اللاجئون الإيزيديون في ألمانيا ممزقون بين الرغبة في حياة جديدة و الحنين للوطن

عندما وصلت سلوى راشو إلى ألمانيا قادمة من العراق صيف عام 2015، لم تكن تشعر بشيء سوى الحزن.

وتقول راشو الآن: “لم أكن أعرف ولو كلمة واحدة باللغة الألمانية، ولم أكن أعرف أي شخص هنا، ولم أكن أعرف شيئًا عن ثقافة البلاد… لقد وجدت نفسي فجأة هنا”.

وكانت عائلة راشو وأصدقاؤها بعيدين، أو ربما فارقوا الحياة. وقد تملكها اليأس وكانت تبكي كثيرًا. ولكن بعد مرور عام على وصولها إلى ألمانيا، بدأت في إقامة حياة جديدة.

وتعتبر راشون التي تبلغ من العمر الآن 21 عامًا ، واحدة من حوالي ألف امرأة وصلن إلى ولاية بادن فورتمبيرج بجنوب غرب ألمانيا وفق “حصة خاصة” من اللاجئين منذ عام 2015. وكانت الولاية بقيادة رئيس وزرائها وينفريد كريتشمان، قررت استضافة النساء والأطفال الذين سقطوا ضحايا لتنظيم (داعش) الإرهابي.

ووفقا لتيريزا شوبر، النائبة ببرلمان الولاية، لم تكن هناك خطة عمل لتنفيذ ذلك، وكانت المعارضة شديدة في البداية .

وقرر كريتشمان اتخاذ إجراء بعدما شاهد صورا لليزيديين الذي يعانون الاضطهاد. وعندما اجتاحت قوات داعش شمال العراق صيف عام 2014، لقي الآلاف من الرجال اليزيديين حتفهم، وجرى اختطاف آلاف النساء والأطفال، ثم استعبادهم وإساءة معاملتهم، وتم بيع العديد منهم كالماشية.

ووصفت الأمم المتحدة ذلك بأنه يمثل أعمال إبادة جماعية بحق أقلية دينية. وبعد طرد “داعش” من المنطقة في نهاية المطاف، تم العثور على عدة مقابر جماعية. وحتى يومنا هذا، لا يزال مصير حوالي 3000 يزيدية مجهولاً.

كانت راشو نفسها وقعت في الأسر لدى تنظيم داعش حيث قضت ثمانية أشهر، وهي لا تحبذ الحديث عن هذه الفترة، فلن تسعفها الكلمات لتصف التجربة التي خاضتها. وتمكنت راشو من الفرار في أبريل عام 2015 لتقيم مع والديها في مخيم وسط ظروف شديدة الصعوبة. ولم تكن ترغب في مغادرة العراق، أو فراق أسرتها، لكنها لم تجد خيارا آخر في نهاية المطاف.

كيف كان سيصبح وضعها في العراق لو أنها مكثت هناك؟ وترد راشو: “لا أعرف، ولكن من المؤكد ليس جيدا.”

ومنذ وصول راشو إلى ألمانيا، لحق بها بعض أفراد أسرتها.

وبالإضافة إلى ولاية بادن-فورتيمبرج، استضافت ولايات ساكسونيا السفلى وبراندنبورج وشليسفيج هولشتاين الألمانية، يزيديين، وهو ما فعلته كذلك دول مثل كندا وفرنسا وأستراليا.

وبحسب شوبر، هناك خطط في ألمانيا لقبول مزيد من الإيزيديين، لكن تنفيذها لم يؤكد بعد بسبب الوضع السياسي الصعب على الحدود بين العراق وسورية .

وقام فريق بقيادة الطبيبة الألمانية فلوريان جون، بتحقيق عملي عن مشروع بادن – فورتمبرج، حيث أجرى مقابلات مع أكثر من 100 متطوعة. وأبدى حوالي 90 في المئة منهن رضاهن عن برنامج التوطين . وشملت الجوانب الإيجابية التي تطرقن إليها السلامة، وتوفير الغذاء والمسكن والدواء، ورعاية الأطفال.

وانتقدت المشاركات أماكن الاقامة المزدحمة في بادن فورتمبيرج، واضطرارهن إلى فراق أسرهن في العراق، تماما كم فعلت راشو.

وقالت جون إن معظم النساء ما زلن تصارعن العواقب الصحية الناجمة عن الصدمات النفسية التي تعرضن لها، غير أنها فوجئت بالقوة والإرادة من أجل مواصلة الحياة التي أظهرتها النساء.

وقالت شوبر إن العديد من النساء في طريقهن إلى بناء حياة جديدة من خلال الالتحاق بالمدارس أو التدريب المهني.

وليست راشو استثناء، فقد تعلمت الألمانية، والتحقت بالمدرسة وتتحدث علناً عن مصيرها ومصير الإيزيديين. وتمارس راشو بانتظام رياضة “كيك بوكسينج” (رياضة الملاكمة مع الركل)، وكرة القدم، وتقرأ كثيرا وتحاول أيضًا التكيف مع تجاربها المؤلمة من خلال العلاج .

وأضافت راشو: “أيامي مفعمة بالأنشطة”، وهي تسافر على نحو منتظم إلى العراق لمساعدة الأيتام والأطفال الذين كانوا في الأسر لدى تنظيم داعش، وتقول: “نحاول أن ندخل البهجة على نفوسهم ورسم الابتسامة على وجوههم”.

ورغم ذلك كله، لا تزال راشو ممزقة بين الرغبة في العيش في ألمانيا، والحنين للعراق، حيث تقول: “عندما أكون هناك ، انسى أنني كنت في ألمانيا. وعندما أعود إلى ألمانيا ، انسى أنني كنت في العراق في مرحلة ما” .

وتتمنى راشو أن تستطيع العيش في وطنها مرة أخرى في مرحلة ما من عمرها. ورغم كل الحزن الذي شعرت به عندما وصلت إلى ألمانيا، فإنها تقول إن “الحصة الخاصة” كانت مهمة بالنسبة لها، مضيفة “نستطيع في ألمانيا أن نسرد ما جرى لنا، ونستطيع أن نعيش من جديد”. (DPA)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها