لماذا تريد منك شركات الطيران أن تسافر بالقطار ؟
قد لا نكون جميعاً لدينا استعداد للتخلي عن السفر جواً وتعويض ذلك برحلات بَحرية تستغرق أسابيع عبر المحيط الأطلسي، لكن فكرة التخلي عن الرحلات الجوية القصيرة في مقابل السفر بالقطار قد تبدو، بالنسبة لكثيرين، أكثر عملية.
بدلاً من التذمر من خسارة إقبال الركّاب الأكثر وعياً بالقضايا البيئية، بدأت بعض شركات الطيران تبني فكرة الانتقال إلى السكك الحديدية، إذ أعلنت شركة الخطوط الجوية الهولندية KLM مؤخراً عن خططها لعقد شراكة مع شركات القطارات الأوروبية Thalys وNS لاستبدال خدمة القطار فائق السرعة بواحدة من رحلاتها الجوية الخمس اليومية بين أمستردام وبروكسل، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
وفي مختلف أنحاء أوروبا، تقدم شركة الخطوط الجوية النمساوية خدمة «AIRail»، وهي خدمة نقل بري أخرى بشراكة مع شركة السكك الحديدية الوطنية ÖOB. وفي ألمانيا، تتعاون شركة الطيران Lufthansa مع شبكة قطارات السكك الحديدية Deutsche Bahn.
من الواضح أن هناك مبررات تجارية. استبدال رحلات القطارات بالرحلات الجوية القصيرة يؤدي إلى إفساح مجال كبير في صالات الوصول والمغادرة بالمطارات يمكن استغلاله لإضافة مزيد من خدمات الرحلات الطويلة الأكثر ربحاً. كما تجعل هذه الفكرة خطوط الطيران تبدو أكثر حرصاً على البيئة، حتى لو لم تكن هناك فوارق تُذكر على المدى الطويل في انبعاثات الكربون.
كما يوضح خبير القطارات، مارك سميث، مؤسس موسوعة طريق السكك الحديدية «The Man in Seat 61«، فإن هذه الخطوة التي أقدمت عليها شركات الطيران باستخدام خدمات السكك الحديدية بدلاً من الرحلات الجوية تجمع بين «العلاقات العامة الجيدة» و «أسباب تجارية».
وقال سميث لموقع CNN Travel: «هناك توجه عام حالياً للحد من انبعاثات الكربون في الرحلات، وتُدرك شركات الطيران أنها قد تلفت الأنظار بهذه الخطوة».
وأضاف: «هذا النوع من القرارات يُقابل بردود فعل جيدة على صعيد العلاقات العامة، في حين أن هناك أسباباً تجارية قوية ومنطقية تدفع شركات الطيران نحو ذلك، من خلال إفساح مجال أكثر أمام الرحلات الجوية الأطول».
لا تُخفي شركة الخطوط الجوية KLM الأسباب التجارية التي تدفع نحو إلغاء إحدى رحلاتها الجوية القصيرة بين أمستردام وبروكسل، ولكنها تصر على أن ذلك القرار سوف يساعد، على المدى الطويل، حملة «مسؤولية الطيران»، التي تنصح الركاب بعدم اصطحاب كثير من الأمتعة وتعويض انبعاثات الكربون الناتجة عن سفرهم.
وقالت مانيل فريجينهوك، المتحدثة باسم شركة KLM لموقع CNN Travel: «إذا كان يمكننا حقاً توفير خدمة متقاربة من خدماتنا الحالية، فسوف نفكر في تبديل مزيد من الرحلات الجوية القصيرة بالمستقبل».
وتضيف أنه من خلال إلغاء واحدة من كل خمس رحلات بين أمستردام وبروكسل تقلع من مطار سخيبول، تسهم KLM في مهمة قطاع النقل الجوي الهولندي بتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 35% بحلول عام 2030.
وتقول فريجينهوك: «تلتزم KLM تحقيق مستقبل مستدام للطيران، وجزء من هذا الالتزام هو رغبتنا في تقليص انبعاثاتنا الكربونية»، أما بالنسبة للمسافرين، تشير الإحصائيات إلى أن الناس أصبحوا أكثر استعداداً للنظر في السفر بالقطارات لمسافات أطول.
في بريطانيا، تقول شركة قطارات Virgin Trains، التي تدير خطوط السكك الحديدية على الساحل الغربي للبلاد على مدار العقدين الماضيين، إن حصتها من الركاب المسافرين بين لندن وغلاسكو ارتفعت بمقدار 29% في 2019، وأرجعت الشركة ذلك إلى اختيار الركّاب السفر بالقطار بدلاً من الطيران.
بالنظر إلى أن زمن السفر لمسافة 650 كيلومتراً يصل إلى نحو 4 ساعات ونصف الساعة بالقطار، ونحو ساعة وربع الساعة جوّاً، وتقارب الأسعار نسبياً بين الوسيلتين، فلا بد من أن هناك دافعاً آخر وراء تفضيل الناس السفر بالقطارات.
قد يعكس ذلك أيضاً تزايد شعبية حركات مثل «عار الطيران» التي انطلقت من السويد مؤخراً، والتي أيّدت فكرة اللجوء إلى القطارات عند السفر لمسافات قصيرة بدلاً من الطيران.
يقول مارك سميث: «أشك في أن يبث ذلك الرعب في قلوب شركات الطيران. على الأرجح سوف تبدأ شركات الطيران في التركيز أكثر على الرحلات الطويلة والتخلي تدريجياً عن الرحلات القصيرة».
كما أوقفت اتفاقيات الشراكة مع شركات القطارات خسارة المزايا الاحتكارية التي تتمتع بها شركات الطيران في هذا السوق المتغير. وبالنسبة للعملاء، تعد هذه فرصة أيضاً لاستخدام أو ربح أميال جوية والاحتفاظ بعضوية نادي شركة الطيران.
للتأكد من عدم وجود أي سوء فهم، توضح شركات الطيران من البداية للركّاب أنهم سوف يسافرون بواسطة القطارات، ويطبعون ذلك بشكل واضح على التذاكر.
وتقدم الأنواع المختلفة من شركات قطارات السكك الحديدية خدمات مختلفة، بحسب ما اورد موقع “عربي بوست”، على متن قطارات أمستردام-بروكسل، تعِد شركة KLM «بسرعات وموثوقية وراحة مماثلة لما تقدمه الرحلات الجوية للركّاب».
تقول فريجينهوك: «سوف يكون هناك مكتب تسجيل دخول مخصص في سخيبول بحلول عام 2020، لجعل عملية التواصل مع ركاب القطارات من بروكسل سلسة وانسيابية».
تستخدم خدمة AIRail التي تقدمها الخطوط الجوية النمساوية قطارات ÖBB بين فيينا ولينز، تعمل بأرقام الرحلات المحددة. ويحصل العملاء على قسائم لوجبات الطعام يمكنهم صرفها من مطعم القطار، في حين بإمكان المسافرين على درجة رجال الأعمال استخدام صالات ÖBB بمحطات لينز وسالزبورغ المركزية.
تعمل الخدمة منذ 2014، وأصبحت الآن من خدمات السفر الراسخة في أوروبا.
ويقول ليونارد شتاينمان، المتحدث باسم الخطوط الجوية النمساوية، لموقع CNN Travel: «في العام الماضي، ألغينا خدمة الطيران بين فيينا ولينز، لأن تقديم الخدمة عبر السكك الحديدية كان يسير على نحو جيد».
وحدث أمر مماثل عندما بدأت الخطوط الجوية الفرنسية تتعاون مع شركة السكك الحديدية الفرنسية SNCF، في إطار الخدمات عالية السرعة بين باريس وبروكسل.
وعلى متن هذه الرحلة فائقة السرعة، التي تستغرق عادةً أكثر من 80 دقيقة بقليل، تشتري الخطوط الجوية الفرنسية مجموعة من المقاعد وتديرها بمثابة مقصورة طائرة، مع تسجيل الحقائب والأمتعة قبل الرحلة وإعادتها إلى الركّاب عند وصولهم إلى وجهتهم.
ويقول باتريس تيتارد، المتحدث باسم الخطوط الجوية الفرنسية: «تقدم الخدمة تجربة حقيقية لخدمات الخطوط الجوية الفرنسية». وتمكنت بذلك من إلغاء رحلاتها الجوية بالكامل بين باريس وبروكسل.
ويوضح تيتارد: «لم يعد من المنطقي مواصلة الرحلات الجوية بين باريس وبروكسل، المسافة قصيرة جداً. ولكن لا تزال هناك حركة مرور كبيرة جداً بين المدينتين، وأردنا العمل عليها، لذا أنشأنا هذه العلاقة التجارية».
وفي ألمانيا، ألغت شركة الطيران Lufthans رحلاتها القصيرة من فرانكفورت إلى كولونيا بفضل شراكتها الناجحة مع شركة النقل الألمانية Deutsche Bahn، والتي يسافر بموجبها الركّاب عبر أنحاء ألمانيا في مقصورات مخصصة.
ويقول بوريس أوغورسكي، المتحدث باسم شركة Lufthansa: «الركاب المسافرون بالقطار يظلون عملاءنا، إذ يسافرون بتذكرة Lufthansa، ولكن براً وليس جواً».
يقول شتاينمان، من الخطوط الجوية النمساوية: «دوماً ما يكون العامل الحاسم هنا هو البديل المتاح للركّاب، كما يلعب الموقع الجغرافي والبنية التحتية دوراً محورياً في هذه المسألة. إذا كان مسار السفر عبر القطار يستغرق وقتاً طيلاً جداً، يجب توفير الظروف الملائمة مسبقاً».
ربما تكون السرعة العامل الأهم. في الحالات التي حلّت فيها خدمة القطارات محل الرحلات الجوية، عادة ما تكون هذه الخدمة عالية السرعة وموثوقة وفعالة وذات معايير عالية.
وعندما لا تتوافر إلا خدمات طويلة وبطيئة، عندها تظل اليد العليا والأفضلية للرحلات الجوية القصيرة.
يقول تيتارد، من الخطوط الجوية الفرنسية: «لا تقدم القطارات دائماً حلولاً مريحة تلبي احتياجات الركاب، لا سيّما رحلات الذهاب والعودة في اليوم نفسه لرجال الأعمال».
ومن غير المفاجئ أيضاً أن هذه التجارب الناجحة تقتصر على المدن التي بها مطارات ذات محطات سكك حديدية متكاملة.
ويشير أوغورسكي، من شركة طيران Lufthansa، إلى أنه على الرغم من نجاح خدمة السكك الحديدية من فرانكفورت، فإن عملية إعادة توجيه ركّاب الطائرات إلى ومن القطارات في ميونيخ ستكون أكثر صعوبة، إذ لا توجد محطة قطارات للمسافات الطويلة في المطار.
لن يقبل الركاب بالبديل إلا إذا اعتبروا الخدمة مكافأة، إن لم تكن أفضل، لما يحصلون عليه جوّاً.
وكما أوضح أوغورسكي، الأمر يتعلق بكل من «الربحية، والحفاظ على ولاء العملاء، والجوانب البيئية».
وتدرك شركات الطيران أن العملاء إذا لم يرغبوا في السفر بالقطار، فسوف يبحثون عن عروض شركات الطيران المنافسة من أجل الطيران إلى وجهتهم.
وعبر الأطلسي، اعتاد المسافرون الأمريكيون استخدام الرحلات الجوية القصيرة للتنقل في أنحاء البلاد، بسبب عدم وجود شبكة سكك حديدية كبرى بين المدن.
لا توجد أي شراكات بارزة بين شركات الطيران والسكك الحديدية. هناك شراكة بين الخطوط الجوية United Airlines وشركة السكك الحديدية Amtrak تسمح بنقل المسافرين من وإلى مطار نيوآرك الدولي للسفر عبر خط «الممر الشمالي الشرقي» لشركة Amtrak، وجمع نقاط نظام المسافات الخاص بشركة United.
وفي الوقت نفسه، تضخ شركة Virgin، المعروفة بطائراتها وقطاراتها، أموالاً ضخمة بمشروع سكك حديدية عالية السرعة في فلوريدا.
يقول مارك سميث إن الولايات المتحدة تحتاج شراكة واحدة ناجحة مع خطوط السكك الحديدية، لكي تتحول الخدمات الأخرى إلى هذا النهج، ويرى إمكانية البداية بخدمة سكك حديدية تربط بين لوس أنجلوس ولاس فيغاس.
ويقول سميث: «هناك إقبال كبير على الرحلات الجوية بين المدينتين، ولكن المسافة 480 كيلومتراً فقط. لذا يمكنك ركوب قطار سريع وتتخلى عن تلك الرحلة الجوية».
ويضيف: «أعتقد أن الأمر سوف يبدأ بخدمة واحدة قبل أن يدرك الجميع في الولايات المتحدة أن وجود خط عالي السرعة يربط المدن الكبرى التي تفصل بينها 300، أو 400 أو 500 كيلومتر فقط أمر منطقي للغاية».
ويقول إن البيئة الأوروبية بحدودها المفتوحة يسّرت كثيراً مشاركة خطوط الطيران مع القطارات.
ولكن بالنظر إلى التكاليف الباهظة التي قد ينطوي عليها هذا النهج، ستميل شركات السكك الحديدية وشركات الطيران إلى استخدام خبراتها المشتركة من أجل أن تقدّم للمسافرين تجربة مجزية وسريعة وصديقة للبيئة.
وفي المستقبل الذي قد تظهر فيه خيارات أخرى للنقل فائق السرعة مثل «هايبرلوب» (Hyperloop)، لن نفاجأ إذا أصبحت شركات الطيران التي تقتصر خدماتها على الرحلات الجوية مجرد ذكرى بعيدة.[ads3]