” سر المؤامرة ” .. لماذا أزعج اجتماع ترامب و لافروف أمريكا ؟

“وصف عدد من السياسيين الأمريكيين المعروفين زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى واشنطن، بأنها نجاح للدعاية الروسية، ومؤامرة ترامب السرية. دعونا نحاول معرفة السبب الذي جعل من هذه الزيارة حدثا تابعته وسائل الإعلام الأمريكية على نطاق واسع الأسبوع الماضي.

تلقفت الصحافة الأمريكية أنباء الزيارة بانتقاد واسع، حيث انزعج المنتقدون من عدم استقبال ترامب للرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، عقب اجتماع “رباعية النورماندي” واستقبال وزير الخارجية الروسي بدلا منه، ووصف عضو الكونغرس الأمريكي، آدم شيف، لقاء ترامب ولافروف وبومبيو بـ “المؤامرة السرية” ممازحا. لكن في كل مزحة، كما يقول المثل الروسي، جزء من الحقيقة.

كان اللقاء بين ترامب ولافروف روتينيا عاديا، لكن منتقدي الرئيس رأوا فيه إهمالا للمعارضة الأمريكية، وكأن لسان حال ترامب يقول: إذا كانت المعارضة قد بدأت محاولات عزلي، فلم أعد أخشى من أي تهديدات، وسأفعل ما أشاء، وسألتقي الروس.

من المثير للاهتمام، هو أن المعارضة لم تتطرق لجوهر الاجتماع، وكل ما دار الحديث عنه هو حقيقة لقاء الرئيس الأمريكي بوزير خارجية روسيا، في الوقت الذي يصعب فيه تخيل ألا يتحدث ممثلو قوتين عظميين، فهناك الكثير من قضايا النقاش الساخنة حول العالم. في الوقت نفسه كانت هستيريا الديمقراطيين هي ما حرر الرئيس ترامب في نهاية المطاف من أعباء ما كان يمنعه في السابق من لقاء المسؤولين الروس.

كذلك كان من الإيجابي في هذا السياق غياب المسؤولين رفيعي المستوى في البيت الأبيض ممن يتميزون بمشاعر مناهضة لروسيا، ولطالما وقفوا حجر عثرة في طريق تطبيع العلاقات مع روسيا، مثل جون بولتون، الذي كان من أعتى “الصقور” في البيت الأبيض المناهضين لروسيا.

وعلى حد تعبير وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، فقد طرح موضوع التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية، حيث حذر بومبيو، وفقا للأمريكيين، لافروف من التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، إلا أن وزير الخارجية الروسي نفى أن يكون موضوع “التدخل الروسي” قد طرح على طاولة الحوار. ويبدو من ذلك التناقض أن أحد الطرفين يحاول “التعتيم” على تلك القضية، حيث من الممكن أن يكون من المفيد للجانب الأمريكي أن يعلن عن تحذيره للجانب الروسي، بغرض الاستهلاك الإعلامي المحلي داخل الولايات المتحدة الأمريكية من أجل طمأنة الديمقراطيين، الذين يعتبرون موضوع “التدخل الروسي” في الانتخابات أمرا مؤلما للغاية، ويستخدمونه للضغط على إدارة الرئيس ترامب.

كذلك أعلنت موسكو عن استعدادها أن ينشر الجانب الأمريكي كافة المراسلات التي تبادلتها روسيا مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر قناة اتصال “مغلقة” ما بين أكتوبر 2016 و نوفمبر2017، لعل ذلك يؤدي في نهاية المطاف إلى إزالة الشكوك الأمريكية، لكن البيت الأبيض رفض عرض وزارة الخارجية الروسية، وهو ما يؤكد حرص الجانب الأمريكي على الإبقاء على حالة “التكهنات” في هذه القضية، بمعنى أن المؤسسة الأمريكية تود الإبقاء على تلك القضية لاستخدامها في المناورات السياسية السرية، والمنافسة على السلطة والموارد.

كان الاجتماع إيجابيا وشاملا، إلا أن الأطراف لم تتفق على عدد من القضايا الرئيسية، ومن بينها تجديد معاهدة “ستارت-3″، حيث تنتهي المعاهدة في فبراير 2021، ويرغب الجانب الروسي في تجديدها 5 سنوات أخرى، حال موافقة الطرفين، وترى موسكو ضرورة توسيع المعاهدة لتجنب سباق تسلح جديد، وتفاقم التوتر العالمي، أما الجانب الأمريكي فيرى أن المعاهدة لم تعد تناسب الوقت الراهن، في وقت أصبحت الصين منافسا هاما للولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط في المجال الاقتصادي، ولكن أيضا في المجال العسكري. وبينما يخفض الروس والأمريكيون أسلحتهم، فلا يوجد ما يقف عائقا أمام الصين في تطوير إنتاج أسلحتها.

بالطبع يصر الجانب الأمريكي على إشراك الصين في عملية التفاوض لمناقشة مستقبل “ستارت-3″، وإبرام معاهدة جديدة، حيث أكد وزير الخارجية الأمريكي أن الحزب الشيوعي الصيني لابد وأن يكون طرفا في هذه المفاوضات. كذلك يركز الجانب الأمريكي على نوعية الصواريخ والقاذفات الاستراتيجية والقاذفات النووية وأنواع الأسلحة الجديدة، والتي لم يتم تحديدها في الاتفاقية المبرمة منذ 10 سنوات.

كذلك تناول الجانبان قضايا سوريا وأفغانستان وكوريا الشمالية وفنزويلا، دون أن يصلا إلى نتائج ملموسة أو توافق في الرؤى.

أشار ترامب إلى رغبته في تحسين التجارة مع روسيا التي بلغت، على الرغم من العقوبات 27 مليار دولار (كانت التجارة قد انخفضت إلى 20 مليار دولار عقب أزمة أوكرانيا)، وفي هذا السياق يعترف الأمريكيون أنفسهم بأن العقوبات لم تؤثر على أكثر من 90% من التجارة الروسية الأمريكية، وهو الرقم الذي تحدث عنه السفير الأمريكي السابق لدى روسيا، جون هانتسمان، مشيرا إلى أن آلاف الشركات الأمريكية تواصل العمل في روسيا، وأن رجال الأعمال الروس بدورهم يطورون أعمالهم في الولايات المتحدة الأمريكية”.

إيليا بولونسكي – فوينوي أبوزريني (روسيا اليوم)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها