئيس المتمثل في خدمة الاحتياجات المالية للاتحاد الأوروبي، حيث تتلقى من خزانة الاتحاد أقل مما تعطي.
على الجانب الآخر، تحتل جمهوريات التشيك والمجر وبولندا واليونان وبلغاريا ورومانيا قائمة المستفيدين الذين يحصلون على أموال من موازنة الاتحاد بنسبة ثلاثة إلى أربعة أضعاف ما يتلقونه من أموال، وهو ما دفع بروكسل إلى إظهار صرامة تجاه بودابست ووارسو، ووعدتهما بمعاقبتهما ماليا على “الاستبداد ومحاولات التدخل في القضاء، والذي يقوض الأسس الديمقراطية”. وبصرف النظر عن ماهية هذه الانتهاكات، المهم أن بولندا رضخت للاتحاد الأوروبي وتراجعت عن إصلاحاتها، بينما أصرت المجر على موقفها.
تحاول بولندا أن تخدم سيدين في ذات الوقت، فلا تعتمد على أموال الاتحاد الأوروبي فحسب، وإنما تحاول الركوع أمام الولايات المتحدة الأمريكية، لعلها تصبح قاعدة لواشنطن في العالم القديم، أو أن تتلقى منحة كبيرة للدفاع عن المصالح الأمريكية. وليس لدى وارسو أي أوهام أن قيادة الاتحاد الأوروبي سوف تغفر لها رفضها لاستقبال موجات الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي، ولكنها تعد قاعدة مالية اقتصادية، إذا لم تكن تلوح بـ “سنخرج وراء البريطانيين من الاتحاد”، فلعلها تؤمن لنفسها “تأمينا أمريكيا” حال اضطرت للمغادرة.
تحصل بلغاريا من الموازنة على مبلغ يساوي تقريبا 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتحصل رومانيا على 2% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تتوجه الموازنة العامة للاتحاد الأوروبي بشكل عام إلى زيادة رسوم الأعضاء القدامى لسد الفجوة التي سوف تتشكل بعد رحيل بريطانيا، والتي تصل إلى 12 مليار يورو سنويا تقريبا. لكن من الممكن أن يسبب ذلك التوجه ظهور شعار: “توقفوا عن إطعام الرومانيين!” في برلين وباريس قريبا.
لقد تم تخصيص 350 مليار دولار من موازنة الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004 لدول أوروبا الشرقية في إطار سياسة المساواة الاقتصادية، لكن كل هذه الأموال لم تجدِ نفعا لبلوغ هذا الهدف، حيث سجل مؤشر التنافسية الإقليمي الجديد، الذي تجمعه وتنشره المفوضية الأوروبية كل 3 سنوات، أن جميع المناطق الأوروبية الأكثر تنافسية تقع في غرب وشمال أوروبا، بمعنى أن دول الاتحاد الأوروبي ليست سواسية، بل هناك أقارب فقراء، تحملت دول الغرب والشمال عبئهم ولا زالوا على نفس الوضع.
ترى هل يعتلي الحصان الفائز من يستمع إلى ما قاله الرئيس بوتين يوما، حينما قال إن تحقيق النمو الاقتصادي مرهون بتغيير الشركاء في المستقبل القريب؟ عدا ذلك، سيتكرر ما حدث مع بريطانيا التي كانت تدفع إلى بروكسل ثلاث أضعاف ما كانت تحصل عليه.
يبدو أن بولندا والمجر تفكران فعليا في الاختيار بجدية، وإذا كانت بولندا قد حسمت اختيارها عبر الأطلسي ناحية الغرب، فالمجر تفضل التوجه شرقا، وليس من قبيل الصدفة أن يطلق على رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، داخل الاتحاد الأوروبي “حصان طروادة” للكرملين”. (RT)[ads3]